الهندي بالكريشنا دوشي يحصد أرفع جائزة معمارية

يبلغ من العمر 90 عاماً ومبانيه تندرج ضمن احتياجات الناس وقاعات الدراسة

إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي
إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي
TT

الهندي بالكريشنا دوشي يحصد أرفع جائزة معمارية

إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي
إحدى تصاميم دوشي - المهندس المعماري الهندي بالكريشنا دوشي

تم الإعلان، في الآونة الأخيرة، عن فوز المهندس المعماري الهندي بالكريشنا في. دوشي، البالغ من العمر 90 عاما، بجائزة بريتزكر لعام 2018. وهي الجائزة المكافئة لجائزة نوبل العالمية وتُمنح للمهندسين المعماريين فقط. وهي المرة الأولى التي يفوز فيها أحد الهنود بأكبر جائزة عالمية في مجال الهندسة المعمارية.
وقالت هيئة التحكيم في جائزة بريتزكر في إعلانها: «لقد كان بالكريشنا في. دوشي، وعلى الدوام مهتما بالعمارة الجادة، ولم يكن من عشاق البهرجة في أعماله، أو مقلدا لأحد في فنونه. وكان يجسد أحاسيس عميقة بالمسؤولية، والرغبة الدائمة في الإسهام والمشاركة في بلاده وشعبه من خلال الهندسة المعمارية الأصيلة وفائقة الجودة».
ولقد عمل دوشي على إنتاج أكثر من 100 تصميم في مختلف أنحاء البلاد عبر ما يقرب من سبعة عقود كاملة من عمله في الهندسة المعمارية، والتدريس، والتخطيط الحضري. ولا تتعلق تصاميمه ومبانيه بالبهرجة والبريق، أو الافتتان بالمباني، أو ناطحات السحاب شاهقة الارتفاع. وأجل، فإنه لم يعمل على بناء ناطحات السحاب أبدا، بل كانت تصاميمه في الواقع تندرج ضمن احتياجات الناس وقاعات الدراسة. ولذلك، عندما تم الإعلان عن فوزه جائزة بريتزكر لعام 2018، ربما كان الأمر مفاجأة تامة بالنسبة للبعض حول العالم.
ويقول بالكريشنا في. دوشي في مقابلة أجريت معه: «ليس الأمر أنني غير محب أو منجذب لناطحات السحاب، ولكن الأمر يتعلق بأسلوب البناء والغرض من البناء. وأنا غير مرتبط بهذا النوع من الأبنية بسبب ما. ولكن إن طلبتم مني تصميم مبنى مجتمعي رأسي فسوف أصممه».
ويستطرد المهندس دوشي قائلا: «لماذا لا يقوم معظم المعماريون ببناء مثل هذه المساحات؟ والإجابة ببساطة في أنها لا تدر الكثير من الأموال. كذلك، إن قمت بتصميم المساكن منخفضة التكاليف، لا يمكنك دعوة الناس إلى مشاهدة وتقدير مشروع المساكن منخفضة التكاليف، هذا أمر لا يلفت انتباه أحد».
بدأت حياة المهندس المعماري دوشي المهنية مع حياة الهند كدولة مستقلة (إذ تخرج من كلية جيه. جيه. للهندسة المعمارية في مومباي لعام 1947)، وبدأ عمله في أوروبا حيث انتهى به المطاف كمتدرب في الدراسات العليا للهندسة المعمارية في القرن العشرين، على أيدي شارل إدوار جانيريه - كري أو كما يُعرف عالميا باسم «لو كوربوزييه».
وقد روى المهندس دوشي في وقت سابق كيف أنه عمل لمدة 8 شهور من دون راتب شهري وكان يعيش على الجبن والزيتون والخبز فقط (الأمر الذي أصابه بالتهاب القولون المزمن). ثم أصبح في وقت لاحق شريكا هنديا لدى «لو كوربوزييه»، وعمل بهمة ونشاط معه في الكثير من المشروعات المشتركة.
وقال المهندس دوشي: «إنني مدين بهذه الجائزة الكبيرة لمعلمي الأول «لو كوربوزييه». فلقد كانت تعاليمه هي التي أنارت لي الطريق، وشكلت هويتي المعمارية، ودفعتني للبحث عن واكتشاف التعابير العصرية للمناطق المحيطة من أجل بناء منزل شامل ومستدام. لقد كان العمل مع السيد «لو كوربوزييه» من أبرز وأكبر نقاط التحول في حياتي قاطبة».
ولقد أقر بتأثير المهندس المعماري الأميركي الحديث، لويس كاهن، على حياته، ولكن دوشي بات وفيا للغاية إلى جذوره الأصيلة في تصاميمه، وظل على أعلى قدر من الحساسية الممكنة بمناخ بلاده ومجتمعه.
وقال أيضا: «اعتاد المهندس كاهن أن يقول بأنك تتحدث إلى الطوبة وهي تتحدث أيضا إليك. وأود التعليق على ذلك بقولي بأنني أتحدث إلى الطبيعة وتعاود الطبيعة الحديث إلي. وحديث الطبيعة يتسم بالصمت، فلا حاجة إليها للصياح من أجل التعبير عن نفسها».
وأظهرت جائزة بريتزكر، عبر الأعوام الأخيرة، تحولا نموذجيا من الأسلوب الفني البحت إلى أكثر الأساليب المعمارية اشتقاقا من الإنسانية.
ومن بين الأوسمة الكثيرة التي حظي بها الدكتور دوشي كان وسام الفنون والآداب الفرنسي، والجائزة العالمية لإنجاز العمر في العمارة المستدامة من المعهد الفرنسي للفنون المعمارية، وجائزة أغا خان للعمارة، وجائزة الامتياز الوطني الهندي في التخطيط والتصميم الحضري.
كما حصل أيضا على شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، وجامعة ماكغيل في كندا، وهو زميل بارز لدى المعهد الملكي للمهندسين المعماريين في بريطانيا. ولقد تم إدراج تصميم (سانغاث) بين أفضل 125 عملا من أهم أعمال الهندسة المعمارية منذ عام 1891 من قبل مجلة نيويورك للسجلات المعمارية في جزء من احتفالها بالذكرى الـ125 للتأسيس.
وتركز المباني التي صممها المهندس دوشي على الحفاظ على طاقة الناس والطبيعة المحيطة بهم – من خلال مراعاة المناخ، والمحيط الطبيعي مثل الأشجار، والحدائق التي تساعد على خلق قدرا من الحياة المتزامنة.
«إنني أعمل مع الطبيعة وعيني على أشياء مثل المناخ. على سبيل المثال، إن تصاميمي تمنع ارتفاع درجة حرارة المنزل، وهي تتضمن مساحة تسمح للناس بالوقوف بحرية ومشاهدة النجوم. لا بد من بناء المنازل والمباني بقدر كبير من التهوية، والراحة، والجاذبية، وربما الإثارة، حتى عندما يغير الضوء من مساحة المكان. وعلى سبيل المثال أيضا، إننا ننظر ما إذا كنت في حاجة إلى المزيد من الطاقة لتكييف الهواء، أو أنه من المريح مجرد استخدام جدران الطوب، أو الجدار المجوف مع التوجيه الصحيح؟ فإن حصلت على نسيم هواء جيد، وبعض من الأشجار، أو بعض الماء، ويمر الهواء من خلاله، ومن ثم تكون الأجواء رائعة ومريحة للغاية، فلن تكون بحاجة إلى تكييف الهواء» على نحو ما قال المهندس دوشي عبر محادثة هاتفية مع مراسلة صحيفة الشرق الأوسط.
وأضاف: «ثم إذا توافرت لدي النوافذ المناسبة في المكان المناسب والتي تعكس الضياء، فلن أكون في حاجة لاستخدام المزيد من الطاقة الكهربائية في المنزل. وبالتالي، تلك هي الطريقة الصحيحة لتصميم المباني المستدامة، والتي لا تستهلك الكثير من الطاقة، أو المال، أو المواد، أو الصيانة».
ويقول: «عندما اتبع حدسي وغريزتي، تبدأ المساحات في التدفق، وتبدأ الهياكل في التدفق، وتبدأ الجدران في التدفق أيضا». ويكمن جُل تركيزه على الإجابة على مجموعة محددة من الأسئلة: «كيف يمكنك جعل المواد تتحدث؟ كيف تغني المواد بغنائك؟ كيف يمكن للمواد أن تحفزك على الحياة؟».
في ستينات القرن الماضي، كان المهندس دوشي يعمل مع أحد شخصيات الحداثة المعمارية البارزة، وهو المهندس المعماري الأميركي لويس كاهن في المعهد الهندي للإدارة في أحمد آباد. ومن شأن ذلك أن يظهر في وقت لاحق من خلال منهجه الخاص بتصميم المعهد، وهو أحد أبرز أعماله المعمارية في البلاد.
يقول المهندس دوشي: «تعني هذه الجائزة أن الاتجاه الذي اعتمدته في حياتي المهنية هو الاتجاه الصحيح. واشتمل هذا الاتجاه على النظر إلى الهندسة المعمارية ككائن حي متفاعل وهناك حوار قائم بينك وبينه. ومنذ أن عملت بالتدريس، سعيت من خلال محاضراتي إلى التأثير على الأجيال القادمة. وكان عملي يتعلق أيضا بتمكين الأشخاص المعوزين من خلال الإسكان والمساهمة في المجتمع بأسره».
ويشعر الكثير من الخبراء الهنود، برغم كل شيء، أن هذه الجائزة تعتبر اعترافا عالميا تأخر كثيرا لتكريم إسهامات المهندس دوشي حول العالم.
يقول المهندس المعماري الكبير نيلكانث تشهايا، والعميد الأسبق لكلية الهندي المعمارية في مركز التخطيط والتكنولوجيا البيئية في مدينة أحمد أباد، تلك التي أسسها المهندس دوشي في ستينات القرن الماضي: «لا يرتدي دوشي عباءة البطل الخارق للطبيعة. بل كانت أعماله تتعلق بكيفية تعبير الآخرين عن أنفسهم. وكانت إسهاماته إلى العالم متميزة وفريدة من نوعها. وتتعلق تصاميمه المعمارية بعلاقة الإنسان بالإنسان وبالطبيعة. ولقد أثبت كيف يمكن لتركيباته المعمارية أن تعيد تنشيط الأسلوب القديم من التعامل مع العمارة».
ترتبط الهندسة المعمارية الهندية بالطبيعة فضلا عن ارتباطها بالاستدامة وطابعها الإنساني الظاهر. وفي ثقافتنا المحلية، فإننا نتحدث عن العلاقات، والتقاسم، والمشاركة، والتعاطف، والتطلعات، والطموحات، ولكن في مستوى راق يحمل التأثير الكبير على المجتمع بأسره.
ولذلك يمكننا طرح الأسئلة التي تتبع أيا من هذه الرموز الثقافية فعلا، إما بصفة جزئية أو بصفة كلية. وإننا نحاول وبحق إنجاز هذا الأمر بنوع من التقنيات الحديثة التي صارت بحوزتنا الآن ومما سوف يُتاح لنا في المستقبل. هل بإمكان الناس قضاء أوقاتا أقل في الانتقال من مكان إلى آخر؟ وهل يمكنهم قضاء وقتا أطول مع عائلاتهم؟ هل هناك من طريقة للزراعة بالروح والجسد ضمن الطبيعة في محيط هادئ وطبيعي ولطيف؟
بالنسبة إلى المهندس دوشي، فإن العمارة عبارة عن سيمفونية للحياة.
تتميز بصمة بالكريشنا في. دوشي المعمارية بالاعتراف باحتياجات الناس، وضمان عدم انغلاق حياتهم داخل جدران أربعة لمنازلهم وإنما هي تلك الأماكن التي يشعرون فيها بالسعادة والحياة. ويقول المهندس دوشي: «إنني أعمل لأجل الناس. وهدفي الأول هو أن يشعر الناس بالسعادة حيث يعيشون».
وعلى مدى مسيرته المهنية الحافلة، كان المهندس دوشي، الأكاديمي البارز، يقوم بزيارة المدارس على الصعيد الوطني والدولي، حيث يلتقي بالطلاب الذين يحاولون بناء أحلام عمرهم. وأشار إلى نصيحة يوجهها إلى طلاب الهندسة المعمارية من الشباب: «لا تخدع ذاتك وافعل ما ترغب فيه حقا».


مقالات ذات صلة

القروض العقارية السعودية في أعلى مستوياتها على الإطلاق

الاقتصاد جانب من معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» العقاري بالرياض (الشرق الأوسط)

القروض العقارية السعودية في أعلى مستوياتها على الإطلاق

شهدت عمليات الإقراض العقارية التي توفرها شركات التمويل ارتفاعاً إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بنهاية الربع الرابع من عام 2024 إلى 28 مليار ريال.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد من معرض سيتي سكيب 2024 الأكبر عقارياً في العالم (واس)

سوق الرهن العقاري بالسعودية... محرك رئيسي في النمو والتنويع المالي

يأتي توجه السعودية نحو تطوير سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري من ضمن التطورات المتسارعة التي يشهدها التمويل العقاري في السعودية.

محمد المطيري
الاقتصاد لوحة وكيل عقارات معروضة خارج منزل في شارع سكني في بلاكبيرن (رويترز)

أسعار المساكن في بريطانيا تتجاوز التوقعات وتواصل الارتفاع

أعلنت شركة «نيشن وايد» للإقراض العقاري، يوم الخميس، أن أسعار المساكن البريطانية شهدت ارتفاعاً جديداً في ديسمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أحد مشروعات «الوطنية للإسكان» (واس)

الصفقات العقارية في السعودية تتجاوز 533 مليار دولار خلال 2024

تجاوزت قيمة الصفقات العقارية في السعودية 533 مليار دولار (2.5 تريليون ريال) لأكثر من 622 ألف صفقة في عام 2024.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد جرى توقيع المذكرة بحضور وزير البلديات والإسكان ماجد الحقيل ووزير المالية محمد الجدعان وممثلي «السعودية لإعادة التمويل» وشركة «حصانة» (الشرق الأوسط)

«السعودية لإعادة التمويل العقاري» تُوقع مذكرة مع «حصانة» لتعزيز السيولة وتقديم فئة أصول جديدة

وقّعت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري مذكرة تفاهم مع شركة حصانة الاستثمارية تهدف إلى تعميق وتوسيع نطاق أسواق المال بالمملكة

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
TT

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)

تبرز المنازل الذكية خياراً جديداً في أسلوب الحياة مع التسارع الذي تشهده التقنيات المنزلية؛ مما يعتقد أنها تجعل الحياة أسهل من خلال التحكم في مرافق المنازل عبر الهاتف المحمول، الأمر الذي يضم هذا الاستخدام ضمن استخدامات كثيرة عبر تلك الأجهزة المحمولة.
ويمكن الآن التحكم بكل شيء في المنزل وفق طرق سهلة، سواء كان ذلك تشغيل الإضاءة أو فتح الستائر، أو تشغيل الواي فاي، أو تعديل درجة الحرارة، وفتح وإغلاق قفل الباب الأمامي، وحتى إشعال وإطفاء الموقد، حيث يقضي معظم الأفراد أغلب أوقاته في المنزل أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك التفكير بالتكنولوجيا عندما التواجد في المنزل يكون أقل مقارنة بالخارج فيما عدا تقنية الواي فاي.
غدت الصورة عن المنزل التي تتمثل بأنه مكان خالٍ من التكنولوجيا على وشك التغيير، فحان وقت النظر إلى الأجهزة الكثيرة المتناثرة في أنحاء المنزل، سواء كان التلفزيون في غرفة المعيشة، أو الثلاجة في المطبخ، أو المكيّف في غرف النوم، أو حتى جهاز تسخين المياه في الحمامات. وأصبح الأفراد محاطين بالإلكترونيات التي يتم وصفها بالأجهزة الذكية بشكل متزايد كل يوم، فهي تملك أجهزة استشعار تمكّنها من تسجيل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت. ويوجد اليوم نحو 31 مليار جهاز متصل بالإنترنت، ومن المفترض أن يرتفع هذا العدد إلى 75.4 مليار بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الأبحاث «ستسيتا».
ولا شك بأن السؤال الذي يسيطر في الوقت الحالي هو، متى ستصبح المنازل أكثر ذكاءً عبر وصل جميع هذه الأجهزة بمركز واحد، ليتم التمكن من القياس والتحكم بكل شيء داخل المنازل. وتتجاوز رؤية المنزل الذكي مفهوم الراحة، حيث ستكون التقنيات الجديدة ذات تأثير عميق وإيجابي على الصحة من خلال مراقبة النظام الغذائي وظروف البيئة المحيطة في الأشخاص ورفاهيتهم بشكل عام. وسيتمكن الأطباء بفضل التكنولوجيا من معرفة حالة الأشخاص بالوقت الفعلي كما سيكون تاريخهم الطبي في متناول اليد قبل حتى إخبار الأطباء به. وعلاوة على ذلك، ستمكن المنازل الذكية العاملين في الرعاية الصحية من علاج الأمراض بشكل استباقي.
وسيمتد تأثير التكنولوجيا أيضاً إلى طريقة التعليم والتعلُّم عند وصل أجهزة التعلم الخاصة بالأطفال بأجهزة معلميهم، لتعزيز التفاعل والتعليم المخصص، وسيزداد التركيز على التدريس عبر الوسائط المتعددة، حيث سنتمكن من تحقيق فكرة غرف الدراسة الافتراضية على أرض الواقع، وسيتمكن البالغون أيضاً من إكمال دراستهم من النقطة التي توقفوا عندها، وذلك عبر الدورات التي تم تطويرها للتعلّم المنزلي والتي يمكن بثها على شاشات الأجهزة.
وتعد البيئة المحرك الأهم لتقنيات المنزل الذكي، وخاصة بما يتعلق بتأثير الأشخاص عليها، حيث تستطيع الأتمتة المنزلية الذكية أن تخفّض استهلاك الطاقة والمياه في المباني إلى حد كبير. وصحيح بأن المستهلك سيستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، إلا أن حلول المنزل الذكي المدعمة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تتعرف على سلوك من يعيشون في المنزل وتشغيل الأجهزة أو إيقافها استناداً إلى الروتين اليومي للمستخدم. وسنتمكن مع هذه الحلول الذكية عبر نظرة واحدة على الهواتف المحمولة من معرفة مقدار الطاقة والمياه المستهلكة وتكلفتها. وبالنظر إلى ارتفاع تكلفتهما بشكل مستمر، سيضطر أصحاب المنازل والمرافق والحكومات إلى البحث عن طرق أفضل وأكثر فاعلية للحد من التلوث البيئي، وجعل الحياة أكثر استدامة.
وقد تبدو هذه الأفكار التقنية بعيدة التحقيق، إلا أنها حالياً في مراحل التصميم في مشاريع مثل «نيوم»، المبادرة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الأساس في «رؤية السعودية 2030»، كما أنها وصفت كأضخم مشروع حضري في العالم اليوم. وستعيد هذه المبادرة تعريف طريقة العيش وستركز في جزء كبير منها على المنازل.
وقال نجيب النعيم، رئيس مجلس إدارة العمليات في «شنايدر إلكتريك» السعودية: «سيكون لمبادرة (نيوم) تأثير غير مباشر على المنطقة بشكل عام، وينبغي أن تصبح المنازل الذكية القاعدة السائدة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030. ويبدو لنا أن المنازل الذكية ستستمر في النمو مستقبلاً؛ مما يعني أن طريقة عيشنا اليومية ستتغير بشكل كبير». وبدأت الشركة الاستثمار في أتمتة المنزل الذكي منذ عقود من الزمن، ويعتقد النعيم بأن طريقة عيشنا «ستكون مختلفة بشكل جذري في المستقبل».

التطورات في تقنيات المنزل الذكي
تتطور التكنولوجيا اليوم بوتيرة متسارعة وتقنيات المنزل الذكي ليست استثناءً، والتساؤل يتمحور في معنى هذا التطور من حيث الأداء العملي، وكيف يمكن أن تؤثر البيوت الذكية على الحياة.
الذكاء الصناعي: سيكون الذكاء الصناعي في صميم التقنيات في المنازل المستقبلية، وستتمكن المنازل الذكية من تتبع موقع الأشخاص داخل المنزل، إما عن طريق جهاز استشعار إلكتروني يتم تركيبه على الملابس أو أجهزة استشعار إلكترونية داخل المنزل. وسيمتلك المنزل القدرة على تحديد هوية الأشخاص وأماكنهم، وسيستخدم هذه المعلومات لتلبية الاحتياجات وتوقعها أيضاً. وسيكون المنزل قادراً على ضبط كل شيء بدءاً من التدفئة والتبريد إلى الموسيقى والإضاءة، وكل ذلك حسب احتياجات الشخص الذي سيدخل من باب المنزل.
الإضاءة الذكية: ستُحدث الإضاءة الذكية ثورة في طريقة إضاءة المنازل، فهي تعمل على ضبط نفسها تلقائياً من خلال الكشف عن وجود الأشخاص في الغرفة، وحال خروجهم من هناك، تصبح الأنوار خافتة أو يتم إطفاؤها تماماً. كما يمكن أن تطبق الإضاءة الذكية على نشاطات الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار الضغط إطفاء الأنوار عند الاستلقاء في السرير بعد وقت معين، وستكتشف المستشعرات استيقاظ الأفراد لاستخدام الحمام وتقوم بتشغيل الإنارة. وتضبط الإضاءة درجة سطوعها تلقائياً وفقاً لفترات اليوم، وسيتذكر المنزل الذكي الروتين الخاص بالمستخدم ليتمكن من تخصيص كل جهاز في منزلك حسب الرغبة.
الأقفال الذكية: يمكن أيضاً برمجة الأقفال الذكية وفقاً لاحتياجات الأفراد، فيمكن السماح للزوار بالدخول أو منعهم بناءً على سمات تعريفية محددة. كما يمكنك السماح بالدخول لشخص ما، مثل حامل البريد عن بُعد. ويمكن إرسال رموز فتح الأقفال الافتراضية عبر تطبيق إلكتروني وفتح الباب عبر استخدام الهاتف المحمول.
مراقبة المنزل: تستطيع الأنظمة الأمنية الذكية مراقبة المنزل بشكل مستقل، والإبلاغ عن أي حوادث غير مسبوقة لمالك المنزل، وإبلاغ خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. وتستطيع المنازل الذكية أيضاً مراقبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، فتقدم لهم يد المساعدة كتذكيرهم بتناول أدويتهم وضمان إتمامهم للمهام اليومية بنجاح وأمان. وفي حالات الطوارئ كالسقوط أو الحوادث، سيتمكن نظام المنزل الذكي من إخطار خدمات الطوارئ والسماح لهم بالدخول تلقائياً.
نظام التكييف: يعد التكييف من الضروريات الأساسية في دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك لن يتغير قريباً، فإن الحلول المنزلية الذكية يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة التي نستخدمها لتشغيل أنظمة التبريد لدينا في الصيف وأنظمة التدفئة في الشتاء بشكل كبير. فمن خلال التعلم الذاتي لسلوك واحتياجات الأسرة بالنسبة لتدفئة وتبريد المنزل مع مرور الوقت وإقران تلك المعلومات مع درجة الحرارة داخل المنزل وخارجه، يستطيع منظم الحرارة الذكي تقليص قيمة فواتير استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة أو أكثر؛ مما سيختصر على الوالدين تأنيب الأطفال للتوقف عن العبث بمفتاح الطاقة.
طريقة دمج الأجهزة الذكية بنظام المنزل الذكي: يملك كل واحد منا الكثير من الأجهزة الذكية في المنزل والتي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت. وما يحتاج إليه معظم الأشخاص هو وسيلة بسيطة بأسعار معقولة لإيصال جميع هذه الأجهزة بنظام واحد. ويؤمن نجيب النعيم من شركة «شنايدر إلكتريك» بأن تطبيق ويزر الذي أطلقته الشركة ومفهوم المنزل المتصل المتطور (سكوير دي) ربما يكون الحل المثالي لمن يبحثون عن تقنية المنزل الذكي الرائدة اليوم.
وقال النعيم «سيتطلب تحقيق ذلك شركة ذات خبرة بالطاقة والكهرباء والخدمات الرقمية والأجهزة والبرامج لتنشئ جهاز تحكم المنزل الذكي الذي نحتاج إليه جميعاً. ويعمل تطبيق (ويزر) من جهاز واحد نحمله بيدنا دائماً هو الهاتف المتحرك. ومن خلال وصل كل جهاز لدينا في المنزل بالإنترنت والتحكم به عبر (ويزر) سنتمكن من مراقبة كافة أجهزتنا والتحكم بها بطريقة آمنة ومن جهاز واحد».
وتهدف «شنايدر» على المدى الطويل إلى إضافة مستشعرات في جميع المعدات الكهربائية في المنزل لتتيح قياس استهلاك الطاقة والتحكم بالأجهزة، إما مباشرة أو من خلال الذكاء الصناعي، ومساعدة أصحاب المنازل والمباني على إنشاء «شبكات كهربائية صغيرة» من خلال دمج البطاريات وأجهزة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية. وبهذا قد تصبح الأسلاك الكهربائية والمقابس والقواطع الخاصة بك العمود الفقري الذكي لمنزلك المستقبلي.
«شنايدر» هي من المشاركين في مبادرة «موطن الابتكار» التابعة لشركة «سابك»، وهي مشروع يهدف إلى إنشاء منزل تجريبي متكامل بأثاثه لتوفير تجربة عيش حديثة ومريحة ومستدامة، وإلى رفد السعودية بالمشاريع المستدامة. ويعرض مشروع «موطن الابتكار» ما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الشركات العالمية مع رواد الأبحاث مثل «سابك» لابتكار أفكار جديدة من شأنها أن تثير اهتمام السعوديين وتُطلعهم على ما ستبدو عليه منازلهم في المستقبل.
وقال النعيم: «لم تتغير منازلنا كثيراً على الرغم من كمية التقنيات المحيطة بنا. وأصبح ذلك على وشك التغيير، فسنستذكر مستقبلاً الماضي بعد عقد من الزمن، ونتساءل لماذا لم نختر مفهوم المنزل الذكي في وقت أبكر. وسيحدث ذلك ثورة في طريقة راحتنا وعملنا ولعبنا. وأعتقد أن السعودية ستقود مسيرة التطور التقني في المنازل الذكية بفضل مشاريعها الرائدة مثل (نيوم)».