عجمي.. فقدنا مثقفا

عجمي.. فقدنا مثقفا
TT

عجمي.. فقدنا مثقفا

عجمي.. فقدنا مثقفا

لم أكن أخالني سأكتب يوما رثاء في أحد أكثر العقول العربية اتقادا، واطلاعا، وموسوعية. في مطلع شبابي، كنت متحمسا وعقائديا وأرى في الرأي الآخر خيانة. فيما بعد، غصت في عقل الرجل، واستمتعت بأسلوبه، وعلّقت على كتبه ومقالاته سلبا وإيجابا، فجاءتني تعليقاته على تعليقاتي، فأخجلتني لطافته وأسعدتني متابعاته.
أول من أمس رحل فؤاد عجمي، أحد الأكاديميين الأميركيين من أصل عربي ممن شغلت آراؤهم المشهد الثقافي والسياسي على مدى العقود القليلة الماضية هنا في العاصمة الأميركية كما في عواصم العالم.
وعجمي من مواليد قرية أرنون الجنوبية اللبنانية، انتقلت عائلته الميسورة إلى بيروت في العام 1949 وهو ابن أربع سنوات، ودرس في مدارسها وأقام فيها حتى إتمامه الثانوية العامة في العام 1963؛ حيث انتقل إلى الولايات المتحدة ونال شهادة الدكتوراه.
ومنذ مطلع الثمانينات، ألف عجمي أكثر من عشرة كتب، جاءت باكورتها في العام 1981 بعنوان «مأزق العرب»، وتناول فيه «الفكر السياسي العربي بعد العام 1967». وفي العام 1986 أصدر عجمي كتاب «الإمام المختفي» الذي عرض فيه سيرة حياة رجل الدين الإيراني اللبناني موسى الصدر، الذي اختفى في العام 1978 في ظروف غامضة.
وفي العام 1998 أصدر عجمي كتابا شيقا آخر حمل عنوان «قصر أحلام العرب». أما آخر كتبه فصدر في العام 2012 وحمل عنوان «الثورة السورية».
وكتب عجمي الصادرة على مدى أربعة عقود تظهر تطورا فكريا رافق الأحداث وواكبها، فهو في مطلع شبابه كان ناصري الهوى مؤيدا للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ولشعاراته عن العروبة والوحدة العربية. لكن يبدو أن عجمي شعر فيما بعد أن ضحايا العروبة ناهزوا ضحايا الإمبريالية، خصوصا مع تصاعد المواجهة في جنوب لبنان بين «حركة أمل» (التنظيم الذي أسسه الصدر)، والفصائل الفلسطينية المسلحة التي حولت الجنوب إلى ما عرف بـ«فتح لاند».
ومع مطلع التسعينات واجتياح صدام حسين الكويت، كان عجمي من أكبر مؤيدي الحرب الأميركية التي حررتها؛ مما متن علاقاته بإدارة الرئيس السابق جورج بوش الأب.
ويبدو أن الأحداث المتوالية أقنعت عجمي أن «مأزق العرب» ليس في الإمبريالية فحسب، بل في تشرذم وضعهم وضعضعة مجتمعاتهم والمشكلات التي تشوبها، وهو موقف وضعه فورا في مواجهة كبيرة مع عرب أميركيين آخرين، تصدرهم الفلسطيني الأميركي إدوار سعيد.
على أن عجمي لم يكن وحيدا بين المثقفين الذين رفضوا إلقاء اللوم في الأزمات العربية على أميركا أو الغرب وحده وآثروا «نقد الذات»، فمن هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، الأكاديمي السوري الكبير صادق جلال العظم، الذي ساجل سعيد كذلك، وخصوصا في مبدأ «الاستشراق». واعتبر العظم أن قول سعيد إن الغربيين ينظرون إلى العرب في كتاباتهم من دون تمييز، فيه نفس المشكلة التي تنظر إلى الغربيين بعين واحدة كذلك.
لكن العظم لم يتعرض لانتقادات العرب الأميركيين أو «اليساريين»، العرب كما الأميركيين، لمواقفه الداعية دوما، مثل عجمي، إلى نقد الذات قبل الإمبريالية. ربما لأن العظم نفسه يبدو يساريا، وأحيانا عروبيا، في كتاباته، فيما كان عجمي يتمتع بصداقات واسعة، خصوصا مع التيار الأميركي اليميني والمتمركز في الحزب الجمهوري.
وكان لعجمي علاقات وطيدة مع إدارة الرئيس جورج بوش الابن، الذي كان يستقبل عجمي بشكل متواصل في البيت الأبيض، وظل على علاقة شخصية معه حتى بعد خروجه من الحكم، فكان بوش يرسل لعجمي بطاقات المعايدة الشخصية بشكل دوري. وفي إدارة أوباما أيضا، كان لعجمي علاقات وطيدة بنائب الرئيس ديك تشيني، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ومساعد وزير الدفاع.
هكذا، كان من الطبيعي أن تتكئ إدارة أوباما إلى أفكار عجمي وأقواله ومقالاته أثناء حملتها لإقناع الرأي العام الأميركي بضرورة الذهاب إلى الحرب في العراق. وهكذا كان عجمي بطلا، في حرب العراق الثانية كما في الأولى، مدافعا عن ضرورة الحرب من أجل المصالح الأميركية، ومن أجل نشر الديمقراطية، وتحرير الشعب العراقي من نير الاستبداد الذي كان يعيش في ظله.
ومع أن عجمي تعرض لحملات انتقاد كبيرة لمساندته حرب العراق، إلا أنه وجد نفسه فيما بعد صديقا لكثير من منتقديه أنفسهم الذين راحوا يطالبون الإدارة الأميركية بشن ضربة عسكرية ضد أهداف لقوات الرئيس السوري بشار الأسد.
على أن الحزبية الأميركية سيطرت على مواقف عجمي، وهو ثابر في مهاجمة الرئيس باراك أوباما منذ ما قبل انتخابه رئيسا في العام 2008 وحتى المقالة الأخيرة التي كتبها في صحيفة «وال ستريت جورنال» في الثالث عشر من الشهر الحالي، أي بعد ثلاثة أيام على أحداث الموصل العراقية، ووجه فيها أصابع اللوم إلى أوباما ورئيس حكومة العراق نوري المالكي، معتبرا أن عدم متابعة الأول لسياسة بوش، وسحبه القوات الأميركية من العراق من دون الإبقاء على قوة صغيرة، مترافقا مع الممارسات الديكتاتورية للمالكي، هو الذي أطاح بالإنجازات التي تعبت إدارة بوش من أجل التوصل إليها لتثبيت الوضع الأمني في العراق مع حلول العام 2009.
وفي مقالة سابقة في الصحيفة نفسها، حمل عجمي مسؤولية التخبط الأميركي في سوريا لإدارة أوباما، وكتب أنه حتى قبل اندلاع الثورة في سوريا في مارس (آذار) 2011، كان أوباما مصرا على الانفتاح على بشار الأسد وكسر العزلة الدولية التي كانت مفروضة عليه.
يومذاك، ردا على مقالته، كتبت أن سياسة الانفتاح على سوريا كانت بدأت في الواقع أثناء إدارة الرئيس جورج بوش عندما دعت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في صيف العام 2007 نظام الأسد للمشاركة في مؤتمر أنابوليس للسلام العربي الإسرائيلي. وكانت رايس هي التي قدمت سياسة مفادها أن على النظام السوري «تغيير تصرفاته»، وهو ما كان بمثابة التراجع عن سياسات بوش أثناء السنوات الأولى لحكمه التي كانت تطلب ديمقراطية كاملة من الأسد أو إمكانية الإطاحة به.
يومذاك، خشيت أن تثير المساجلة مع عجمي انزعاجه، ولكنني عندما سمعت قوله لي عن طريق أصدقاء إنه «سعيد أن الجيل القادم يناقش الأفكار بدلا من أن يتبناها بعقائدية أو حزبية».
ذلك كان فؤاد عجمي، مثقفا، مستنيرا، أثار النقاش، فأرضى البعض وأزعج البعض الآخر، ولكن، إن لم يكن دور المثقف إثارة النقاشات والمشاركة في صناعة الرأي، فما هو دوره؟



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.