رئيس جيبوتي: القواعد العسكرية الأجنبية لحماية الملاحة ومكافحة الإرهاب

أكد لـ«الشرق الأوسط» أن استهداف الحوثيين للسعودية تطور خطير في حرب المنظمات الإرهابية ومن يقف خلفها

الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله («الشرق الأوسط»)
الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله («الشرق الأوسط»)
TT

رئيس جيبوتي: القواعد العسكرية الأجنبية لحماية الملاحة ومكافحة الإرهاب

الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله («الشرق الأوسط»)
الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله («الشرق الأوسط»)

أعرب الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، عن أمله في أن تسلط القمة العربية بالظهران الضوء على مختلف المشكلات والأزمات التي تعصف بعالمنا العربي. وقال: «نتمنى من جامعة الدول العربية بصفة عامة أن تجسد آمال الأمة العربية وتعمل على تحقيقها».
وشدد جيله في حوار مع «الشرق الأوسط»، على أن الوجود العسكري للدول الكبرى في جيبوتي ليس استقطاباً أو تنافساً بين هذه الدول على مصالح اقتصادية واستراتيجية في المنطقة، لكنه لمكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية وحماية الملاحة الدولية. ودعا اليمنيين إلى التكاتف من أجل دعم الشرعية الدستورية، والوقوف إلى جانب هذا البلد وقيادته الشرعية، وإنهاء الانقلاب الذي خلق الفوضى.
وتطرق جيله إلى أن جيبوتي تعتبر استهداف الحوثيين للسعودية عدواناً آثماً وتهديداً للأمن الإقليمي والدولي، وتطوراً خطيراً في حرب المنظمات الإرهابية ومن يقف خلفها.
وفيما يلي نص الحوار:
> تشاركون في القمة العربية بالظهران، ما أهم التحديات والقضايا الملحة التي تواجه هذه القمة؟
- قمة الظهران، تأتي في ظرف دقيق بالغ الحساسية يمر به العالم العربي، وفي أوضاع مضطربة تشهدها كثير من البلدان العربية، مثل سوريا، واليمن وليبيا والعراق والصومال، إضافة إلى المسألة الفلسطينية التي تمثل القضية المركزية للعمل العربي المشترك، بما في ذلك موضوع القدس الشريف ونقل السفارة الأميركية إليها اعترافاً بها عاصمة لإسرائيل، مما يتعارض مع مقترحات الحلول السلمية المطروحة، إضافة إلى نشاطات التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن في المنطقة العربية برمتها والعالم أجمع.
> ما الثمار المرجوة من القمة العربية وأهم التوصيات التي تتطلعون إليها؟
- نتطلع إلى أن تسلط القمة الضوء على مختلف المشكلات والأزمات التي تعصف بعالمنا العربي، وأن تخرج بقرارات مهمة من شأنها الإسهام في حل تلك الأزمات، والحفاظ على الوحدة والتضامن بين الأشقاء، وتعزيز العمل العربي المشترك لما فيه رخاء وازدهار الوطن العربي بعيداً عن القلاقل والاضطرابات الأمنية والحروب. ونتمنى من جامعة الدول العربية بصفة عامة أن تجسد آمال الأمة العربية وتعمل على تحقيقها. ونحن متفائلون بانعقاد هذه القمة في الرياض بقيادة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
> الأزمة السورية باتت تشكل أمراً مقلقاً للإقليم والعالم، وما أطروحاتكم للحل؟
- لا شك في أن الأزمة السورية وكذلك الأزمة اليمنية وما تشهده ليبيا والعراق من أوضاع أمنية مضطربة، أمر يثير القلق. وبخصوص الأزمة السورية، فإننا لا نزال متمسكين بأن الحل الوحيد لهذه المأساة هو الحل السياسي، الذي يحقق تطلعات الشعب السوري، ويعتمد على مقومات الحفاظ على وحدة البلاد، ويصون استقلالها ويعيد لها الأمن والاستقرار.
وبالنسبة للأزمة اليمنية، فإننا ندعو الأشقاء إلى التكاتف من أجل دعم الشرعية الدستورية، والوقوف إلى جانب هذا البلد الشقيق وقيادته الشرعية، وإنهاء حالة الانقلاب الذي خلق الفوضى في اليمن، وأدى إلى ما أدى إليه من حالة يعيشها الشقيق والجار، وبحيث يكون الحل السلمي والسياسي هو المخرج من هذه الأزمة.
وعلى الصعيد ذاته، نجدد دعمنا للعراق الشقيق في جهوده الرامية للقضاء على العصابات الإرهابية. كما نجدد دعمنا للأشقاء في ليبيا، وندعو الأطراف الليبية إلى التكاتف وإنهاء الانقسام، بما يحقق تطلعات الشعب الليبي الشقيق بالأمن والاستقرار والرخاء.
> إلى أي حد يشكل استهداف السعودية بالصواريخ الحوثية تهديداً لأمن واستقرار المنطقة والخليج؟
- نعتبر استهداف الحوثيين لبلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية الشقيقة، عدواناً آثماً وتهديداً للأمن الإقليمي والدولي، كما أن إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه المدن والقرى الآهلة بالسكان مخالف للقانون الدولي الإنساني، وهو تطور خطير في حرب المنظمات الإرهابية ومن يقف خلفها.
ونكرر وقوفنا وتضامننا الدائم مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، ضد العدوان السافر، الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة، ويؤدي إلى استمرار حالة الحرب والتصعيد في اليمن الشقيق، الذي نأمل في أن يعود آمنا مستقرا، في ظل سيادة القانون وحكومته الشرعية المعترف بها دوليا. ونعتبر العدوان الصاروخي هذا، عدوانا علينا نحن، فالسعودية هي الرأس والشقيقة الكبرى.
> كيف تقيّمون مستوى العلاقات السعودية - الجيبوتية على المستوى السياسي والاقتصادي؟
- تربطنا بالسعودية علاقات أخوية تاريخية متينة تقوم على أسس راسخة من الثقة والتفاهم والتنسيق العالي على المستويات كافة، مما يعكس توافقا تاما وتناغما في الرؤى السياسية في كثير من الملفات والأزمات الدولية والإقليمية.
ومن المؤكد أن العلاقات الجيبوتية السعودية، تضرب جذورها في أعماق التاريخ وتمتد إلى ما قبل نيل جيبوتي الاستقلال عام 1977. ومنذ زيارتي الرسمية ولقائي بأخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز فإن علاقاتنا مع المملكة شهدت نقلة نوعية كبيرة، كما أنها تزداد قوة ومتانة يوما بعد يوم، وأصبحت استراتيجية. وأنا على تواصل دائم بأخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وكذلك ولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وعلى صعيد التعاون والتنسيق المستمر، هناك اللجنة الجيبوتية السعودية المشتركة التي تمثل إطاراً عاماً يندرج تحته التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، إضافة إلى وجود مجلس مشترك لرجال الأعمال الجيبوتيين والسعوديين.
> وجود قواعد عسكرية فرنسية وأميركية ويابانية وصينية في جيبوتي... هل هو نتاج طبيعي لمستحقات استقطاب الدول الكبرى؟
- الوجود العسكري للدول الكبرى في جيبوتي ليس استقطاباً أو تنافساً بين هذه الدول على مصالح اقتصادية واستراتيجية في منطقتنا، ولكنه موجه في المقام الأول لمكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية وحماية الملاحة الدولية في هذا الموقع الاستراتيجي المهم من العالم. كما أننا بالمقابل نسعى إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار والتنمية في بلادنا على وجه الخصوص وفي المنطقة على وجه العموم.
وانطلاقاً من النقطتين السابقتين، يمكنني القول إنه توجد مصالح مشتركة، كما يوجد هدف مشترك يصبو إليه الجميع، ويتمثل في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وصون السلم والأمن الدوليين.
> ما تقييمكم للدور الذي تضطلع به جيبوتي في منطقة القرن والشرق الأفريقي لتحقيق الأمن؟
- تتمتع بلادنا بموقع استراتيجي مهم عند المدخل الجنوبي لحوض البحر الأحمر، مطلة على مضيق باب المندب الذي يمثل شرياناً ذا أهمية قصوى للاقتصاد العالمي. وجيبوتي بوابة القارة الأفريقية من جهة الشرق ومقر دول مجموعة «إيقاد» وهو التجمع التنموي لشرق أفريقيا. كما أن جيبوتي بوابة لتجمع كوميسا لمجموعة دول التبادل التجاري الحر لجنوب شرقي أفريقيا، الذي يضم في عضويته 19 دولة يبلغ تعداد سكانها نحو 450 مليون نسمة. يضاف إلى ذلك أن جيبوتي تمثل جسراً رابطاً بين قارة أفريقيا والجزيرة العربية.
وانطلاقاً من الموقع الجغرافي الفريد لجيبوتي، وعضويتها في تجمعات اقتصادية مهمة، ودبلوماسيتها الحكيمة، فإن بلادنا تضطلع بدور محوري شديد الأهمية في منطقة القرن والشرق الأفريقي لتحقيق الأمن الاقتصادي والاستقرار السياسي. ويتجسد ذلك في فتح الاستثمار والاقتصاد الحر، إضافة إلى الوجود العسكري الدولي لمكافحة الإرهاب وحماية المصالح العالمية.
> كيف ترون تغير القيادة السياسية في إثيوبيا وإلى أي حد يمكن أن يخدم أمن المنطقة؟
- جاءت استقالة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين منتصف فبراير (شباط) الماضي، خطوة في إطار الجهود السياسية الرامية إلى إيجاد حلول لأوضاع داخلية. وبما أن إثيوبيا دولة صديقة وجارة تربطنا بها العلاقات الإنسانية المتمثلة في التداخل الكبير بين شعبي بلدينا، إضافة إلى روابط التاريخ والحضارة، فإننا نعتبر أمن إثيوبيا مهماً وجزءاً لا يتجزأ من أمن جيبوتي والقرن الأفريقي قاطبة. ونحن على ثقة بحكمة القيادة الإثيوبية الجديدة وقدرتها على حسن إدارة المرحلة السياسية. ونهنئ الائتلاف الحاكم على اختياره رئيس الحكومة الجديد.
> صنفت المنظمة الدولية البحرية مضيق باب المندب بأنه منطقة عالية الخطورة... إلى أي حد يمثل ذلك تهديداً لأمن المنطقة عموماً؟
- يعد مضيق باب المندب منطقة حيوية ذات أهمية قصوى في التجارة العالمية وحركة نقل النفط والبضائع، فهو همزة الوصل ما بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، كما يربط البحر الأحمر بالمتوسط.
وخلال العقدين الماضيين، كان نشوء وتفشي الجماعات الإرهابية في بعض البلدان المجاورة للمضيق مثار قلق دولي كبير، ففي 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2000، استهدف تفجير انتحاري المدمرة الأميركية كول بميناء عدن، مما أسفر عن خسائر.
ثم توالت المخاوف بانتشار الجماعات المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة وداعش في اليمن، وحركة شباب المجاهدين في الصومال، وكذلك ظهور القرصنة في السواحل الصومالية واليمنية، وكل هذه العوامل باتت خطراً يهدد باب المندب.
وتضطلع جيبوتي بحكم موقعها الجغرافي المطل على المضيق بدور مهم جداً في الحفاظ على الأمن والاستقرار وضمان سلامة الملاحة البحرية في هذه المنطقة الحيوية، بالتعاون والتنسيق المستمرين مع القوى العالمية كأميركا وفرنسا.
> لا يزال الصومال يعاني عدم الاستقرار الأمني بسبب نشاط جماعات مسلحة فضلا عن القرصنة... ما الدور الذي تضطلع به جيبوتي تجاهها وما تقييمكم للموقف العربي والدولي حيال ذلك؟
- كانت جيبوتي ولا تزال واقفة إلى جانب شقيقتها الصومال لتسهم في مساعدتها في تجاوز محنها وأزماتها، وذلك باستقبال لاجئي الحروب الأهلية في الصومال مطلع التسعينات وتنظيم مؤتمرات لتحقيق مصالحة وطنية وبناء حكومة ائتلافية تجمع شتات ذلك البلد الذي مزقته الصراعات القبلية والاضطرابات السياسية، والمشاركة العسكرية الميدانية ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية «أميصوم» لإعادة الأمن والاستقرار، فنحن مشاركون بأكثر من ألفي جندي ضمن قوات أميصوم المتمركزة في الصومال.
وفي السنوات الأخيرة، بدأ الصومال يستعيد عافيته بعد أن بنى مؤسساته الدستورية بنفسه، وخاض أكثر من تجربة انتخابية ديمقراطية، رغم التحديات الأمنية الجسيمة. وبناء على ما سبق، فإن الصومال بحاجة إلى مساندة قوية من أشقائه العرب، وإلى دعم عاجل لتمكينه من تجاوز أزماته التي طال أمدها، بما يحفظ وحدة أراضيه واستقلاله ويصون كرامته.


مقالات ذات صلة

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية (الجامعة)

أبو الغيط: الموقف الأميركي «ضوء أخضر» لاستمرار «الحملة الدموية» الإسرائيلية

استنكر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الخميس، استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» لعرقلة قرار بمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط (أ.ف.ب)

أبو الغيط يحذر من مغبة القانون الإسرائيلي بحظر «الأونروا»

وجَّه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، اليوم (الخميس)، رسالتين يحذر فيهما من مغبة القانون الإسرائيلي بشأن حظر نشاط «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

اتفاقية تعاون سعودية ـ مغربية متعددة المجالات

أبرمت السعودية والمغرب اتفاقية للتعاون في عدد من المجالات التي تجمع وزارتي «الداخلية السعودية» و«العدل المغربية».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

أجمع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية على رفض حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار العدوان على لبنان.

عبد الهادي حبتور (الرياض )

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.