ألغام الموت في رأس العين

الأهالي: نريد سقوط نظام بشار لكن «الجهاديين» حولوا البلدة إلى مقبرة

رأٍس العين.. ضحية النظام والمعارضة ({الشرق الأوسط})
رأٍس العين.. ضحية النظام والمعارضة ({الشرق الأوسط})
TT

ألغام الموت في رأس العين

رأٍس العين.. ضحية النظام والمعارضة ({الشرق الأوسط})
رأٍس العين.. ضحية النظام والمعارضة ({الشرق الأوسط})

اسمه محمود، لكنه كان معروفا باسم شاهين بين أصدقائه. تجمعوا بالعشرات في صباح يوم من أيام نوفمبر (تشرين الثاني) في مجموعات صغيرة مكبوتة تحت السحب التي كانت تنذر بالمطر في ذلك اليوم. كان شاهين رفيقهم بالأمس، لم يكن سوى واحد من الشباب الذين حملوا السلاح للقتال من أجل وطنهم. واليوم هو في قلب احتفاله الخاص - أحدث شهيد كردي في رأس العين.
يقول بشير، وهو شاب حسن الطلعة داكن الشعر يرتدي الزي الكاكي: «لقد دفنّا الكثيرين هنا خلال الأسابيع الماضية»، وبدأ الحديث من مشهد يعكس كلماته السوداء؛ قبور حديثة تنتشر خلف السور الذي كان يبين حدود المقبرة قبل أن تضيق على أعداد الموتى في تلك المنطقة. ويضيف بشير: «مات 25 شخصا خلال الشهرين الماضيين». ولكل مدينة مقبرة كهذه.
كان شاهين مقاتلا، لكنه لم يمت على الخطوط الأمامية. فقبل يوم من جنازته بمقبرة الشهداء انفجر فيه لغم وهو يسير في شارع تل حلف، وهي بلدة صغيرة غرب رأس العين. يقول بشير إن سلك تشغيل كان يربط بين لغمين، ولقد وجدنا نحو 60 منها حتى الآن.. لقد وضعتها الجماعات الإسلامية.
حتى قبل شهر من الآن، كانت رأس العين بلدة مقسمة مثل الكثير من المدن في سوريا، وخط المواجهة الذي يمر بها يرسّم الحدود بين المنطقة، التي تسيطر عليها «جبهة النُصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وهي الجماعات «الجهادية» التي تسيطر حاليا على معظم الأراضي التي يسيطر عليها المعارضون المسلحون، و«وحدات حماية الشعب الكردية»، وهي الميليشيا التي تسيطر على معظم المنطقة الكردية في الشمال.
لنحو سنة، لم تكن تل حلف بلدة، بل ميدان معركة يسكنها رجال غرباء يحملون أسلحتهم الخفيفة، وقد هجرها معظم سكانها. يقول بشير: «جبهة النصرة والتوحيد جميعهم الشيء ذاته» مثل معظم من تحدثنا إليهم في المنطقة الكردية في سوريا؛ فلا يميز بشير بين لواء التوحيد، وهو من ألوية الجيش السوري الحر، الذي سيطر على البلدة أولا من النظام، والجماعات الإسلامية المتشددة التي أعقبته بعد أيام قليلة. بالنسبة له جميعهم غزاة وليسوا مناضلين من أجل الحرية وقوة معادية في المنطقة الكردية يجب طردها بأي ثمن. وتؤكد غوران، وهي مقاتلة فصيحة اللسان من الوحدة النسائية الكردية وعمرها 24 سنة، على كلمات بشير قائلة: «إنهم لصوص وإرهابيون من الخارج.. كل ما يريدونه هو التخريب والتدمير. إن كانوا يريدون مقاتلة النظام، فلماذا لا يذهبون إلى دمشق؟». في أوائل هذا الشهر تقدمت وحدات حماية الشعب الكردية غربا طاردة الإسلاميين خارج رأس العين إلى ما خلف تل حلف. لكن المحتلين غير المرغوب فيهم خلفوا وراءهم تركة مميتة، شوارع مزروعة بالألغام وأدوات الحرق التي لا تفرق بين جانب وآخر، أو بين المدنيين والمقاتلين. ويضيف بشير بشأن مقتل شاهين: «لم يكن أول من يقتله لغم أرضي»، ولا يدري بشير ما إذا كان الإسلاميون قد زرعوا اللغم الذي قتل شاهين أثناء احتلالهم لتل حلف أم لغّموها أثناء تقهقرهم. في النهاية لا يفرق الأمر. عاد المدنيون في رأس العين إلى الشوارع التي كانت خطوط مواجهة، وعادت معهم مظاهر الحياة اليومية العادية. قال لي مرافقي معلقا على رسوم للعلم البرازيلي دون إتقان على الجدران البيضاء: «إنهم يتوقون لكأس العالم». قابلنا كيساي خارج أحد المحلات في الشارع، الذي كان معلقا به أوشحة حريرية زاهية الألوان، ونحن نشرب القهوة على الرصيف معها، وهي تاجرة في الأربعين من عمرها، عجز العام الرهيب الذي مر بها عن كسر انشراحها وتغلبها على الظروف إلا بقدر يسير. أشارت إلى ثقوب أحدثتها طلقات الرصاص على باب محلها. لم يمضِ عليها في العمل أكثر من شهرين، عندما دخل الإسلاميون رأس العين في نوفمبر 2012، وهربت مثلها مثل بقية جميع سكان الشارع. تقول كيساي: «ذهبت إلى تركيا، لأن لدي أقارب هناك.. ذهبت للمرة الأولى عندما بدأت تقصفنا طائرات النظام، ثم عدت، لكن تجدد القتال فرجعت إلى تركيا». لعشرة شهور تأرجحت حياتها بين التقدم والتراجع، فقد لجأت إلى تركيا عندما اندلع القتال ثم عادت للاطمئنان على بيتها وتجارتها عندما ساد هدوء متوتر. ولا تزال والدتها المسنة المريضة في تركيا تنتظر حتى تتأكد من مغادرة الإسلاميين دون عودة قبل رجوعها. وتقول كيسانا مبتسمة: «إنها تشاهد التلفزيون دائما لتعلم ما يحدث هنا». لا تظهر في الشارع آثار كثيرة على وجود الإسلاميين لمدة عام في البلدة، لكن هناك لمحات من ذلك في أماكن أخرى من رأس العين؛ موقع لأفراح الزفاف جرى تحطيمه لأنه يبيع الكحول، وشعار أسود وأبيض لتنظيم القاعدة مُسح بصورة غير كاملة، وكُتب فوقه «وحدات حماية الشعب الكردية». رأينا القاعدة السابقة للإسلاميين في مصنع زراعي مهجور خارج البلدة مباشرة. وتضررت بصورة كبيرة أثناء هجوم وحدات حماية الشعب الكردية عليها، لكن الكتابة على الجدار لا تزال واضحة «جبهة النصرة 2013»، وفي مكانٍ آخر: «قبل أن ترتكب معصية تذكر أن الله يراك».
لم يكن ذلك هو التحرير الذي تمنته كيساي، قالت لنا إنها واحدة من النساء القليلات اللاتي انضممن إلى الاحتجاجات الأولى ضد النظام في رأس العين، قبل أن تتحول الثورة إلى نزاع مسلح ويتحول إلى طائفية ممزقة. وقالت: «في البداية ظننت أن المسألة هي الجيش الحر ضد النظام، لكني أظن الآن أن الجيش الحر هو عصابات ومسلمون متشددون. نريد جميعا سقوط النظام، لكن إن كان الخيار بين بشار والجهاديين، فسأختار بشار».
يقول الأكراد إنهم سيتقدمون نحو عين العرب على بعد 80 كيلومترا غرب رأس العين. وإذا واصلوا تقدمهم بالسرعة نفسها التي كانوا عليها خلال الأسابيع الماضية، فسيحققون ذلك خلال أشهر. لكن بين هنا وهناك عشرات البلدات مثل تل حلف وآلاف المدنيين العالقين على الطريق، ويخلف رقاص ساعة الثورة في سوريا علامات مد من الحزن والفوضى في كل مرة يتأرجح فيها إلى الخلف أو الأمام. قالت غوران بينما كان نعش شاهين يوضع في القبر: «طالما كان هناك أعداء فسيكون هناك دائما شهداء».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».