الهندي بالكريشنا دوشي يحصد أرفع جائزة معمارية

يبلغ من العمر 90 عاماً ومبانيه تندرج ضمن احتياجات الناس وقاعات الدراسة

إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي
إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي
TT

الهندي بالكريشنا دوشي يحصد أرفع جائزة معمارية

إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي
إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي

تم الإعلان، في الآونة الأخيرة، عن فوز المهندس المعماري الهندي بالكريشنا في. دوشي، البالغ من العمر 90 عاما، بجائزة بريتزكر لعام 2018. وهي الجائزة المكافئة لجائزة نوبل العالمية وتُمنح للمهندسين المعماريين فقط. وهي المرة الأولى التي يفوز فيها أحد الهنود بأكبر جائزة عالمية في مجال الهندسة المعمارية.
وقالت هيئة التحكيم في جائزة بريتزكر في إعلانها: «لقد كان بالكريشنا في. دوشي، وعلى الدوام مهتما بالعمارة الجادة، ولم يكن من عشاق البهرجة في أعماله، أو مقلدا لأحد في فنونه. وكان يجسد أحاسيس عميقة بالمسؤولية، والرغبة الدائمة في الإسهام والمشاركة في بلاده وشعبه من خلال الهندسة المعمارية الأصيلة وفائقة الجودة».
ولقد عمل دوشي على إنتاج أكثر من 100 تصميم في مختلف أنحاء البلاد عبر ما يقرب من سبعة عقود كاملة من عمله في الهندسة المعمارية، والتدريس، والتخطيط الحضري. ولا تتعلق تصاميمه ومبانيه بالبهرجة والبريق، أو الافتتان بالمباني، أو ناطحات السحاب شاهقة الارتفاع. وأجل، فإنه لم يعمل على بناء ناطحات السحاب أبدا، بل كانت تصاميمه في الواقع تندرج ضمن احتياجات الناس وقاعات الدراسة. ولذلك، عندما تم الإعلان عن فوزه جائزة بريتزكر لعام 2018، ربما كان الأمر مفاجأة تامة بالنسبة للبعض حول العالم.
ويقول بالكريشنا في. دوشي في مقابلة أجريت معه: «ليس الأمر أنني غير محب أو منجذب لناطحات السحاب، ولكن الأمر يتعلق بأسلوب البناء والغرض من البناء. وأنا غير مرتبط بهذا النوع من الأبنية بسبب ما. ولكن إن طلبتم مني تصميم مبنى مجتمعي رأسي فسوف أصممه».
ويستطرد المهندس دوشي قائلا: «لماذا لا يقوم معظم المعماريون ببناء مثل هذه المساحات؟ والإجابة ببساطة في أنها لا تدر الكثير من الأموال. كذلك، إن قمت بتصميم المساكن منخفضة التكاليف، لا يمكنك دعوة الناس إلى مشاهدة وتقدير مشروع المساكن منخفضة التكاليف، هذا أمر لا يلفت انتباه أحد».
بدأت حياة المهندس المعماري دوشي المهنية مع حياة الهند كدولة مستقلة (إذ تخرج من كلية جيه. جيه. للهندسة المعمارية في مومباي لعام 1947)، وبدأ عمله في أوروبا حيث انتهى به المطاف كمتدرب في الدراسات العليا للهندسة المعمارية في القرن العشرين، على أيدي شارل إدوار جانيريه - كري أو كما يُعرف عالميا باسم «لو كوربوزييه».
وقد روى المهندس دوشي في وقت سابق كيف أنه عمل لمدة 8 شهور من دون راتب شهري وكان يعيش على الجبن والزيتون والخبز فقط (الأمر الذي أصابه بالتهاب القولون المزمن). ثم أصبح في وقت لاحق شريكا هنديا لدى «لو كوربوزييه»، وعمل بهمة ونشاط معه في الكثير من المشروعات المشتركة.
وقال المهندس دوشي: «إنني مدين بهذه الجائزة الكبيرة لمعلمي الأول «لو كوربوزييه». فلقد كانت تعاليمه هي التي أنارت لي الطريق، وشكلت هويتي المعمارية، ودفعتني للبحث عن واكتشاف التعابير العصرية للمناطق المحيطة من أجل بناء منزل شامل ومستدام. لقد كان العمل مع السيد «لو كوربوزييه» من أبرز وأكبر نقاط التحول في حياتي قاطبة».
ولقد أقر بتأثير المهندس المعماري الأميركي الحديث، لويس كاهن، على حياته، ولكن دوشي بات وفيا للغاية إلى جذوره الأصيلة في تصاميمه، وظل على أعلى قدر من الحساسية الممكنة بمناخ بلاده ومجتمعه.
وقال أيضا: «اعتاد المهندس كاهن أن يقول بأنك تتحدث إلى الطوبة وهي تتحدث أيضا إليك. وأود التعليق على ذلك بقولي بأنني أتحدث إلى الطبيعة وتعاود الطبيعة الحديث إلي. وحديث الطبيعة يتسم بالصمت، فلا حاجة إليها للصياح من أجل التعبير عن نفسها».
وأظهرت جائزة بريتزكر، عبر الأعوام الأخيرة، تحولا نموذجيا من الأسلوب الفني البحت إلى أكثر الأساليب المعمارية اشتقاقا من الإنسانية.
ومن بين الأوسمة الكثيرة التي حظي بها الدكتور دوشي كان وسام الفنون والآداب الفرنسي، والجائزة العالمية لإنجاز العمر في العمارة المستدامة من المعهد الفرنسي للفنون المعمارية، وجائزة أغا خان للعمارة، وجائزة الامتياز الوطني الهندي في التخطيط والتصميم الحضري.
كما حصل أيضا على شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، وجامعة ماكغيل في كندا، وهو زميل بارز لدى المعهد الملكي للمهندسين المعماريين في بريطانيا. ولقد تم إدراج تصميم (سانغاث) بين أفضل 125 عملا من أهم أعمال الهندسة المعمارية منذ عام 1891 من قبل مجلة نيويورك للسجلات المعمارية في جزء من احتفالها بالذكرى الـ125 للتأسيس.
وتركز المباني التي صممها المهندس دوشي على الحفاظ على طاقة الناس والطبيعة المحيطة بهم – من خلال مراعاة المناخ، والمحيط الطبيعي مثل الأشجار، والحدائق التي تساعد على خلق قدرا من الحياة المتزامنة.
«إنني أعمل مع الطبيعة وعيني على أشياء مثل المناخ. على سبيل المثال، إن تصاميمي تمنع ارتفاع درجة حرارة المنزل، وهي تتضمن مساحة تسمح للناس بالوقوف بحرية ومشاهدة النجوم. لا بد من بناء المنازل والمباني بقدر كبير من التهوية، والراحة، والجاذبية، وربما الإثارة، حتى عندما يغير الضوء من مساحة المكان. وعلى سبيل المثال أيضا، إننا ننظر ما إذا كنت في حاجة إلى المزيد من الطاقة لتكييف الهواء، أو أنه من المريح مجرد استخدام جدران الطوب، أو الجدار المجوف مع التوجيه الصحيح؟ فإن حصلت على نسيم هواء جيد، وبعض من الأشجار، أو بعض الماء، ويمر الهواء من خلاله، ومن ثم تكون الأجواء رائعة ومريحة للغاية، فلن تكون بحاجة إلى تكييف الهواء» على نحو ما قال المهندس دوشي عبر محادثة هاتفية مع مراسلة صحيفة الشرق الأوسط.
وأضاف: «ثم إذا توافرت لدي النوافذ المناسبة في المكان المناسب والتي تعكس الضياء، فلن أكون في حاجة لاستخدام المزيد من الطاقة الكهربائية في المنزل. وبالتالي، تلك هي الطريقة الصحيحة لتصميم المباني المستدامة، والتي لا تستهلك الكثير من الطاقة، أو المال، أو المواد، أو الصيانة».
ويقول: «عندما اتبع حدسي وغريزتي، تبدأ المساحات في التدفق، وتبدأ الهياكل في التدفق، وتبدأ الجدران في التدفق أيضا». ويكمن جُل تركيزه على الإجابة على مجموعة محددة من الأسئلة: «كيف يمكنك جعل المواد تتحدث؟ كيف تغني المواد بغنائك؟ كيف يمكن للمواد أن تحفزك على الحياة؟».
في ستينات القرن الماضي، كان المهندس دوشي يعمل مع أحد شخصيات الحداثة المعمارية البارزة، وهو المهندس المعماري الأميركي لويس كاهن في المعهد الهندي للإدارة في أحمد آباد. ومن شأن ذلك أن يظهر في وقت لاحق من خلال منهجه الخاص بتصميم المعهد، وهو أحد أبرز أعماله المعمارية في البلاد.
يقول المهندس دوشي: «تعني هذه الجائزة أن الاتجاه الذي اعتمدته في حياتي المهنية هو الاتجاه الصحيح. واشتمل هذا الاتجاه على النظر إلى الهندسة المعمارية ككائن حي متفاعل وهناك حوار قائم بينك وبينه. ومنذ أن عملت بالتدريس، سعيت من خلال محاضراتي إلى التأثير على الأجيال القادمة. وكان عملي يتعلق أيضا بتمكين الأشخاص المعوزين من خلال الإسكان والمساهمة في المجتمع بأسره».
ويشعر الكثير من الخبراء الهنود، برغم كل شيء، أن هذه الجائزة تعتبر اعترافا عالميا تأخر كثيرا لتكريم إسهامات المهندس دوشي حول العالم.
يقول المهندس المعماري الكبير نيلكانث تشهايا، والعميد الأسبق لكلية الهندي المعمارية في مركز التخطيط والتكنولوجيا البيئية في مدينة أحمد أباد، تلك التي أسسها المهندس دوشي في ستينات القرن الماضي: «لا يرتدي دوشي عباءة البطل الخارق للطبيعة. بل كانت أعماله تتعلق بكيفية تعبير الآخرين عن أنفسهم. وكانت إسهاماته إلى العالم متميزة وفريدة من نوعها. وتتعلق تصاميمه المعمارية بعلاقة الإنسان بالإنسان وبالطبيعة. ولقد أثبت كيف يمكن لتركيباته المعمارية أن تعيد تنشيط الأسلوب القديم من التعامل مع العمارة».
ترتبط الهندسة المعمارية الهندية بالطبيعة فضلا عن ارتباطها بالاستدامة وطابعها الإنساني الظاهر. وفي ثقافتنا المحلية، فإننا نتحدث عن العلاقات، والتقاسم، والمشاركة، والتعاطف، والتطلعات، والطموحات، ولكن في مستوى راق يحمل التأثير الكبير على المجتمع بأسره.
ولذلك يمكننا طرح الأسئلة التي تتبع أيا من هذه الرموز الثقافية فعلا، إما بصفة جزئية أو بصفة كلية. وإننا نحاول وبحق إنجاز هذا الأمر بنوع من التقنيات الحديثة التي صارت بحوزتنا الآن ومما سوف يُتاح لنا في المستقبل. هل بإمكان الناس قضاء أوقاتا أقل في الانتقال من مكان إلى آخر؟ وهل يمكنهم قضاء وقتا أطول مع عائلاتهم؟ هل هناك من طريقة للزراعة بالروح والجسد ضمن الطبيعة في محيط هادئ وطبيعي ولطيف؟
بالنسبة إلى المهندس دوشي، فإن العمارة عبارة عن سيمفونية للحياة.
تتميز بصمة بالكريشنا في. دوشي المعمارية بالاعتراف باحتياجات الناس، وضمان عدم انغلاق حياتهم داخل جدران أربعة لمنازلهم وإنما هي تلك الأماكن التي يشعرون فيها بالسعادة والحياة. ويقول المهندس دوشي: «إنني أعمل لأجل الناس. وهدفي الأول هو أن يشعر الناس بالسعادة حيث يعيشون».
وعلى مدى مسيرته المهنية الحافلة، كان المهندس دوشي، الأكاديمي البارز، يقوم بزيارة المدارس على الصعيد الوطني والدولي، حيث يلتقي بالطلاب الذين يحاولون بناء أحلام عمرهم. وأشار إلى نصيحة يوجهها إلى طلاب الهندسة المعمارية من الشباب: «لا تخدع ذاتك وافعل ما ترغب فيه حقا».


مقالات ذات صلة

القروض العقارية السعودية في أعلى مستوياتها على الإطلاق

الاقتصاد جانب من معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» العقاري بالرياض (الشرق الأوسط)

القروض العقارية السعودية في أعلى مستوياتها على الإطلاق

شهدت عمليات الإقراض العقارية التي توفرها شركات التمويل ارتفاعاً إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بنهاية الربع الرابع من عام 2024 إلى 28 مليار ريال.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد من معرض سيتي سكيب 2024 الأكبر عقارياً في العالم (واس)

سوق الرهن العقاري بالسعودية... محرك رئيسي في النمو والتنويع المالي

يأتي توجه السعودية نحو تطوير سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري من ضمن التطورات المتسارعة التي يشهدها التمويل العقاري في السعودية.

محمد المطيري
الاقتصاد لوحة وكيل عقارات معروضة خارج منزل في شارع سكني في بلاكبيرن (رويترز)

أسعار المساكن في بريطانيا تتجاوز التوقعات وتواصل الارتفاع

أعلنت شركة «نيشن وايد» للإقراض العقاري، يوم الخميس، أن أسعار المساكن البريطانية شهدت ارتفاعاً جديداً في ديسمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أحد مشروعات «الوطنية للإسكان» (واس)

الصفقات العقارية في السعودية تتجاوز 533 مليار دولار خلال 2024

تجاوزت قيمة الصفقات العقارية في السعودية 533 مليار دولار (2.5 تريليون ريال) لأكثر من 622 ألف صفقة في عام 2024.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد جرى توقيع المذكرة بحضور وزير البلديات والإسكان ماجد الحقيل ووزير المالية محمد الجدعان وممثلي «السعودية لإعادة التمويل» وشركة «حصانة» (الشرق الأوسط)

«السعودية لإعادة التمويل العقاري» تُوقع مذكرة مع «حصانة» لتعزيز السيولة وتقديم فئة أصول جديدة

وقّعت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري مذكرة تفاهم مع شركة حصانة الاستثمارية تهدف إلى تعميق وتوسيع نطاق أسواق المال بالمملكة

«الشرق الأوسط» (الرياض)

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»