مسؤولة الذكاء الاصطناعي لدى «أسوشييتد برس»: الوظائف الصحافية الروتينية ستلغى

ليسا غيبس تكشف لـ «الشرق الأوسط» عن أداة تطورها الوكالة لكشف الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي

من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)
من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)
TT

مسؤولة الذكاء الاصطناعي لدى «أسوشييتد برس»: الوظائف الصحافية الروتينية ستلغى

من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)
من جلسة ليسا غيبس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي (نادي دبي للصحافة)

عند تصفح أجندة جلسات منتدى الإعلام العربي لهذا العام، لفت انتباهي، وانتباه غيري جلسة تحت عنوان «ثورة الروبوتات ومستقبل الصحافة». الموضوع مقلق لأهل المهنة. فهناك مخاوف باستبدالهم بـ«روبوتات» تنجز عملهم بسعر أقل وسرعة أعلى. وشحة المعلومات المتوفرة حول هذه الثورة، ومدى تأثيرها على غرف التحرير زادت من الإرباك. لذلك، لم يفاجئني إقبال حضور المنتدى من نخبة الإعلاميين على هذه الجلسة. وبعد ظهر اليوم الأول للمنتدى، طلت علينا ليسا غيبس مسؤولة استراتيجية الذكاء الاصطناعي لدى وكالة «أسوشييتد برس» (أ.ب) لتحدثنا عن هذه الظاهرة التي يتخيلها البعض بفنتازية أفلام الخيال العلمي. إلا أن الغموض تبدد شيئا فشيئا خلال الجلسة خصوصا عندما كشفت لنا غيبس أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه أن يكون السلاح الأمثل لمحاربة ظاهرة الأخبار الكاذبة التي تهدد اليوم كبريات المؤسسات الإعلامية. انتهزت فرصة وجود غيبس في دبي علما أن مقر عملها في نيويورك لإجراء حديث معها عن أسئلة خطرت في بالي خلال الجلسة، فرحبت بذلك. فحدثتني عن توظيف الذكاء الاصطناعي في عالم الصحافة، وكشفت لي عن أداة «أ.ب فيريفاي» التي تطورها الوكالة لكشف الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم أستطع إلا أن أسألها سؤالا يراود جميع الصحافيين اليوم.. «هل ستطردنا التكنولوجيا من مكاتبنا وتعفينا من مهامنا؟» وفيما يلي نص الحوار:
> تلقت جلستك «ثورة الروبوتات ومستقبل الصحافة» خلال فعاليات منتدى الإعلام العربي الكثير من التغطية الصحافية. وعنونت معظم التقارير تصريحك بأن «الذكاء الاصطناعي أداة لصناعة ومحاربة الاخبار الكاذبة». فكيف ذلك؟
- هناك أدوات قد تستخدم لكتابة نماذج قصص. هذه النماذج قد توظف لتوليد كم كبير من الأخبار استنادا على بيانات يتم تجميعها. هذا النوع من التكنولوجيا بالإمكان أن توظفه المؤسسات الإعلامية المرموقة لضخ الكثير من القصص البسيطة مثل تغطيات المباريات الرياضية أو أخبار عن حالة الطقس أو حتى التقارير المالية. ولكن، قد يوظفها البعض الآخر أيضا لضخ الأخبار الكاذبة (Fake News). هذه الأخبار قد تكون بروباغندا سياسية، أو مجرد وسيلة لزيادة زيارات ومتابعات مواقع معينة لكي تستفيد من أرباح الإعلانات.
هناك أيضا تكنولوجيا أخرى أبدى المعظم قلقهم منها. هذه التكنولوجيا بإمكانها تجميع سلسلة من الصور لإنتاج صورة واحدة مزيفة بجودة صورة حقيقية يصعب التحقق منها. لكن، هنالك جانب مشرق لهذا التطور التكنولوجي، فإمكاننا اليوم كصحافيين توظيف الأدوات ذاتها للتحقق من صحة البيانات والمعلومات والصور بوتيرة أسرع من قبل.
نحن في وكالة أسوشييتد برس نعمل حاليا على تطوير أداة تتحقق من المعلومات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. الطريقة اليدوية للتحقق اليوم من قبل الصحافي تتضمن بحثه عن مصدر المعلومات وتاريخ نشرها ومكان النشر أيضا، خصوصاً عند التأكد من صحة الصور. لكن، أصبح من الممكن اليوم من خلال التكنولوجيا المتوفرة بناء أداة تختصر العملية الشاقة على الصحافي وتنجز المهمة بوقت أقل.
> ظاهرة الأخبار الكاذبة أو المزيفة ليست وليدة هذا العصر. لكن التطور التكنولوجي أسهم بتفاقمها. هل تتفقين؟
- هذا بالفعل صحيح. السبب يعود إلى تضاعف سرعة نشر الأخبار الكاذبة عن طريق منابر التواصل الاجتماعي. كما أصبحت أدوات تسلح المهتمين بصناعة الأخبار الكاذبة متاحة اليوم بفضل التطور التكنولوجي. لكن، يجب ألا نهمل الحوار عن كيف بإمكان الأتمتة مساعدتنا بالتحقق من المعلومات المنشورة في القصص. أصبح من المقدور اليوم أن ينشر موقع إلكتروني خبرا ويتيح خاصية الضغط على المعلومات للقارئ للاطلاع على مصدرها ومصداقيتها. وينشط حوار مؤخرا حول المعايير التي تجعل من المنابر الإعلامية مصادرا موثوقة، والدور الإيجابي الذي قد يلعبه الذكاء الاصطناعي في مساعدة القراء والمستخدمين للتمييز بين المصادر والمنابر الموثوقة والكاذبة بسرعة أكبر.
> تقوم وكالتكم بتطوير أداة للتحقق من صحة البيانات «أ.ب فيريفاي» (AP Verify). ما هي أهداف المشروع؟ وهل اعتمدتم على شراكة مع «غوغل» لتطوير الأداة؟
- «أ.ب فيريفاي» أداة نقوم بتطويرها لمساعدتنا في التحقق من المواد المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أسرع. المشروع ينفذ في مكاتبنا بلندن، وتمول شركة «غوغل» جزءا من تكاليفه تحت «مبادرة غوغل للأخبار» في أوروبا. نستعين بعملاقة التكنولوجيا (غوغل) لمساعدتنا في الاستثمار بتقنية ذات جودة عالية لتأكيد نجاح الأداة المطورة. القطاع الإعلامي لا يمتلك دوما الموارد الكافية للإبداع.
تمتلك الكثير من المنابر الإعلامية مختبرات بحث وتطوير، لكن ليس بمقدورها تحقيق رؤيتها. لذلك، نحن بحاجة إلى دعم من «غوغل» ومؤسسات وشركات أخرى في حربنا على الأخبار الكاذبة والمعلومات المزيفة. قد نعتبر تجهيز أنفسنا بالتكنولوجيا معركة تسليح بين قوى الخير الصحافية وطاقات الأخبار الكاذبة.
لطالما كانت التكنولوجيا متغيرة. فقبل قرن، تمثلت في مهنة الصحافة بتدوين الأنباء على ورقة ومن ثم الاستعانة بالهاتف للاتصال بالمكتب الرئيسي ونقل الخبر، ومن ثم تطورت الصناعة. تشهد كل حقبة إعلامية زمنية تغيرات تكنولوجية تربكها أو تعطلها، لكن المعايير التحريرية والمهنية يجب أن تظل ثابتة بغض النظر. يجب أن نبقى أوفياء لمعايير الصحافة بمصداقيتنا ومهنيتنا وموضوعيتنا. لذلك، يتوجب علينا أن نعمل معا لنحرص على تطوير طرق تبرز عملنا وتمنحنا القدرة على الكشف عن المعلومات المغلوطة بسرعة، وبإمكان تقنيات الذكاء الاصطناعي مساعدتنا على ذلك.
> ذكرت أن المشروع ممول جزئيا من قبل «غوغل». ماذا ستستفيد شركة عملاقة من هذا المشروع الصحافي؟
- قامت «غوغل» باتخاذ قرار بأنها ستقوم بدعم الصحافة ذات الجودة العالية. الشركة تريد مساندة الابتكار في مجال الإعلام. ولذلك، قامت بتخصيص صناديق للمساعدة في هذا النوع من المشاريع. أعتقد أن شركات مثل «غوغل» و«تويتر» و«فيسبوك» بدأت بملاحظة الدور التي تلعبه منابرها في مجال مشاركة وتبادل الأخبار، ذات الجودة العالية والمتدنية. كما تعي الشركات ذاتها أن المجال الإعلامي يعاني من الإرباك خصوصا في مجال التنمية المالية المستدامة. ولذلك، فهي تبحث عن طرق جديدة لدعم المؤسسات الإعلامية المرموقة ومساعدتها في زيادة الأرباح المالية من خلال منابرها الإلكترونية، وهذا التوجه أعظم من السابق.
> عندما تنتهون من تطوير أداة التحقق، هل تعتزمون مشاركتها مع المؤسسات الإعلامية الأخرى؟ أم أنكم ستكتفون بمشاركة الأخبار الصادقة التي ستتحقق منها «أ.ب فيريفاي»؟
- أعتقد أننا سنقوم بعمل الشيئين. لدينا حاليا الكثير من الصحافيين في الوكالة مسؤوليتهم التحقق من الأخبار والمعلومات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. يقومون بالتواصل مع شهود العيان في مقر الحدث وتأكيد المعلومات. هذه الأمور تصب في تحسين سرج الخبر وتعميمه. ونقوم بتوفير هذه الأخبار الموثوقة للمنابر الإعلامية ليستخدموها. مشروع تطوير الأداة هو مشروع وليد لعام 2018 الحالي، وما زلنا في المراحل الأولية. لذلك، ليس بإمكاننا تقييم فعالية الأداة بعد. وهناك كثير من التساؤلات التي لا نملك لها الإجابات إلى الآن. ولكن أعتقد أنه من أهم أهدافنا دعم ومساندة الإعلام ليتبنى الأدوات والخطوات اللازمة في ظل التقنيات المتاحة.
> هل ستكون أداة «أ.ب فيريفاي» متاحة للتحقق من المعلومات بلغات أخرى، كالعربية؟
- نقوم الآن بالتركيز على اللغة الإنجليزية في بناء الأداة، ولكن اعتقد انه سيكون بمقدورنا مواءمتها لقراءة لغات أخرى سرعان التأكد من فاعليتها. معلومات الصور الذاتية (مثل التاريخ والوقت مثلا) تسجل في الأجهزة الإلكترونية بالإنجليزية، ما سيسهل علينا الأمر، وما سيجعل الأداة مفيدة للخدمات غير الإنجليزية حتى لو لم نغير اللغة. اللغة العربية مهمة جدا لوكالة «اسوشييتد برس». لدينا اليوم قسمان لترجمة اللغات الأجنبية، وهما اللغة الإسبانية، واللغة العربية، لأهميتهما في عالم الأخبار.
> هنالك مخاوف يعبر عنها الصحافيون اليوم وهي أن الذكاء الاصطناعي سيقوم باستبدالهم، وجعلهم عاطلين عن العمل. هل تتفقين؟
- هذا السؤال عادة أول ما يطرح علي في المقابلات. نحن (في الوكالة) لم نقم بإلغاء أية وظيفة منذ أن بدأنا بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي. إذ نوظف هذه التكنولوجيا لمساعدة صحافيينا. نعفيهم من المهام الشاقة والرتيبة لزيادة إنتاجيتهم وجودة عملهم. نريد أن يركز صحافيونا المؤهلون الذين يتمتعون بقدرات عالية أن يركزوا على جوانب المهنة المهمة مثل سرد قصص هامة ومحورية للقراء، والتركيز على التحقيقات الاستقصائية، والمواد المبدعة. لا نريد أن يجلس صحافيونا خلف أجهزتهم ك«الروبوتات» ينتجون قصصا بسيطة عن الطقس أو نتائج المباريات الرياضية أو عن البيانات في قطاع المال. هذه القصص تخسر قيمتها بسرعة فائقة في عالم الإنترنت. نرى أن الصحافيين يجب أن تتوفر لديهم الفرصة والوقت للعمل على القصص التي لديها تأثير وصدى في العالم. قمنا بشرح رؤيتنا لكادرنا، وجميع الموظفين يتفقون معنا.
> ماذا عن أولئك الصحافيين الذين تعودوا على تغطية هذه الأنباء وإنتاج القصص البسيطة إذن؟
- الوظائف التي تعتمد على العمل الروتيني المذكور أعلاه من الأرجح أن تلغى. ومن ثم يترتب على الصحافيين الذين كانوا يشغلونها تلقي التدريب اللازم للقيام بمهمات أخرى. وأعيد الذكر أننا لم نقم بإلغاء أية وظائف في وكالتنا، بل قمنا بتوظيف وقت الفراغ الذي أصبح متاحا بفضل الذكاء الاصطناعي ليستثمره الصحافيون بمهام أكثر أهمية. كما نظرنا إلى توفير تدريب لكادرنا لتمكينهم بالمهارات لتواكب التطور التقني الطارئ.
وعندما حولنا تغطية القصص عن الإيرادات الآلية عن طريق التقنية الجديدة، تفرغ كادرنا لتغطية المزيد من الأخبار التقنية والاقتصادية، وركز صحافيونا على العمل الاستقصائي. وفي بعض الحالات، وفرت لنا تقنية الذكاء الاصطناعي إمكانية تغطية قصص لم نكن نغطيها من قبل لعدم توفر الكوادر الكافية. فأصبح بإمكاننا اليوم تغطية مباريات كرة القدم الجامعية في الولايات المتحدة على سبيل المثال. لم يكن لدينا كادر كاف من قبل بمقدوره تغطية المباريات التي تحدث في الوقت ذاته. ومن خلال التقنية أصبح ذلك متاحا، ولهذه الأخبار جمهور يقدرها.
> يوفر الذكاء الاصطناعي اليوم إمكانية جمع الأخبار من مختلف أنحاء العالم، هل سيهدد ذلك دور المراسل، وهل سيقوم بإلغاء عمله؟
- نعي كليا حاجتنا للصحافيين. خصوصاً الملمين بمناطقهم، ولغتهم، ولديهم تجربة واسعة في تغطية مجالات معينة من ساحات القتال إلى الصحة والعلوم. هذه الاختصاصات مهمة جدا على الأرض. فحتى لو استطعنا إرسال «روبوت» للتغطية ولالتقاط صور، في أماكن يصعب للمراسل الوصول لها، تحت الماء مثلا، إذ استعنا بالروبوتات في الأولمبياد وفي مباريات كأس العالم وغيرها. لكن، ما زلنا بحاجة إلى الصحافي الذي يشغل هذه التقنيات، وآخر لشرح الموقف. فحتى لو أرسلنا «روبوت» إلى مكان الحدث، وغاب المراسل، فلن يكون بمقدورنا الفهم والتأكد مما يحدث، وما دلالات الحدث. وأعتقد أننا سنواجه مثل هذا المواقف في المستقبل، ويجب علينا أن نكون مستعدين للتعامل معها وكيف سنقوم بنقل المعلومات التي تجمعها الروبوتات إلى المستخدمين. فقد تدخل سياستنا التحريرية فقرة جديدة على الخبر تشرح أننا حصلنا الصورة أو الأنباء عن طريق «روبوت» في مكان الحدث، ومن ثم على المستخدمين أخذ ذلك في عين الاعتبار عند تحليلهم للخبر.


مقالات ذات صلة

«طالبان» تحظر البث المباشر للبرامج الحوارية السياسية

آسيا صحافيون أفغان في لقاء بمكتب أخبار «تولو» في العاصمة كابل (إعلام أفغاني)

«طالبان» تحظر البث المباشر للبرامج الحوارية السياسية

فرضت حكومة «طالبان» في كابل، حظراً على البث المباشر للبرامج الحوارية السياسية بالقنوات الإخبارية الأفغانية، ما أثار موجة إدانات دولية من مختلف أنحاء العالم.

عمر فاروق (إسلام آباد)
المشرق العربي عربة عسكرية إسرائيلية خارج المبنى الذي يستضيف مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

«الجزيرة» تعدّ اقتحام القوات الإسرائيلية لمكتبها في رام الله «عملاً إجرامياً»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه أغلق مكتب قناة «الجزيرة» في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لأنه «يحرض على الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
يوميات الشرق تقرير «ليونز العالمي» يُعدّ معياراً عالمياً موثوقاً في مجالات الإبداع والتسويق لدى الوكالات والعلامات التجارية (الشرق الأوسط)

«SRMG Labs» تحصد لقب أفضل شركة سعودية للخدمات الإبداعية والإعلانية

حلّت «SRMG Labs» شركة الخدمات الإبداعية والإعلانية في المراتب الأفضل بين الشركات المدرجة هذا العام في تقرير «ليونز العالمي للإبداع».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق صدر كتاب السيرة الذاتية للإعلامي اللبناني كميل منسّى بعد أشهر على وفاته (الشرق الأوسط)

كميل منسّى يختم نشرته الأخيرة ويمضي

رحل كميل منسى، أحد مؤسسي الإعلام التلفزيوني اللبناني قبل أشهر، فلم يسعفه الوقت ليحقق أمنية توقيع سيرته الذاتية. تسلّم ابنه الأمانة وأشرف على إصدار الكتاب.

كريستين حبيب (بيروت)
العالم شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)

«ميتا» تحظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية على منصاتها

أعلنت مجموعة «ميتا»، المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، فرض حظر على استخدام وسائل الإعلام الحكومية الروسية لمنصاتها، وذلك تجنّبا لأي «نشاط تدخلي أجنبي».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

عمّقت عائدات الإعلانات النزاع الناشئ بين شركة «غوغل» والناشرين، ما جدّد التساؤلات بشأن تأثير ذلك في مستقبل الإعلام، الذي يعتمد في تمويل بقائه على الإعلانات. وبينما أشار خبراء تحدّثت إليهم «الشرق الأوسط» إلى إمكانية الوصول إلى حلول توافقية، فإنهم لفتوا إلى هيمنة «غوغل» على هذه السوق.

النزاع كان قد اندلع أخيراً مع دعوى قضائية رفعتها السلطات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، ضد «غوغل»، هي الثانية من نوعها في غضون أقل من سنة. وتتهم الدعوى التي رفعتها وزارة العدل الأميركية «غوغل» بـ«الهيمنة على الإعلانات عبر الإنترنت وخنق المنافسة». ووفقاً لتفاصيلها فإن «غوغل» متهمة بأنها «استخدمت وسائل غير قانونية مانعة للمنافسة؛ للقضاء على أي تهديد لهيمنتها على تقنيات الإعلان الرقمي، أو تقليص المنافسة بشكل كبير». وتطرّق الاتهام إلى أن «غوغل استخدمت قوتها المالية للاستحواذ على منافسين محتملين واحتكار السوق، ما لم يترك للمعلنين والناشرين أي خيار سوى استخدام تقنيتها». ويذكر أنه سبق لمحكمة أميركية أن قضت، الشهر الماضي، بأن الشركة العملاقة «تمارس احتكاراً غير قانوني في سوق الإنترنت».

في المقابل، ترفض «غوغل» هذه الاتهامات، وترى أنها «تتعارض مع مبادئ قانون المنافسة التي تساعد على دفع النمو الاقتصادي والابتكار». ولقد أوضحت في وثيقة سلمتها للمحكمة وتداولتها وسائل الإعلام الأميركية، أن «القضية أيضاً غير صحيحة من ناحية الوقائع». ومن المرجح أن يستمر نظر القضية ضد «غوغل» نحو أسابيع، وإذا ما صدر حكم بالإدانة، فستقرر محكمة أخرى العقوبات. وللعلم، تواجه «غوغل» تحقيقات مماثلة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

الباحثة في الإعلام الرقمي، الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي في ليبيا، أفادت «الشرق الأوسط» بأن «النزاع اشتعل أخيراً بين (غوغل) والناشرين، مع إعلان رغبة (غوغل) إطلاق خدمة ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤثر في الناشرين ويقلل من فرصة الحصول على الإعلانات». وأضافت أن «شركة غوغل تحقق أرباحاً تقدر بالملايين عبر الإعلانات التي تظهر عبر صفحات الإنترنت؛ ما دفع المسألة إلى باحات القضاء في أوروبا وأميركا عبر دعاوى احتكار لتقنيات الإعلام الرقمي رُفعت ضد الشركة».

وحدّدت عبد الغني 4 أسباب للنزاع، هي «أولاً، التطورات التكنولوجية المتسارعة في ميدان تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما تفرضه من تحديات وتأثيرات سواء على الشركات الرقمية أو على مستهلكي ومستخدمي تقنياتها الإعلامية. وثانياً، الصراع الأزلي على الأرباح والسيطرة على السوق والاستحواذ عليها. وثالثاً، رغبة بعض الدول والهيئات الدولية في الحد من سيطرة بعض الشركات الكبرى التي أصبحت مهيمنةً على الاقتصادَين المحلي والعالمي. أما السبب الرابع، حسب عبد الغني، فيتعلق بالرغبة في حماية حقوق الأفراد الرقمية في ظل احتكار الشركات الكبرى للمشهدَين التقني والإعلامي».

مع هذا، ترجّح الدكتورة عبد الغني «إمكانية التوصّل إلى حلول توافقية بين الطرفين: غوغل، والناشرين والحكومات؛ لأن استمرار الدعاوى القضائية وجلسات المحاكمة لوقت طويل أمر من شأنه الإضرار بطرَفي الصراع. ثم إن هذه الشركات، بسبب ضخامتها وتأثيرها، باتت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الرأسمالية وأحد أسباب ركائز قوته المحلية والإقليمية». وهنا نشير إلى أن شركة «إي ماركتر» قدّرت أخيراً حصة «غوغل» من السوق العالمية في مجال الإعلانات الرقمية بنحو 28 في المائة خلال عام 2024، متفوقة على «ميتا» التي حصلت على 23 في المائة من السوق، و«أمازون» التي تحصد 9 في المائة، بينما حصلت «تيك توك» على نحو 7 في المائة.

في سياق متصل، قال محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن «هيمنة (غوغل) على سوق الإعلانات ليست بالأمر الجديد، بل تعود إلى سنوات عدة مضت، صار فيها (غوغل)، محرك البحث الرئيسي، مستحوذاً على أكبر قدر من الإعلانات على الإنترنت، قبل أن يتكامل مع خدمات أخرى ظهرت لاحقاً مثل (يوتيوب)، والبريد الإلكتروني، والتعاون مع شركاء للأعمال، وأخيراً منتجي وصانعي المحتوى على منصاتها».

وأردف فتحي: «كل ما سبق، جعل (غوغل) خصماً صعباً ومنافساً قوياً في سوق الإعلانات الرقمية العالمية، الأمر الذي دفع نحو رفع دعاوى احتكار أمام المحاكم الأميركية والأوروبية، وبالأخص ما يتعلق بسوق البحث والإعلانات عبر الإنترنت». ثم تابع: «تتمتع (غوغل) بحصة سوقية ضخمة من الإعلانات تمنحها بصفتها شركةً، قوةً تفاوضيةً كبيرةً أمام المعلنين والمنافسين، وقدرةً على عقد صفقات حصرية مع شركات تصنيع الهواتف، وشركات الاتصالات؛ لجعل محرك بحثها هو المحرك الافتراضي على أجهزتهم، ما يحد من فرص المنافسين».

ولكن الصحافي المصري يرى أن «الدعاوى القضائية ضد (غوغل) قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في سوق البحث والإعلانات، ما قد يفتح الباب أمام المنافسين، وأبرزهم (فيسبوك) و(أمازون)»، مشيراً إلى «إمكانية فرض بعض القيود على «غوغل»، ما قد يقلص هيمنتها على السوق، وكذلك إمكانية تطوير قوانين مكافحة الاحتكار لتشمل الشركات التكنولوجية الكبرى... مع أن هذا أمر شديد التعقيد من النواحي التكنولوجية والاقتصادية والقانونية».

ووفق فتحي فإن «اهتمامات (غوغل) الخدمية لصالح المستخدمين، وكذلك نشاطها التجاري، كانت دائماً مثار جدل، فهي من ناحية تقدم خدمات قيِّمة للمستخدمين تسهم في تطوير الإنترنت، إلا أنه من ناحية أخرى تفرض هيمنتها على السوق بصورة تهدد التنافسية، وتخلق عملاقاً كبيراً لا يستطيع أحد التغلب عليه».