«مهرجان بيروت للرقص المعاصر» يعود مع «نحن النساء»

للدورة الرابعة عشرة على التوالي، يعود «مهرجان الرقص المعاصر» ليحط رحاله في بيروت، وسط انتظار محبيه من موسم إلى آخر. وجاء الافتتاح مساء أول من أمس (الأربعاء)، بالعرض الإسباني «نحن النساء»، مدشناً مجموعة من العروض ستقدم على مدار الأيام المقبلة حتى 27 من أبريل (نيسان) الحالي، خُصِّص غالبيتها، للمصممين النساء ولقضايا المرأة. وفي «دي. بيروت» حضر الحفل الافتتاحي مئات المتفرجين الذين تابعوا عرضاً استمر 75 دقيقة لفرقة «سول بيكو» الآتية من برشلونة، وتحمل اسم مؤسستها التي قامت منذ عام 1994 بتطوير هذه الفرقة وتدريبها لتقديم أعمال تميزت بالخلط بين أنواع من الرقص والأساليب، وبالطرافة وشيء من الفكاهة اللاذعة في الأداء.
«نحن النساء» عرض يخلط بين الرقص والعزف الموسيقي الحي والغناء، وبين الفلامنكو والرقص المعاصر، مع الحركات الرياضية، وشيء من العبارات والحوارات القصيرة، وكثير من التركيب.
على المسرح الذي فُرِشت أرضيته بالرمال، دخلت الراقصات السبع بملابس السباحة، وكأنهن في عرض لاختيار ملكات الجمال؛ شيء من السخرية من الطريقة التي تُعامَل بها المرأة اليوم، ثم سرعان ما تخرّ واحدتهن بعد الأخرى على الأرض، ويزحفن منهكاتٍ على خشبة يتمرغن في رمالها. وتكر سبحة المشاهد التي تارة نرى فيها نساء يقمن بحركات رياضية للحفاظ على رشاقة أجسادهن، وطوراً يتبارزن في لعب دور الغواية، ويأكلن التفاح الأخضر الذي يتساقط من أعلى الخشبة وتتخطّفه الراقصات لقضمه والرقص به، وهن قابضات عليه في أفواههن. وإذا كانت مصممة الرقص قد ذهبت في بعض الأحيان إلى المباشَرَة التي كانت بغنى عنها، فإن «السينوغرافيا» جاءت لتعوض وتغني.
في الخلفية ما يشبه خيمتين أو غلالتين أغلقتا الجزء الخلفي من المسرح، تفتحان معاً لتكبر المساحة وتُستغَلّ منطقةً لجلوس العازفات الموسيقيات أو لنشر الغسيل، ولربما للكنس، أو القيام بأعمال منزلية، أو تغلق إحداهما وتتحول إلى ستارة شفافة تسمح برؤية ظلال الراقصات وراءها وحركات أجسادهن المتناسقة. وإن كانت الراقصات لسن على المستوى ذاته من الاحتراف فإن العمل ككل بدا مثيراً في جرأته، وفي خلطه بين الصيغة التعبيرية والمسرحية مع الغناء والموسيقى والحوارات؛ إذ نرى كل راقصة آتية من بلد مختلف تتحدث عن الطريقة التي تُعامَل بها المرأة في وطنها من خلال تجربتها الشخصية، أو ما رأته عند جيرانها، أو تبعاً لما رأته من معاملة لأمها. بين الكفاح، والجري وراء الأفضل والإنهاك والسقوط في منتصف الطريق، ثم الانبعاث، وإعادة المحاولة، نرى نساء «سول بيكو» شبيهات بالنساء المعاصرات اللواتي لا يميزن أحياناً بين ما يؤدي بهن إلى الحرية، وما يدفع بهن دون أن يعرفن إلى مزيد من الارتهان والعبودية. وبالتالي فنحن أمام عمل فني، نقدي، اعتراضي، راقص.
وشهد مسرح «دي. بيروت» مساء أمس، عرضاً آخر من عروض المهرجان هو «آي دي أم 1401» للمصممة إرنا أومارسدوتير وجان فابر، والعرض هو عن ردود الفعل بعد وصول أول كومبيوتر إلى آيسلندا في عام 1964. العرض يمزج حركات راقصة مع ديكور مسرحي وموسيقي ويحاول فهم القضايا التي باتت قديمة - جديدة مثل الذكاء الإنساني والصناعي. ويخلط بين الحركات التقليدية والميكانيكية التي يمليها وجود الآلة، وكأنما هي كهرباء تسري في أجساد الراقصين.
يتضمن المهرجان هذه السنة ستة عشر عرضاً، ويستقطب فرقاً وراقصين من كل من إسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا، والنرويج، وآيسلندا، ومصر، وفلسطين، وسويسرا، وأميركا.
وتنظم هذا المهرجان الذي يعرف باسم «بايبود»، «مقامات بيت الرقص» التي هي شبكة تعاون للرقص العربي المعاصر، حيث تقدم بشكل خاص هذه السنة، بالتعاون مع السفارة الإيطالية والمركز الثقافي الإيطالي في بيروت، مجموعةً من الأعمال الإيطالية على النحو التالي: «أمسية عن حياة نجمة راقصة» تؤديه كريستيانا مورغانتي بعنوان «Jessica & Me» في 17 أبريل، مشروع مبتكر بعنوان «Trigger» يحمل توقيع الراقصة الموهوبة، مصمّمة الرقص أنا - ماريا أجمون في 18 أبريل، وفي اليوم نفسه تحيي الراقصة سيلفيا غريبودي المولودة في مدينة تورين، شمال إيطاليا، منفردة، أمسية «R. Osa» المُبهرة.
أما في 19 أبريل فالجمهور سيكون على موعد مع مصمّم الرقص، الراقص، المخرج السينمائي جاكوبو جينّا في عرض «Choreographing Rappers»، فيما يحيي «ألديس» وهو مشروع لأحد مؤسسي الرقص الإيطالي المعاصر روبيرتو كاستيلو عرض «In girum imus nocte et consumimur igni».كذلك، ستقام بين 13 أبريل و15 منه، الدورة السابعة من «ملتقى ليمون» بهدف الترويج للرقص المعاصر من كل أنحاء العالم العربي، علماً بأنها توفر فسحة للمواهب العربية باستضافتها أكثر من 20 راقصاً من كل دول المنطقة. وسيحضر هذه الدورة أكثر من 40 مديراً لمهرجانات عالمية ومنظمي برامج رقص. بالإضافة إلى ذلك، يقدّم «بايبود» 2018 جائزة «إنجازات مدى الحياة» لجورجيت جبارة، الشخصية التي لعبت دوراً جوهرياً في تأسيس وتطوير الرقص في لبنان والمناضلة في مجال الرقص. وينظّم الحفل يوم الاثنين 16أبريل في «متحف سرسق».
وتعليقاً على الحدث في سهرة الافتتاح، قالت المديرة الفنية لـ«بايبود» ميا حبيس: «يتماشى القرار بالاحتفاء بمصممات الرقص ومناصرتهنّ مع الجهود العالمية الراهنة الرامية إلى الاحتفال بمنجزات النساء، في ظل تسليط الضوء على كل التحديات التي لا تزال تواجههن».
من جهته، قال مؤسس «مقامات» ومديرها الفني عمر راجح إن «الرقص، كسواه من قطاعات الفنون، يتمتع بالقدرة على إحداث تغيير وتطوير، عبر التطرق لمواضيع من شأنها أن تشجّع المجتمع على إعادة مساءلة نفسه».
ولفت إلى أن «أملنا الوحيد يعتمد على الثقافة والعمل الفني والفنانين، الذين يستكشفون آفاق جديدة ويعرضون رؤى وأفكاراً وأحلاماً».