خلافات داخلية في «الجهاد الإسلامي»

أزمة مالية تترافق مع غياب طويل لشلح نتيجة متاعب صحية

TT

خلافات داخلية في «الجهاد الإسلامي»

تشهد «حركة الجهاد الإسلامي» خلافات داخلية كبيرة بشأن الانتخابات التي كانت ستجريها في الفترة الأخيرة لتشكيل هيئة تنظيمية جديدة وانتخاب أعضاء مكتب سياسي جديد، قبل أن يتم إج راء انتخابات على مستوى القيادة السياسية العليا لانتخاب أمين عام للحركة وهو المنصب الذي يشغله رمضان شلّح الغائب عن النشاط منذ شهور طويلة نتيجة متاعب صحية.
وقالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة بدأت قبل شهور خطوات إجراء انتخابات داخلية وعممت على عناصرها وكوادرها تعميمات داخلية تمهيداً للانتخابات وفق شروط معينة، موضحة أنه تم تأجيل هذه الخطوة بعد خلافات وترشيح شخصيات جديدة في الحركة أنفسهم لمناصب عليا وعدم توافر الشروط اللازمة فيهم وتحديداً في ما يخص الفترة الخاصة بانتمائهم.
وأشارت المصادر إلى أن الانتخابات الداخلية أُجلت وأنه تم تكليف لجنة خاصة بإعداد قانون ودستور يتعلقان بعمل الحركة على أن تُجرى الانتخابات مستقبلاً «بسلاسة وضمن شروط وقيود واضحة لمنع أي اختلالات».
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه ساحة غزة بالتنظيم صراعاً على القيادة، وسط مطالبات بإجراء انتخابات داخلية سريعة. ولفتت مصادر إلى أن هذه الخلافات الداخلية تأتي في ظل خلافات مع إيران حول الشخصية التي ستقوم بقيادة الحركة بعد تدهور صحة رمضان شلح أمين عام الحركة الذي خضع لعمليات جراحية عدة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. وقالت المصادر إن شلح خضع في مستشفى «الرسول الأعظم» بالضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله» اللبناني، لعمليات جراحية شملت عملية «قلب مفتوح» وعملية أخرى في الرئتين، مشيرة إلى أن حالته الصحية صعبة وأنه من الصعب أن يبقى في مركزه أميناً عاماً للحركة ويواصل إدارة شؤونها. ولفتت المصادر إلى أن إيران تفضّل أن يصبح زياد النخالة، النائب الحالي لشلح، أميناً عاماً للحركة من دون أي انتخابات. وتابعت أن الحركة تتجه لإجراء انتخابات شكلية يتم من خلالها اختيار النخالة أميناً عاماً، وأن يكون محمد الهندي - الموجود حالياً في بيروت إلى جانب النخالة وشلح وقيادات من الحركة - نائبا للأمين العام. وقالت المصادر ذاتها إن إيران تخشى من سيطرة الهندي على «الجهاد الإسلامي» في ضوء مواقفه القريبة من تركيا وجماعة «الإخوان المسلمين» و«حماس».
وقالت المصادر إنه منذ الخلافات الداخلية والحركة تعاني أزمة مالية، حيث لم تصرف رواتب عناصرها منذ أكثر من شهرين، من دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك.
يأتي ذلك في وقت أثير فيه جدل حول حقيقة أسباب تدهور صحة شلح؛ ففي حين أشارت تقارير إلى أنه تعرض للتسمم ما تسبب بدخوله في غيبوبة عقب عملية جراحية أجريت له بعد جلطات متتالية، نفت مصادر تلك التقارير وأكدت أن ما جرى وعكة طبيعية تدهورت على أثرها حالته. وأقرت «حركة الجهاد الإسلامي» بأن أمينها العام خضع مؤخراً لعملية جراحية في القلب، لكنها قالت إن وضعه مستقر ويخضع لمتابعة طبية.
وعيّن شلح أميناً عاماً للحركة عام 1995 خلفا لمؤسسها فتحي الشقاقي بعد اغتياله من جهاز الموساد الإسرائيلي في مالطا. ويعد شلّح من المطلوبين لإسرائيل والولايات المتحدة بتهمة المسؤولية عن عمليات قتل فيها إسرائيليون وأميركيون، خصوصا في انتفاضة عام 2000. ولم يظهر شلح علناً منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017 حين كان في عزاء والد قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني. لكن نائبه زياد النخالة ظهر في كلمات جماهيرية ولقاءات صحافية مع وسائل إعلام تابعة لـ«الجهاد» خلال المسيرات الأخيرة في غزة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم