الكرملين يراقب التحركات الأميركية ويتحدث عن اتصالات عسكرية

موسكو تريد منع الصدام بين الجيشين

جنود روس على مدخل دوما في غوطة دمشق أمس (رويترز)
جنود روس على مدخل دوما في غوطة دمشق أمس (رويترز)
TT

الكرملين يراقب التحركات الأميركية ويتحدث عن اتصالات عسكرية

جنود روس على مدخل دوما في غوطة دمشق أمس (رويترز)
جنود روس على مدخل دوما في غوطة دمشق أمس (رويترز)

سيطر الترقب أمس على المواقف الروسية، والتزم الكرملين الهدوء في التصريحات الصادرة عنه، وسط تكهنات باحتمال تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تهديداته بتوجيه ضربة إلى سوريا، أو تأجيل اتخاذ القرار النهائي بشأنها. ووجهت موسكو إشارة إلى استعدادها لحوار مع واشنطن عبر تأكيد أن قنوات الاتصال العسكرية «ما زالت مفتوحة».
وانشغلت الأوساط البرلمانية الروسية أمس بتحليل المواقف الصادرة عن الغرب، ورأت في إعلان ألمانيا أنها لن تشارك في توجيه أي ضربة إلى سوريا، وإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتظار مزيد من التفاصيل حول استخدام الكيماوي في الغوطة، مؤشرات إلى «تفكك الجبهة التي أراد ترمب حشدها لشن عمليته». قبل أن تأتي كلمات ترمب حول أنه لم يعلن موعدا محددا لعملية عسكرية لتعزز هذه الفرضية، واستبعد رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي (الدوما) فلاديمير شامانوف، أن تقوم الولايات المتحدة بأي هجوم عسكري على سوريا، وقال لصحافيين: «لن يحدث هذا، لا توجد مؤشرات لذلك».
وأوضح شامانوف أن «الوضع ليس بسيطا، ولكنه مستقر»، لافتا إلى أن «هناك درجة معينة من التفاهم بين الأطراف، وأن كل شيء سيمر بطريقة حضارية». بينما قال النائب الأول لرئيس لجنة السياسة والدفاع في مجلس الفيدرالية (الشيوخ) فلاديمير غاباروف، إن «الزوبعة التي أثارها ترمب سوف تهدأ سريعا، سيمر يومان في هذه النقاشات الساخنة، وبعد ذلك ستخفت اللهجة الساخنة وتبدأ الأمور بالانحسار».
في المقابل، التزم المستوى الرسمي الحذر، وأكد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن خط الاتصال بين موسكو وواشنطن لتفادي مواجهات غير مقصودة في سوريا لا يزال مفتوحا، و«الطرفان يستخدمانه بشكل متواصل». وتجنب بيسكوف الرد على سؤال حول توقعات موسكو بشأن الضربة المحتملة، وقال إنه يتحدث عن قناة للتواصل على المستوى العسكري.
وأضاف بيسكوف أن الكرملين «يتابع عن كثب كل ما يصدر عن واشنطن من تصريحات حول توجيه ضربة محتملة لسوريا»، محذرا من أن «اتخاذ خطوات غير مسؤولة سوف يعقد الوضع هناك».
وزاد أن موسكو ترى أنه «من الضروري تفادي أي خطوات قد تتسبب في تصعيد التوتر في سوريا، ومثل هذا الأمر قد يكون له تأثير مدمر لعملية التسوية السورية بأكملها».
واستبعد بيسكوف في الوقت ذاته إجراء اتصالات مباشرة على المستوى الرئاسي في الوقت الراهن.
لكن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى أمس اتصالا هاتفيا مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، تركز على التطورات الأخيرة في سوريا، ولم يوضح الكرملين تفاصيل حول المناقشات.
في غضون ذلك، دعت الخارجية الروسية المجتمع الدولي إلى «التفكير في عواقب الاتهامات والتهديدات التي توجهها الدول الغربية إلى دمشق، وفي تداعيات العمل العسكري المحتمل».
وقالت الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، إن «واشنطن مستمرة في إطلاق التصريحات بنبرة الحرب التي تهدد بتصعيد خطير للغاية، ولا توجه اتهاماتها لدمشق فحسب؛ بل تصدرها لروسيا أيضا التي تدعم نظام الأسد، وبالتالي تتقاسم المسؤولية معه عن جرائمه على حد الزعم الأميركي».
وانتقدت آلية «اتخاذ قرارات في غاية المسؤولية بشأن استخدام القوة ضد دولة ذات سيادة، والتهديد باستخدام القوة على الساحة الدولية بناء على معلومات كاذبة، وفي غياب صورة حقيقية عن الحدث (الكيماوي)». إلى ذلك، أفاد مصدر قريب من الخارجية لـ«الشرق الأوسط» بأن «الشعور السائد هو أن الرئيس ترمب لم يتخذ قرارا نهائيا بعد، وأنه يواجه صعوبات داخلية وخارجية». ولفت إلى أن «ترمب يفتقد إلى وجود استراتيجية واضحة في سوريا والمنطقة، وهذا يضعف من احتمالات توجيه ضربة قوية؛ لأنه حتى لو اتخذ قرارا فليس مفهوما ما هو المغزى السياسي وماذا يريد منها، وبالإضافة إلى المعضلة المتعلقة بالحرص على تجنب مواجهة مع موسكو، فإن الأهم أنه لن يكون قادرا على توظيف نتائج أي ضربة سياسيا».
في هذه الأجواء، جاء إعلان وزارة الدفاع الروسية عن اكتمال السيطرة على دوما، ورفع العلم السوري فيها، ليوجه «رسالة لها رمزية وأهمية كبرى» كما قال المصدر، لافتا إلى أن موسكو تقول بذلك للغرب إن «الوضع مستقر في المنطقة، ويمكن للمحققين الدوليين أن يأتوا ويفحصوا الأوضاع بأنفسهم».
وكان رئيس المركز الروسي للمصالحة يوري يفتوشينكو، قد قال في إيجاز صحافي: «شهدنا اليوم حدثاً مهماً في تاريخ الجمهورية العربية السورية».
وأكد انتشار وحدات الشرطة العسكرية الروسية في دوما، لـ«ضمان الأمن والنظام العام وصيانة القانون فيها، حتى يتم تسليم إدارتها للسلطات السورية المدنية».
ولفت إلى أن مسلحي «جيش الإسلام» سلموا أكثر من 400 قطعة سلاح مع رحيلهم عن دوما، وأن 41213 شخصا غادروها منذ 28 فبراير (شباط)، ليصل بذلك إجمالي المدنيين الذين تم إجلاؤهم عن الغوطة الشرقية تحت إشراف الجانب الروسي إلى 165123 شخصا.
وتبع ذلك بساعات إعلان مصدر عسكري – دبلوماسي روسي، أن المجموعة الأولى من خبراء منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية وصلت إلى بيروت، للانتقال منها إلى دمشق. وقال المصدر: «اليوم وصلت المجموعة الأولى من خبراء بعثة تقصي الحقائق، ومن المتوقع وصول المجموعة الأساسية من الخبراء إلى العاصمة اللبنانية غدا (اليوم)».
وقال المصدر لوكالة «سبوتنيك»: «سوف يصلون إلى دمشق، وبعدها ستتضح خطة العمل».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».