سنوات السينما: The Parallax View

The Parallax View
(1974)
نظرية المؤامرة في الذروة

هناك كثير من المخرجين الأميركيين الجيدين فكراً وفناً الذين لم يحتف بهم الإعلام غير المتخصص وبالتالي لم يشهد أي من منهم ما يستحقه من شهرة ومكانة. الستينات والسبعينات من القرن الماضي مثلت الدفق الأهم لهؤلاء إلى اليوم. أسماء كثيرة برزت آنذاك وانتهى مفعولها، عملياً، بعدما سطا المنتجون على الصناعة وحلوا مكان المخرجين في اتخاذ القرارات. من بين هذه الأسماء المخرج آلان ج. باكولا صاحب «ذا بارالاكس فيو»، الفيلم الذي ما زال جديداً اليوم كما كان جديداً بالأمس.
جوزيف فارادي (وورن بيتي) يعمل صحافياً لحساب جريدة محلية. طويل الشعر (كما موضة تلك الأيام) ومثير للقضايا التي يبحث فيها وإحداها تتعلق باكتشافه أن هناك حكومة ظل اسمها «بارالاكس كوربورايشن» قامت باغتيال سيناتور أميركي كان رشح نفسه لانتخابات الرئاسة كما تخلصت من مذيعة تلفزيونية كادت أن تكشف المستور. الاغتيال الأول سُجل في خانة الأحداث الفردية كون البوليس فتح النار على القاتل وأرداه وأغلق ملف القضية إثر ذلك. الاغتيال الثاني سجل كحادثة انتحار. لكن جوزيف متأكد من العكس خصوصاً عندما تتوالى محاولات جديدة بعضها موجه ضده لإسكاته.
كل الفيلم مؤلّف من مشاهد متقنة التنفيذ والمفادات لكن الفصل الأخير تحديداً عندما ترتكب المؤسسة جريمة أخرى ويجد الصحافي نفسه مهدداً حتماً بالموت من تلك النهايات الرائعة تنفيذاً وفكراً التي تداولتها الكثير من أفلام نظريات المؤامرة في ذلك الحين.
الفيلم المأخوذ عن رواية للورين سينجر لا يبتعد كثيراً عن استلهام حادثة اغتيال جون ف. كيندي. وهو لم يكن الفيلم الوحيد آنذاك الذي دار حول مؤامرات تحاك في عتمة الحياة السياسية. ومعظمها تشويقي لأن النوع التشويقي هو الأكثر قدرة على تغليف القضايا بالإيحاءات وموازاة الحدث الماثل فيها مع أحداث تقع في الحياة السياسية العامة.
من مطلع الفيلم يوحي المخرج باكولا (لا يجب خلط اسمه مع كوبولا) بأن الأمور ليست على ما يرام وأن الكثير من التوتر يحدث تحت سطح ما يبدو طبيعياً. بعد قليل يطفح ما تحت السطح ويتبلور أمامنا كما أمام بطل الفيلم الذي يناقش الأمر مع رئيس تحريره (الصورة) قبل أن تصل المؤسسة إلى الثاني وتقتله.
في حديثه عن الفيلم ذكر المخرج باكولا أن «الفيلم يسرد بعض ما حدث لجانب بعض ما كان يمكن أن يحدث والكثير من مخاوفنا كأميركيين في تلك الحقبة».
إنه فيلم سياسي جيد يبز ويفوز فنياً على أعمال أخرى مزجت التشويق بالسياسة مثل «زد» للفرنسي (اليوناني الأصل) كوستا - غافراس. أحداثه لا تتوقف عن الإتيان بجديد والتوتر ينتقل من تفاصيل التصوير والمونتاج إلى المشاهد القابع في مقعده المريح. يجعله متلقفا مثاليا لمفادات وإيحاءات العمل في فترة شهدت فيها الحياة الأميركية قدراً كبيراً من عدم الثبات والاستقرار نتيجة سلسلة الاغتيالات التي وقعت في السبعينات ولجنة وورن التي قامت للتحقيق في أسبابها ثم قضية ووترغيت التي أخرج باكولا عنها فيلمه الممتاز الآخر «كل رجال الرئيس» All the President‪›‬s Men وذلك بعد عامين فقط من هذا الفيلم.
وورن بايتي، الممثل الملتزم بليبراليته، كان انشغل لعامين قبل هذا الفيلم بالعمل السياسي (كان فاعلاً في حملة المرشح الأميركي جورج مكغوفرن) ووجد في هذا الفيلم سبيلاً لتقديم رؤيته السياسية أيضاً.