257 قتيلاً في تحطم طائرة عسكرية قرب العاصمة الجزائرية

مصدر أرجع سبب الكارثة الجوية إلى ضعف الصيانة

رجال الإسعاف والوقاية المدنية يبحثون عن ناجين في مكان تحطم الطائرة العسكرية جنوب العاصمة أمس (رويترز)
رجال الإسعاف والوقاية المدنية يبحثون عن ناجين في مكان تحطم الطائرة العسكرية جنوب العاصمة أمس (رويترز)
TT

257 قتيلاً في تحطم طائرة عسكرية قرب العاصمة الجزائرية

رجال الإسعاف والوقاية المدنية يبحثون عن ناجين في مكان تحطم الطائرة العسكرية جنوب العاصمة أمس (رويترز)
رجال الإسعاف والوقاية المدنية يبحثون عن ناجين في مكان تحطم الطائرة العسكرية جنوب العاصمة أمس (رويترز)

رجح مصدر عسكري، تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، بأن سبب تحطم الطائرة العسكرية قرب العاصمة أمس، يكمن في ضعف الصيانة بمطار بوفاريك العسكري، حيث تحطمت أمس دقائق معدودة بعد إقلاعها. وخلف الحادث المأساوي 257 قتيلا، بينهم أفراد طاقم الطائرة العشرة، بينما نجا عشرة مسافرين حالة بعضهم حرجة. وعلى إثر هذه الكارثة الجوية أعلنت سلطات الجزائر الحداد ثلاثة أيام، مع تأدية صلاة الغائب غدا الجمعة.
وقال المصدر نفسه إن كثيرا من طائرات القوات الجوية الجزائرية قديم، وبعضها لا يخضع لأعمال صيانة إلا نادرا، لافتا إلى أن أعطابا كثيرة يسجلها فنيو الصيانة بالمطار على أسراب الطائرات، التي يعود معظمها إلى عهد الاتحاد السوفياتي سابقا.
يشار إلى أن العتاد الحربي الجزائري هزته قبل 10 سنوات ما سمته الصحافة الجزائرية «فضيحة رداءة الأسلحة الروسية». وتعلق الأمر يومها باكتشاف فنيين جزائريين من الجيش نقائص في طائرات «ميغ 29»، اشترتها الجزائر ضمن صفقة مع موسكو أبرمت عام 2006، بلغت قيمتها 7 ملايين دولار، وتم التكتم على القضية بسرعة من طرف حكومتي البلدين.
وقالت وزارة الدفاع بموقعها الإلكتروني إن الطائرة تحطمت في حدود السادسة و50 دقيقة بالتوقيت العالمي الموحد. مشيرة إلى أن «عدد الشهداء بلغ 247 مسافرا، و10 أفراد من طاقم الطائرة». ولاحظت أن «أغلب الشهداء من الأفراد العسكريين، إضافة إلى بعض أفراد عائلاتهم». مبرزة أن الجيش نقل جثث الضحايا إلى المستشفى العسكري المركزي بالعاصمة.
وفي بيان سابق، أفادت وزارة الدفاع بأن «طائرة نقل عسكرية تحطمت بمحيط القاعدة الجوية لبوفاريك، وتحديدا داخل حقل زراعي خال من السكان، وذلك أثناء رحلة من بوفاريك إلى تندوف وبشار». وأضاف البيان أن «الفريق قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، قطع زيارته التفقدية بالناحية العسكرية الثانية، وانتقل فورا إلى مكان الحادث للوقوف على حجم الخسائر، واتخاذ الإجراءات اللازمة التي يتطلبها الموقف، حيث أمر بتشكيل لجنة تحقيق فوري للوقوف على ملابسات الحادث».
وأفاد مصدر حكومي في اتصال هاتفي بأن 26 صحراويا ينتمون لهياكل «بوليساريو» بالجزائر كانوا ضمن ضحايا الحادثة، وكان يوجد من بينهم نساء وأطفال.
وكانت رحلة الطائرة «إيليوشين 76» بصدد ربط مطار بوفاريك، بمطار بشار، ومنه إلى مطار تندوف بجنوب غربي البلاد (800 كلم عن العاصمة)، عندما تحطمت. وهي رحلة يومية تنقل عادة العساكر وعائلاتهم. وقد لاحظ سائقو سيارات على الطريق السريع اشتعال نار في أحد محركات الطائرة، وهي تحلق على علو بضعة عشرات أمتار. كما شاهدوها وهي تعود إلى المطار من حيث أقلعت محاولة الابتعاد عن الطريق السريع والمواقع السكنية المحيطة به. وبعد لحظات من ذلك شاهدوها وهي ترتطم بالأرض، وشظاياها تتطاير في أرجاء المطار.
وأصيب سكان بوفاريك وبني مراد والبليدة، المجاورين للمطار، بالذهول لهول المنظر. ومباشرة بعد الحادث التحقت سيارات الإسعاف بسرعة كبيرة إلى المستشفيات القريبة، وانتشر الجيش في محيط المطار، كما أوقفت حركة المرور. وظلت النيران مشتعلة فيما بقي من حطام الطائرة، وبسرعة كبيرة انتشرت في شبكة التواصل الاجتماعي صور الحادثة، ومنها عشرات الجثث مغطاة، وضعها الجيش في حقل مترامي الأطراف، تمهيدا لنقلها إلى المستشفى العسكري.
وذكر بوتفليقة في رسالة تعزية لذوي الضحايا، نشرتها وكالة الأنباء الحكومية: «لقد قضى المولى جلت قدرته، ولا راد لقضائه وقدره، أن تفجع الجزائر والمؤسسة العسكرية في هذا اليوم بسقوط إحدى طائراتها، مخلفة عددا كبيرا من شهداء الواجب الوطني... إنه لرزء فادح تنفطر له قلوبنا وتدمع له عيوننا جميعا». وأضاف الرئيس بوتفليقة في رسالته: «لا يسعني أمام هذا الحدث الأليم والرزء العظيم إلا أن أنيب إلى الله جل وعلا، وأن أعرب إلى أسر الضحايا والشعب الجزائري كافة عن أخلص التعازي، وصادق مشاعر التعاطف، متضرعا للمولى عز وجل أن يشمل جميع الضحايا بواسع رحمته، وينزلهم منزل صدق مع الشهداء والصديقين، ويمن علينا جميعا بالصبر الجميل، ويعوضنا فيهم خيرا كثيرا ويوفي لنا على الصبر أجرا عظيما». مناشدا أسر الضحايا «التمسك بحبل الصبر، وأن توقن بأنني سأظل إلى جانبها في كل ما من شأنه أن يخفف عنها ما تعاني من أحزان وآلام».
وقال بيان للحكومة إن الوزراء وقفوا دقيقة صمت أمس أثناء اجتماعهم الأسبوعي ترحما على الضحايا، وقدموا حسب البيان: «تعازيهم لعائلات ضحايا الحادث الأليم، وأكدوا تضامنهم الكامل مع قيادة الجيش الجزائري وكل أفراده».
بدورها، قالت سفارة الولايات المتحدة الأميركية لدى الجزائر في بيان إنها «تقدم باسم الشعب الأميركي تعازيها الخالصة لأسر وأصدقاء ضحايا المأساة، وكذا شركاؤها وزملاؤها في الجيش الجزائري. والولايات المتحدة تثمن الشراكة المستمرة مع الشعب الجزائري والحكومة الجزائرية. نحن نشارككم حزنكم».
ويعد الحادث الثاني من نوعه في ظرف أربع سنوات. ففي 11 من فبراير (شباط) 2014 تحطمت طائرة عسكرية بشرق البلاد، هلك فيها 77 شخصا كلهم عسكريون وأفراد من عائلاتهم، في حين نجا واحد فقط وهو يعاني حاليا من تبعات إصابات بكسور. وأعلن يومها أن «تحقيقا جادا أمر بفتحه رئيس أركان الجيش لمعرفة ظروف تحطم الطائرة». لكن إلى اليوم لا يعرف الجزائريون إن كان التحقيق توصل إلى أسباب الحادثة، وما هي. ولم يسبق للجيش أن كشف لعامة الناس عن تحريات حول أحداث تخصه، ويعتبر ذلك في الغالب «أسرارا مرتبطة بالدفاع».
وفي نهاية 2012 خلف اصطدام عنيف بين طائرتين مقاتلتين بالقاعدة العسكرية في وهران (غرب) مقتل أربعة طيارين. وقتل في 2006 ثلاثة من أفراد طاقم طائرة عسكرية بإيطاليا، وهم بصدد العودة إلى الجزائر على إثر مهمة بأوروبا.
لكن تبقى حصيلة حادث أمس الأثقل منذ حادثة تحطم طائرة الخطوط الجوية الجزائرية عام 2003 بمطار تمنراست بأقصى جنوب البلاد، التي خلفت مقتل 102 شخص.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.