روسيا تخفق في حشد تأييد دولي لـ«التنديد بالعدوان الفاضح» على سوريا

الغرب يستعد لقرار جديد يحاسب على الكيماوي وينعش العملية السياسية

المندوبة الأميركية نيكي هيلي خلال جلسة أمس (أ.ب)
المندوبة الأميركية نيكي هيلي خلال جلسة أمس (أ.ب)
TT

روسيا تخفق في حشد تأييد دولي لـ«التنديد بالعدوان الفاضح» على سوريا

المندوبة الأميركية نيكي هيلي خلال جلسة أمس (أ.ب)
المندوبة الأميركية نيكي هيلي خلال جلسة أمس (أ.ب)

خسرت روسيا معركة دبلوماسية مهمة في مجلس الأمن أمس (السبت)، إذ قدمت مشروع قرار «يندد» بما وصفته بأنه «عدوان فاضح» شنته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد سوريا، في «انتهاك للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة». وتستعد الدول الغربية الثلاث لتقديم مشروع قرار جديد ينص على التحقق من تدمير كامل الترسانة الكيماوية لدى نظام الرئيس بشار الأسد، وإجراء تحقيق دولي مستقل في استخدام الغازات السامة المحظورة دولياً منذ عام 1925 وتحديد المسؤولين عن ذلك ومحاسبتهم، فضلاً عن إعادة مسار العملية السياسية إلى جنيف بقيادة المنظمة الدولية.
وعقدت هذه الجلسة الطارئة بطلب عاجل من موسكو التي قدمت مشروع قرار مقتضباً يعبر عن «الغضب من العدوان الفاضح» الذي شنته الولايات المتحدة وحلفاؤها على سوريا باعتبارها «دولة ذات سيادة»، فضلاً عن القلق العميق من أن وقوع العدوان بالتزامن مع بدء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية عملها لجمع الأدلة في دوما. ويندد بشدة بـ«العدوان الذي يخرق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي»، مطالباً بـ«الامتناع فوراً عن أي خروقات مستقبلية لميثاق الأمم المتحدة».
واستهلت الجلسة بكلمة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مذكراً الدول الأعضاء بالالتزام الذي يقضي بضرورة العمل بما يتوافق مع ميثاق المنظمة الدولية، وخصوصاً فيما يتعلق بقضايا الأمن والسلم، داعياً مجلس الأمن إلى «الاتحاد وممارسة مسؤوليته». وحض أيضاً كل الدول على «ممارسة ضبط النفس في هذه الظروف الخطيرة وتجنب أي أعمال قد تؤدي إلى تصعيد الوضع وزيادة معاناة الشعب السوري».
وشدد غوتيريش على «ضرورة تجنب خروج الوضع عن نطاق السيطرة». وعبر عن «خيبة أمله العميقة بشأن فشل مجلس الأمن في الاتفاق على آلية مكرسة للمساءلة الفعالة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا». وأشار إلى «خطورة الادعاءات الأخيرة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما»، مضيفاً أنها «تتطلب إجراء تحقيق شامل باستخدام خبرات محايدة ومستقلة ومهنية».
وكرر المسؤول الأممي أن «الوضع في سوريا يمثل أخطر تهديد للسلم والأمن الدوليين، لما تشهده البلاد من مواجهات وحروب بالوكالة تنخرط فيها عدة جيوش وطنية وعدد من جماعات المعارضة المسلحة، وكثير من الميليشيا الوطنية والدولية، والمقاتلون الأجانب من كل مكان في العالم، ومختلف الجماعات الإرهابية».
ثم تحدث المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، مندداً بـ«العدوان الأميركي - البريطاني - الفرنسي على سوريا»، معتبراً أنه «يدعم التنظيمات الإرهابية ويؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية فيها». وقال: «طلبنا عقد هذه الجلسة لمناقشة العمل العدواني لأميركا وحلفائها على سوريا الدولة ذات السيادة»، لافتاً إلى أن واشنطن وحلفاءها استهدفوا المنشآت والبنى التحتية في سوريا من دون ولاية من مجلس الأمن متخطين جميع القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
وشدد على أن «تصعيد الأوضاع الحالية ضد سوريا يؤثر في سائر منظومة العلاقات الدولية»، واصفاً تصرفات الدول الغربية بأنها «بلطجة في العلاقات الدولية». وأضاف أن «روسيا تطالب الولايات المتحدة وحلفاءها بالتخلي عن هذه الخطوات وعدم زعزعة الأوضاع في الشرق الأوسط»، معتبراً أن «واشنطن ولندن وباريس قررت العمل من دون الاحتكام للعقل السليم، والولايات المتحدة ما زالت تستعرض انتهاكها الصارخ للقوانين الدولية، وعلى أعضاء مجلس الأمن أن تصر على الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، فمن المخجل أن نسمع أنه لتبرير هذا العدوان تم استخدام الدستور الأميركي، ولكن يجب على واشنطن أن تتعلم أن استخدام القوة يجب أن يأتي فقط وفقاً لميثاق الأمم المتحدة». وخاطب نظراءه الغربيين، قائلاً إن «عدوانكم ضربة كبيرة للعملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، فأنتم تعيقون تقدم هذه العملية للأمام».
وفي المقابل، حمّلت المندوبة الأميركية نيكي هايلي، روسيا، مسؤولية الفشل في ضبط الأسلحة الكيماوية السورية، قائلة إنها تحدثت صباحاً مع الرئيس دونالد ترمب. وأكدت أنه «عندما يضع رئيسنا خطاً أحمر، فإن رئيسنا ينفذ ما يقوله».
وأضافت: «نحن مستعدون للضرب مجدداً إذا اختبرنا النظام السوري وكرر استخدام الأسلحة الكيماوية». وزادت: «منحنا الدبلوماسية 6 فرص عرقلتها روسيا»، مضيفة أن «واشنطن استخدمت كل الطرق الدبلوماسية بهدف نزع السلاح الكيماوي من النظام السوري». غير أن «الفيتو الروسي كان الضوء الأخضر للنظام السوري لاستخدام الأسلحة الكيماوية». وأكدت أن «استراتيجيتنا في سوريا لم تتغير. لكن النظام السوري أرغمنا على القيام بهذا العمل العسكري بسبب استخدامه المتكرر للأسلحة الكيماوية». وأوضحت أن «الغارات لم تهدف للانتقام أو للعقاب، بل لردع أي استخدام للسلاح الكيماوي». وقالت: «نحن مستعدون لمواصلة هذا الضغط في حال وصلت الحماقة بالنظام السوري إلى امتحان إرادتنا».
أما المندوب الصيني، فقال إنه من الضروري إجراء تحقيق مستقل في مزاعم استخدام المواد الكيماوية. وأكد أن بلاده مستعدة لمواصلة دورها البناء والإيجابي في حل الأزمة في سوريا عبر الحوار.
وقال المندوب البوليفي إن استخدام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا القوة في سوريا «انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، وهو إجراء أحادي يتناقض مع مبادئ الأمم المتحدة وغير مقبول ونرفضه ويخدم مصالح من قام به».
وأكد المندوب الفرنسي فرنسوا دولاتر أن «قرار النظام السوري استخدام الأسلحة الكيماوية مجدداً، يعني أنه وصل إلى نقطة اللاعودة، وأن على العالم أن يقدم رداً قوياً وموحداً وحازماً». وأشار إلى أن الدول الغربية ستقدم مشروع قرار يتضمن التحقق من تدمير المخزون الكيماوي السوري بشكل كامل، ويضمن محاسبة مستخدمي الكيماوي كسلاح في سياق الحرب السورية، مع التوصل إلى وقف شامل للنار وإدخال المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى العودة إلى الحل السياسي في جنيف.
وقالت المندوبة البريطانية كارين بيرس، إن الضربة الثلاثية على سوريا كانت «دقيقة استهدفت المرافق الكيماوية وأهدافاً عسكرية». وأكدت أن «العمليات العسكرية كانت محدودة وناجعة». وأضافت: «فعلنا ما بوسعنا للتأكد من تخفيف أثر الضربات على المدنيين»، موضحة أن «التدخل كان ضرورياً للحد من معاناة الناس». وشددت على أن «العمل الجماعي سيقوض قدرة سوريا على إنتاج الأسلحة الكيماوية واستخدامها». وختمت: «لن نقبل بدروس في القانون الدولي من روسيا».
وأكد المندوب الكويتي منصور العتيبي، أن بلاده ترفض الحل العسكري للأزمة في سوريا، مشدداً على أنه تجب إدانة استخدام الكيماوي. وأضاف أن الانقسام في مجلس الأمن شجع أطراف الأزمة في سوريا على انتهاك القوانين الدولية، موضحاً أن التطورات الأخيرة في سوريا سببها تعطيل قرارات مجلس الأمن.
وأخيراً أعطي الكلام للمندوب السوري بشار الجعفري، الذي قال إن «العدوان الأميركي - البريطاني - الفرنسي على سوريا جاء انتقاماً لهزيمة أذرعهم الإرهابية الوكيلة في الغوطة». وتعهد بأن تقوم حكومته وحلفاؤها وأصدقاؤها «بالرد على العدوان الغاشم الذي وقع». واعتبر أن «توجيهات الدول المعتدية على سوريا وصلت إلى المجموعات الإرهابية التي فبركت مسرحية استخدام المواد الكيماوية فأعدت بذلك الذريعة لشن هذا العدوان السافر».
وعلى أثر ذلك، صوت المجلس على مشروع القرار الروسي، فحصل على 3 أصوات فقط من روسيا والصين وبوليفيا، وعارضته 8 دول: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسويد وهولندا وبولونيا والكويت وساحل العاج، وامتنعت 4 دول عن التصويت هي: كازاخستان وبيرو وإثيوبيا وغينيا الاستوائية.


مقالات ذات صلة

خبراء: القصف الإسرائيلي ضد مواقع عسكرية سورية يتعارض مع القانون الدولي

المشرق العربي قوات إسرائيلية تتحرك داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان (إ.ب.أ)

خبراء: القصف الإسرائيلي ضد مواقع عسكرية سورية يتعارض مع القانون الدولي

أكّد خبراء أمميون، أمس (الأربعاء)، أنّ الغارات الجوية التي شنّتها إسرائيل ضدّ مواقع عسكرية سورية أخيراً تتعارض مع القانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (جنيف- دمشق)
العالم من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)

«الجمعية العامة» تطالب بأغلبية ساحقة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة يوم الأربعاء لصالح المطالبة بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار بين إسرائيل ومقاتلي حركة المقاومة الإسلامية.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان في لقاء سابق مع بيدرسون بمقر وفد السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك (واس)

فيصل بن فرحان يناقش المستجدات السورية مع بيدرسون

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع غير بيدرسون المبعوث الأممي إلى سوريا، مستجدات الأوضاع السورية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي غزيون يسيرون بين أنقاض المباني المنهارة والمتضررة على طول شارع في مدينة غزة (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تطلب أكثر من 4 مليارات دولار لمساعدة غزة والضفة في 2025

طلبت الأمم المتحدة اليوم الأربعاء، أكثر من أربعة مليارات دولار لتقديم مساعدات إنسانية لثلاثة ملايين شخص في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يحضر مؤتمراً صحافياً في بريتوريا، جنوب أفريقيا، 11 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

غوتيريش: نرى بارقة أمل من نهاية الديكتاتورية في سوريا

قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اليوم (الأربعاء)، خلال زيارة إلى جنوب أفريقيا، أن هناك بارقة أمل من نهاية الديكتاتورية في سوريا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.