مواطنون في الموصل: المسلحون أعادوا مدينتنا مئات السنين إلى الوراء

أحدهم يخشى أن «تنعكس الآثار السلبية على مستقبل أجيال قادمة»

مواطنون في الموصل: المسلحون أعادوا مدينتنا مئات السنين إلى الوراء
TT

مواطنون في الموصل: المسلحون أعادوا مدينتنا مئات السنين إلى الوراء

مواطنون في الموصل: المسلحون أعادوا مدينتنا مئات السنين إلى الوراء

يشعر سكان في الموصل أن مدينتهم عادت في ظرف أسبوعين فقط مئات السنين إلى الوراء بعدما أحكم مسلحون ينتمون إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وتنظيمات أخرى سيطرتهم على ثاني أكبر مدن العراق وفرضوا عليها قوانين متشددة.
وسقطت المدينة التاريخية التي عرفت قبل اجتياح عام 2003 بمواقعها السياحية، وبعده بأعمال العنف التي لم تتوقف فيها، خلال ساعات قليلة من فجر الثلاثاء العاشر من الشهر الحالي بيد المسلحين بعدما غادرتها فجأة القوات الحكومية تاركة خلفها أعتدة وآليات وملابس، والمدينة لمصيرها.
وقالت أم محمد (35 سنة) التي تعمل مدرسة في إحدى مدارس الموصل، في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية: «نعيش في خوف مستمر من التعرض لضغوط جديدة. نخاف أن نحرم من العمل والمساهمة في بناء المجتمع». وأضافت: «هؤلاء المسلحون سيعيدوننا وبلادنا مئات السنين إلى الوراء، وقوانينهم تتعارض مع قوانين حقوق الإنسان والقوانين الدولية».
وما إن أحكم المسلحون سيطرتهم على الموصل التي تسكنها غالبية سنية حتى أصدروا بيانا عمموه على سكانها البالغ عددهم نحو مليوني نسمة والذين فر مئات الآلاف منهم بسبب أعمال العنف، أطلقوا عليه اسم «وثيقة المدينة» وأعلنوا فيه عن قوانين متشددة. وتحرم هذه الوثيقة التي تتضمن 16 نقطة «الاتجار والتعاطي بالخمور والمخدرات والدخان وسائر المحرمات»، وتمنع «المجالس والتجمعات والرايات بشتى العناوين وحمل السلاح» وتؤكد على ضرورة هدم «المراقد الشركية والمزارات الوثنية».
وتفرض الوثيقة على النساء «الحشمة والستر والجلباب الفضفاض»، إلى جانب ملازمة المنزل «وترك الخروج إلا لحاجة»، وتدعو في الوقت ذاته السكان إلى أن «ينعموا في حكم إسلامي» في ظل «حقبة الدولة الإسلامية وعهد الإمام أبي بكر القرشي»، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية.
كما وزع هؤلاء المسلحون وثيقة على المساجد تفرض «عدم نشر وإذاعة أي بيان غير صادر عن دولة الإسلام في العراق والشام» وكذلك عدم «رفع أي راية سوى راية دولة الإسلام وبأي شكل من الأشكال»، معلنة عن مسجد يجري فيه قبول «توبة المرتدين».
وبحسب سكان في المدينة، فإن تنظيم الدولة الإسلامية عين مسؤولا لكل منطقة، يهتم أولا مع مجموعة من مساعديه بإجراء مسح لسكان منطقته. وقال أحد السكان الذين فروا من الموصل: «اتصل بي جيراني وقالوا لي إن مسلحين جاءوا لتفقد المنازل الفارغة في المنطقة ومعرفة لمن تعود وسألوا عن منزلي وعن طائفتي وعن رقم هاتفي». وتابع: «تركوا رسالة مفادها أنه إذا أردت العودة إلى منزلي، فعلي التبرؤ من الشيعة، والرجوع إلى المنزل خلال يومين، وبخلاف ذلك، فإنهم سيحرقونه».
وينتشر المسلحون في عموم مدينة الموصل، بعضهم يسيرون على أقدامهم، وآخرون يتنقلون بسيارات مدنية أو عسكرية استولوا عليها بعد انسحاب الجيش من المدينة، وباتت ترفع رايات سوداء هي رايات «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ويرتدي بعض هؤلاء المسلحين ملابس مدنية، بينما يرتدي آخرون زيا عسكريا أو ملابس سوداء، ومنهم من يضعون أقنعة على وجوههم، ويحملون جميعهم أسلحة مختلفة بينها بندقية الكلاشنيكوف والمسدسات.
وعلى مدى الأيام الماضية قام المسلحون برفع تماثيل من مناطق متفرقة، بينها تماثيل كانت موضوعة أمام كنيسة وتمثال الشاعر والقارئ ملا عثمان الموصلي في غرب المدينة، وتمثال الشاعر أبي تمام وتمثال بائع شراب عرق السوس وتمثال المرأة الموصلية في وسطها.
وذكر سكان في الموصل أن التماثيل رفعت من مكانها ونقلت إلى مكان مجهول ولم يعرف مصيرها.
وقال أحد المسيحيين القلائل الذين بقوا في الموصل: «رفعوا تمثال مريم العذراء الذي كان عند باب الكنيسة، وحطموه، ورحلوا». وأضاف: «لم نتلق أي تهديد من أي جهة حتى الآن. سنبقى هنا لأننا لم نغادر مدينتنا عندما حدثت موجة العنف بعد الاجتياح الأميركي، وحتى في الأعوام التي أعقبتها. لن نغادر منازلنا ومدينتنا حتى لو ذبحونا».
ورغم عودة الدوائر الخدمية مثل الماء والكهرباء والصحة إلى العمل، بقيت المدينة تعاني نقصا كبيرا في الكهرباء والوقود؛ إذ ينتظر المئات لساعات بسياراتهم أمام المحطات، بينما تواصل المدارس والجامعات إغلاق أبوابها وتتجنب القيام بأي نشاطات.
وقال أبو علي (40 سنة) إن سكان الموصل يرفضون «الاستبدال بتضييق القوات الأمنية العراقية التي أرهقتنا طيلة السنوات الماضية، تضييقا من أنواع أخرى يفرض علينا أسلوب حياة جديد لا يتناسب وبيئتنا التي اعتدناها». وأضاف أبو علي، وهو أحد سكان المدينة: «ستنعكس الآثار السلبية لهذا التحول على مستقبل أجيال قادمة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم