البنغال... أرض السمك والأرز

مصدر أهم المطابخ في الشرق

البنغال... أرض السمك والأرز
TT

البنغال... أرض السمك والأرز

البنغال... أرض السمك والأرز

الطعام والأكل بالنسبة للبنغاليين أشبه بالطقس، وهو فن بحد ذاته، ولا عجب أن معظم أطباق هذا المطبخ العظيم صغيرة أشبه بأطباق المازة. ومهما كان عدد الأطباق لا بد من تقديم كل طبق على حدة إلى جانب بعض الأرز حسب التقاليد الموروثة. فعادة ما تقدم الأطباق الصعبة والرقيقة من ناحية الطعم أولا قبل كل شيء ثم بالتدريج تقدم الأطباق الأقوى طعما وأكثر حرارة واحدة تلو الأخرى لإتمام لائحة المذاقات المتوفرة.
وعادة ما تقدم أطباق الخضراوات التي تتمتع بمذاق مر بعض الشيء ثم أطباق العدس والسمك والخضراوات المقلية ويتبعها الأطباق الأكثر تعقيدا من ناحية التحضير، ثم طبق اللحم وعادة ما يأتي السمك أولا أي قبل اللحم.
وعندما نتكلم عن البنغال نتكلم عن عدد من المناطق أهمها بنغلاديش وعدة مناطق في الهند وبالتحديد اسام في شمال شرقي البلاد ومنطقة غرب البنغال في الشرق وتريبورا ووادي برك.
ويصل عدد السكان في هذه المناطق التي تعتبر أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم إلى 250 مليون نسمة 90 مليون منهم في بنغلاديش.
بماذا يختلف المطبخ البنغالي عن المطبخ الهندي؟
التنوع في المطبخ البنغالي فريد من نوعه حتى في الهند نفسها، ويعتبر السمك وأطباقه واحد من أهم معالم هذا المطبخ العظيم وإحدى معالم تميزه عن غيره من الكثير من المطابخ الآسيوية والدولية والداخلية الهندية نفسها ويعود ذلك إلى الغنى الكبير لهذه المناطق بالممرات المائية والأنهار والبرك والبحيرات وغنى هذه الأنهار والبحيرات بشتى أنواع السمك مثل سمك السلور وسمك البوري وسمك القاروس. أضف إلى ذلك أن البنغاليين يعدون الأسماك بشتى الطرق مثل التبخير والطهي ببطء أو مطبوخا مع الخضراوات والصلصات وخصوصا صلصة الخردل وبذور الخشخاش.
ولا عجب أن يطلق على البنغال اسم أرض «السمك والأرز «(Maach aar Bhaat)
كما يكثر البنغاليون من استخدام الخضراوات في مطبخهم ويستخدمون الخيرات الكثيرة التي تتمتع بها مناطقهم وهي كثيرة ومع هذا فهم أيضا معروفون باستخدام كل ما أمكن من الخضرة نفسها أي قشورها وأوراقها وعيدانها أو قصباتها.
ويتكل المطبخ البنغالي عادة على الخيرات المحلية التالية: المانغو وجوز الهند والموز وقصب السكر والسمك كما ذكرنا والحليب واللبن والبهارات وخصوصا الزنجبيل والخردل الأسود واللحوم والأرز.
ويشير موقع سوتابا دوت كوم بهذا الإطار إلى أن البنغاليين يستخدمون أساليب فعالة من ناحية استهلاك الوقود، مثل تبخير السمك أو الخضراوات في وعاء صغير مغطى فوق طبق الأرز.
والأهم من ذلك أن البنغاليين يكثرون من استخدام التوابل في أطباق الخضراوات والأسماك ويملكون عددا كبيرا من خلطات البهار الممتازة والتي لا تتوفر في بقية المناطق الهندية.
«ومن الأمثلة على ذلك البصل المطبوخ بنكهة بذور حبة البركة والخمسة التوابل (خليط من الكمون، الشمر، الحلبة، حبة البركة، والخردل الأسود)». وتعتبر خلطات التوابل المتعددة التي يضمها المطبخ البنغالي من أهم مكامن قوة وفرادة هذا المطبخ وتميزه وهي عادة إما تقلى في بداية الطبخ أو في نهاية إعداد الأطباق.
ويكثر البنغال عادة من استخدام الكمون، وحبة البركة، والحلبة، واليانسون، وبذور الخردل. ويميزون باستخدام معجون الخردل الطازج رغم غرامهم بالخردل الأسود كسكان جنوب الهند.
لكن وبشكل تضم اللائحة كمية كبيرة من أنواع التوابل، مما يدل على غنى هذا المطبخ العريق: الزنجبيل ومسحوق المانغو والكرفس وبذور النانخا والأملج الهندي وبذور الرمان والجوز والهال والقرفة وخلطة الغاراماسالا وماء الورد وسكر البلح والكركم وأوراق الكزبرة والكزبرة المطحونة والفلفل على أنواعه الطازجة والمطحونة والتمر هندي وجوز الطيب وقشره وأوراق الكاري والكاجو والملح الأسود والنيم والفلفل الأسود المطحون والزعفران والتمر وبذور الخشخاش والثوم واللايم والبصل الأخضر والشومر والخل وورق الغار والسمسم والحتليت.
ويتميز المطبخ البنغالي عن المطبخ الهندي أيضا بتنوع حلوياته وبدخول الحبوب والفاصوليا والخضراوات في تحضير الكثير من هذه الحلويات كما هو الحال مع كثرة استخدام الأجبان والألبان فيها.
أضف إلى ذلك أن لثقافة الطهي في البنغال ما قبل الاستعمار البريطاني «الكثير من السمات التي تميزها عن أجزاء أخرى من البلد. فتقليديا تنقسم الأطباق البنغالية إلى أربعة أنواع، مثل شاربيا - Charbya (الأطعمة التي يجب أن يمضغ، مثل الأرز والأسماك وغيرها)، تشوشيا - Choshya (الطعام الذي يفترض امتصاصه، السوائل مثل أمبال، تاك وغيره) ليهيا - Lehya (الطعام الذي يتم لعقه أو لحسه مثل صلصات التشاتني - ) وبيا - Peya (المشروبات مثل الحليب).
وللتدليل على التنوع الكبير في المطبخ البنغالي يقال، إن العروض التي تقدم الآلهة خلال الطقوس الدينية لا تقتصر على عدد قليل من الحلويات والفواكه كما هو معروف، بل تشمل وجبة نباتية كاملة وهامة تضم أطباق البطاطا وشتى الخضراوات والأرز مع الزبيب والمكسرات وطبق الملفوف الحار، الخبز والصلصات المصنوعة من الطماطم أو البابايا أو البرقوق.

تاريخ
> يعود تاريخ المطبخ البنغالي إلى تاريخ مجيء الأرز إلى المناطق البنغالية من جنوب شرقي آسيا وانتشار زراعته قبل 5 آلاف سنة تقريبا.
لكن تاريخ تطور المطبخ حديثا يمر بفترات تاريخية مهمة تبدأ بالوجود التركي ثم الإسلامي والمغولي ثم الأوروبي والبريطاني نهاية القرن الثامن عشر. وجميع هذه الفترات والقرب الجغرافي من الكثير من البلدان الآسيوية الهامة مطبخيا وخصوصا دول جنوب شرقي آسيا، عملت على جبل وتطوين ما نعرفه حاليا عن المطبخ البنغالي الذي يعتبر أفضل المطابخ الهندية في الهند وفي بريطانيا حيث يوجد آلاف المطاعم وأكثر المطاعم شهرة في العالم.
جاء الأتراك مع بداية القرن الثالث عشر بالكثير والكثير من الأطعمة والأطباق مثل البطيخ والرمان وأرز البولاو والبرياني والكباب والكفتة وغيره. لكن هذه الأطباق لم تنتشر بالشكل المطلوب قبل انتشار الإسلام في الطبقات الفقيرة والعليا على حد سواء.
وقبل ذلك بكثير ومع بداية الوجود الأوروبي في آسيا مع البرتغاليين والبريطانيين والدنماركيين والهولنديين مع بداية القرن الخامس عشر، جلب البرتغاليين وهم أول من وصل إلى تلك البقاع معهم، البندورة والبطاطا والفلفل الحار والبامية والقنبيط والملفوف والخبز والجبن والبكوت وغيره، ولم تصبح هذه الأنواع والخضراوات جزءا من المطبخ العام ولم تحظ بالشعبية التي تحظاها الآن قبل وصل البريطانيين وحكم البنغال نهاية القرن الثامن عشر.
كما جلب اليهود معهم المخابز إلى البنغال، وجلب المارويون من راجستان معهم خبرات صنع الحليوات، وأضاف المغول الكثير من النكهات والأطباق الفاخرة. ومع المغول وحكم النواب انتشرت شتى أنواع الصلصات الغنية وكثر استخدام اللحم بشكل عام ولحم البقر بشكل خاص.
ولا بد من الذكر هنا أن المهاجرين الأفغان والصينيين الذين أتوا إلى كالكاتا في البنغال في القرن الثامن عشر لعبوا دورا كبيرا في تشكيل المطبخ البنغالي، إذ أضافوا إليه بعض العناصر والاستخدامات والأطباق كاستخدام الفطر، كما تأثروا به واندمجوا بالأذواق المحلية وتأقلموا معها.
يعتبر أهل البنغال على علاقة قوية بالطعام، وهناك الكثير من الوصف التفصيلي للطعام في الأدبيات البنغالية منذ القرون الوسطى حتى الآن. ولذا فإن الطعام ووصفه الحي يجد دائما مكانا مهما في الأدب البنغالي منذ قديم الزمان. وتقول الكاتبة تشيتريتا بانيرجي بهذا الصدد: «يبدو أنه يستحيل على الشعراء البنغاليين تجنب موضوع الطعام، سواء كانوا يكتبون عن مواضيع أسطورية أو روايات الحب الرومانسي، أو روايات عن مآثر بطولية ومغامرات جريئة».
وتضيف الكاتبة التي تعتبر مصدرا للمطبخ البنغالي، أنه «بصرف النظر عن الأدب، ظل الطعام موضوعا هاما في الموسيقى والفكاهة والفن والدين والطقوس العلمانية والتبادل الاجتماعي».
وهناك الكثير من المصادر الأدبية الهامة والنصوص التي لم تتمكن من تجنب ذكر الطعام. وكانت أول النصوص التي نشرت عن هذا المطبخ في كتاب Charyapada - التشارياباداس وهو كتاب بوذي يضم الكثير من الأغاني والقصائد الصوفية وقد وضع بين القرنين الثامن والثاني عشر للميلاد. وجاء في الكتاب وصف عملية صيد السمك واصطياد الحيوانات المختلفة، كما ذكر أنواعا كثيرة من المحاصيل الغذائية ومن ضمنها الأرز وقصب السكر. وجاء ذكر عوالم المطبخ البنغالي بعد ذلك في كتاب ديني هندوسي آخر وضع بين القرنين الثالث عشر والثامن عشر وهو كتاب Mangal - Kāvyas - مانغال - كافياس (قصائد التناقض) المكتوب على شكل آيات التي تحكي روايات لآلهة السكان الأصليين في ريف البنغال تعود إلى القرون الوسطى. وفي الكتب يأتي على ذكر الدال «أي العدس والفاصوليا والبازلاء المجففة والمقسمة وأنواعه وسبل طبخه. وتقول الكاتبة تشيتريتا بانيرجي بهذا الصدد إن البنغال لجأوا إلى استخدام البقولات لأسباب دينية أي بعد عزوف اتباع طائفة «فيشنافا بهاكتي» النباتية عن أكل السمك واللحوم بشكل عام. ولا تزال البقوليات مع الأرز من مداميك المبطخ البنغالي حتى الآن. وكانت هذه البقوليات لأهميتها الغذائية تقدم إلى الآلهة المحلية في الكثير من المناطق. كما جاء ذكر الأكل والطعام البنغالي في كتاب فيشنو بورانا Vishnu Purana الهندوسي القديم الذي يتحدث عن طبيعة الوجود والارض والزمن وما إلى ذك من الأسئلة الفلسفية والعلمية الهامة. ويذكر الكتاب الذي تم وضعه في المناطق البنغالية شمال الهند تتابع الاطباق خلال الاكل على الشكل التالي: الوجبات يجب أن تبدأ أولا بطبق حلو ثم يتبعه طبق مالح وتنتهي الوجبة بأطباق حارة ومرة نسبيا.
كما جاء ذكر الطعام في نصوص البراكريتابينغالا - Prakritapaingala التي وضعت في القرن الرابع عشر ولا يعرف كاتبها: «محظوظ هو الرجل الذي تخدمه زوجته على أوراق الموز بعض الأرز الساخن مع السمن، وسمك المورالا، وأوراق نبات الجوت المقلية وبعض الحليب الساخن».
وقبل ذلك في القرن الثاني عشر في قصيدة نيشاذا تشاريتا - Naishadha Charita السنسكريتية الملحمية التي كتبت إلى الملك نالا. جاءت الكثير من الأطباق في قصائد الاحتفالات الباذخة والأعراس كالسمك ولحم الغنم ولحم الغزال وعدد من أطباق الحلوى وبعض المشروبات.
وفي قصيدة أنادامانغالكافيا للشاعر بهاراتشاندرا، هناك قائمة بـ51 نوعا من أنواع الأسماك التي توجد في المطبخ البنغالي. وجاء الكثير من الإشارات الهامة والرائعة إلى الطعام عند الروائيين البنغاليين الكبار مثل بانكيم شاندرا تشاترجي وسارات تشاندرا تشاتوبادهياي في القرن التاسع عشر.
ولطالما استخدم أشهر كتاب البنغال رابيندراناث طاغور الطعام كوسيلة للمراقبة السخرية والساخرة للشخصية البشرية.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».