«الإخوان»... عباءة الحركات المتطرفة

الجماعة شكلت مصدراً للقوى الأصولية طوال 9 عقود

انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)
انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)
TT

«الإخوان»... عباءة الحركات المتطرفة

انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)
انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)

«يمضى الزمن، تتغير الوجوه، أو تتغير ملامحها التي تواجهنا بها، تتغير اللهجة، وقد تتغير الآنية، لكن الشراب المرير يبقى كما هو، ذات الشراب المرير»... بهذه الكلمات المعبرة يستهل الراحل الكبير الدكتور رفعت السعيد الفصل الأخير من كتابه العمدة «تاريخ جماعة الإخوان... المسيرة والمصير»، ويتساءل في نهاية المشهد: «هل تلد الثعابين إلا مثلها؟ كلمات المفكر المصري الذي خصص جزءاً غالباً من وقته ودراساته الأكاديمية والبحثية لحالة الإخوان المسلمين في مصر تقطع بأن تلك الجماعة كانت ولا تزال الحاضنة التي فرَّخَت المزيد من الثعابين الأصولية والإرهابية حول العالم، وأن بواعث الفتنة آتية دوماً من تحت العباءة الإخوانية؛ فمهما تعددت الأسماء والمسميات، ومهما تنوعت التوجهات؛ فهي تأتي من تحت العباءة التي ألقتها جماعة الإخوان.
الشاهد أنه لكي نفهم الجذور التاريخية والمرجعيات الفكرية لكل الجماعات الأصولية، ناهيك بالمجموعات الإرهابية في العالمين العربي والإسلامي، فإنه لا بد من عودة إلى الخلفية التاريخية العامة التي انبعثت منها حركة الإحياء الإسلامي في السبعينات، وهي حركة ذات امتداد لأفكار وممارسات تنظيمية سابقة.
يقودنا الباحث في شؤون الحركات المتطرفة الدكتور رفعت سيد أحمد إلى فهم أصول الظاهرة، التي تبدأ من التنظير والتأطير الذي وضع لبناته حسن البنا، غير أن سيد قطب وعبر كتابه الشهير «معالم في الطريق» تمكن من وضع الوثيقة الأساسية لآيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، بل آيديولوجية مجمل الحركات المتطرفة خلال فترة السبعينات وعنده كذلك أن أفكار «الإخوان» كانت المنبع الأساسي للخوارج المحدثين، إذ يقول: «سيد قطب في (معالم على الطريق) يرى أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة، وجيل قرآني، هو الحال لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت».
وهنا فإننا نلاحظ أن هذه العبارة ذاتها هي التي كان يصف بها خالد الإسلامبولي وزملاؤه أنور السادات، مستخدمين الألفاظ ذاتها تقريباً التي قالها سيد قطب، بما يعني أن تأثير ما قبل عام 1964 قد ترك صداه عام 1981 مروراً بحقبة السبعينات، وهو تأثير يفسِّر إلى حد بعيد بعضاً من أسباب حركة الإحياء في أكثر من دولة داخل العالم الإسلامي.
ولا يمكننا بحال من الأحوال القول إن ما أنتجته جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وفي العالم العربي، بل وفي دول آسيوية مسلمة، كان إحياء لصحيح الدين الإسلامي أو لروحه السمحة، بل إن ذلك الإحياء المزعوم كان يحمل معنيين بالغي الأهمية والخطورة:
الأول أن كل الحركات التي نادت بذلك التجديد هي في الأصل امتداد وتفرعات لأفكار جماعة الإخوان المصرية.
الثاني أن الذين نزعوا إلى العنف والإرهاب متمسحين في أهداب الثوب الإسلامي، كانوا يصرون على أنهم يسعون في طريق الإحياء الذي أسَّسَه البنا وجذّره سيد قطب.
ولعل الشبه بين ماضي البنا وحاضر جميع الجماعات الإرهابية المعاصرة مثير للتأمل، فمن جماعة التنظيمين السر الخاص لـ«الإخوان»، أي جهاز الاغتيالات الذي كان يقوم عليه عبد الرحمن السندي، مروراً بالتكفير والهجرة لشكري مصطفي، في سبعينات القرن الماضي، وصولاً إلى «قاعدة» أسامة بن لادن في التسعينات، و«داعش» أبو بكر البغدادي تجد بذور الإخوان الإرهابية في تكفير المسلم المخالف لرأيهم، أو حتى غير المنضم إلى جماعتهم، وغالبيتهم يكفِّرون الحاكم والمحكوم، وحتى لو كان المحكوم مكرهاً يُقتل، ثم يُبعث يوم القيامة على نيته.
استباح «الإخوان» ومن لفَّ لفَّهم دماء المسلمين، ولاحقاً أهل الذمة والمستأمنين، وفي الجزائر قتلوا نساء وأطفال مخالفيهم، وحتى بقروا بطون الحوامل لقتل الأجنة تماماً، كما فعل أسلافهم مع الصحابي الجليل عبد الله بن خباب وزوجته وجنينها. ومن تردي إخوان مصر عرف العالم وهدة سحيقة لجماعات إرهابية متطرفة تجاوزت كل حدود العقل.

عن {كتيبة الإمام البخاري» و{الإخوان}
أكثر من مبرَّر جعلنا نقلب في أوراق «الإخوان» الأيام الحالية، ليتبين لنا وبحق أنهم المعين والحاضنة الأكبر والأخطر لجميع صفوف الإرهابيين حول العالم، ولعل آخر تلك المناخس التي دفعتنا لكتابة هذه السطور ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية من وضع ما يُعرف باسم «كتيبة الإمام البخاري» الأوزبكية على لوائح الإرهاب، وقد نشرت لها بعض المواقع العنكبوتية مقاطع فيديو لمعسكرات لتدريب الأطفال وتعليمهم كيفية التعامل مع الأسلحة وإطلاقها، خلال وجودهم على الأراضي السورية.
مؤسس الجماعة هو صلاح الدين الأوزبكي الذي اغتيل العام الماضي، ويبدو أنه قد شرب من كأس الإخوان حتى الثمالة؛ إذ بدأ مسيرته ضمن صفوف «القاعدة» في أفغانستان، وتم إرساله إلى سوريا من قبل طالبان وسراج الدين حقاني (أحد كبار حركة «طالبان» المرتبط بتنظيم القاعدة)، ولاحقاً انتهى به المطاف داعشياً في سوريا.
لم تتوقف الأعمال الإرهابية للكتيبة بوفاة مؤسسها صلاح الدين، إذ خلفه مباشرة المدعو أبو يوسف المهاجر الأوزبكي، الذي يقود الآن «كتيبة الإمام البخاري» في سوريا، والذي بات يمثل تجسيداً لفكر الإخوان المسلمين على الأرض في تلك الجمهورية السوفياتية سابقاً.
في الأيام الأخيرة من شهر فبراير (شباط) الماضي كان أبو يوسف يُصدر بياناً تعريفياً بجماعته عنوانه «مَن نحن»؟ وقارئ البيان له أن يجزم بالمطلق أن الجماعة تقوم على مرتكزات الإخوان المسلمين أنفسهم، وفي المقدمة من أهداف «الكتيبة» إسقاط نظام الأسد وإقامة حكم إسلامي في سوريا.
أما الهدف الثاني أكثر شمولاً على الصعيد الإقليمي، فهو سعي «الكتيبة» إلى تحرير المسلمين في آسيا الوسطي برمَّتها، ما يعني تصدير المشروع الجهادي إليها مستقبلاً.

«الإخوان» وإرهاب الداخل
«الإرهاب يبدأ فكراً»، هذه حقيقة تؤكدها مجريات أحداث الماضي في الداخل المصري بنوع خاص، ولاحقاً يكون الاستدلال على التوجه نحو الإرهاب المتأسلم مجرد نتيجة حتمية لفكر متأسلم، ولمعرفة جذور عمليات الإرهاب الحديثة وتفكير الحكم والمحكوم، يمكننا أن نعاود قراءة ما كتبه محمد عبد السلام أحد الذين خططوا ونَظَّروا لقتل الرئيس المصري السادات عام 1981، عبر الكتيب الذي سماه «الفريضة الغائبة»، والذي لم يكن إلا خداعاً متواصلاً للذات وللآخرين، وقد سبقه من انخدعوا ولاحقاً انساق إليه آخرون كثر. على سبيل المثال لا الحصر يمكننا الإشارة إلى عبد الله عزام الفلسطيني من مواليد قرية سيلة الحارثية في جنين، الذي يُعدّ المؤسس الرئيسي لـ«القاعدة» في أفغانستان.
لم يكن عبد الله عزام إلا أحد القيادات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين، وقد بدأ انخراطه في صفوف الإخوان عام 1970، ثم عضواً متقدماً فقائداً في «كتائب المجاهدين»، وجاء غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان ليمثل بالنسبة إليه فرصة ذهبية لتأسيس مكتب مهمته استجلاب الشباب العربي لقتال السوفيات، ومن هنا وُلِد ما عُرِف لاحقاً بتنظيم القاعدة، مع ما جرَّته على العالم من وبال وإرهاب، تبدى في أسوأ وأبشع صورة نهار الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001 في نيويورك وواشنطن.
وبالعودة إلى ما قبل محمد عبد السلام نجد أنفسنا أمام ظاهرة أخرى بطلها شكري مصطفى صاحب رؤية التكفير والهجرة، وقاتِل الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق، ورؤيته تدور حول «المجتمع (الكافر) الذي لا بد من هجره، وأما من لا يستطيع الهجرة بعيداً عن أرض (الكفر)، وجب عليه أن يهاجر بنفسه عن المجتمع (الكافر)، فيترك مدرسته وعمله وأسرته ويهاجر إلى الجماعة ليقيم مع مجموعة من أعضائها، ولينشئوا مجتمعاً خاصاً بهم»، وقد عرفت جماعته بأياديها الملوثة بالدماء في سبعينات القرن الماضي، ولم يكن شكري مصطفى سوى نتاج لفكر سيد قطب فقد نهج نهجه ما جعل سلطات الأمن تلقى القبض عليه عام 1965 في محافظة أسيوط جنوب مصر، وهناك تشرب منابع التطرف من أفكار وكتابات سيد قطب.
ومن عبد الله عزام وقبله شكري مصطفى، لا يمكن لمن يرصد جذور الإرهاب الأعمى أن يغفل «الجماعة الإسلامية»... تلك التي روَّعت مصر والمصريين وقت اغتيال الرئيس السادات، وقد أذاق أعضاؤها أهالي محافظات جنوب مصر، لا سيما المنيا وأسيوط وسوهاج المرّ الكثير، ومؤسسها ورجلها المركزي هو عمر عبد الرحمن، الذي كان مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين وعضواً فاعلاً في صفوفها إلى أن تم إلقاء القبض عليه عام 1970، وأدواره في مصر وفي الولايات المتحدة الأميركية معروفة للقاصي والداني.
وينتهي بنا المطاف مؤقتاً مع جماعة تطلق على نفسها «أنصار بيت المقدس»، وتدعي أنها تتخذ من سيناء موقعاً وموضعاً لها، وفي واقع الحال ومن خلال تفكيك آلياتها وتوجهاتها ضد قوات الجيش والشرطة، فإنها تسعى إلى إشاعة الفوضى والفساد والإرهاب، وهدفها إرجاع حكم الإخوان المسلمين في مصر، ومن يقوم بتحليل خطابهم الدعائي، يجد أنه نسخة مكرورة من خطابات «الإخوان» المليئة بالسمِّ الناقع.

«الإخوان» وإيران... الخطر الداهم
يعتبر الغرب الأوروبي والأميركي اليوم إيران الداعم الأكبر للإرهاب حول العالم، ما يستدعي التساؤل: هل من خطوط وخيوط متداخلة بين أعمال «الإخوان» وفكرهم، وبين الإيرانيين ورؤاهم العقائدية وعدائهم التاريخي للمسلمين العرب السنة تحديداً؟
في بحثه عن «التيارات العابرة للوطنية... الإخوان المسلمين وإيران»، يقدم لنا الكاتب والمؤلف والباحث الأستاذ عباس المرشد خلاصةً قيِّمة جداً تفيد بأن هناك «أواصر خفيه لا تنقطع» بين الطرفين.
ويرجع الأستاذ عباس علاقة الإخوان المسلمين بإيران إلى خمسينات القرن الماضي، وتحديداً من خلال زيارة مؤسس «فدائيان إسلام» نواب صفوي لمصر في 1954، ولقائه بزعماء الإخوان المسلمين، ومن ثم دعوته للإيرانيين للانخراط في تنظيم الإخوان، إذ يُنسب لصفوي نفسه أنه قال في حفل خطابي بدمشق (1954) «من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين».
وكانت فكرة «فدائيان» تتفق مع فكرة التنظيم السري للإخوان المسلمين، حيث وجود تنظيم سري شبيه بالتنظيمات العسكرية، توكَل إليه مهمات الاغتيال وبعض المهمات الخطيرة.
وأثمرت العلاقة بين «الإخوان» و«فدائيان إسلام» نمطاً خفيّاً من الارتباط، تمثل في إقدام رموز الحركة الإسلامية الشيعية في إيران على ترجمة ونشر أدبيات الإخوان المسلمين باللغة الفارسية، حيث تُرجِم «الإسلام ومشكلات الحضارة» وكتاب «المستقبل لهذا الدين».
لم تنقطع الصلات الإخوانية الإيرانية وإن مضت بها المقادير والعلاقة الخفية بين الجانبين سرّاً، ولعل هذا ما دعا مرشد «الإخوان» مهدي عاكف عام 2008، لأن يدافع عن مشروع إيران النووي، رافضاً الحديث عن مد شيعي، ومؤيد نفوذها في المنطقة، وقد قال عاكف وقتها ما نصه: «البرنامج النووي من حق إيران، حتى لو كان الهدف منه إنتاج قنبلة نووية، فهذا حقهم، فأميركا عندها قنبلة نووية، وكذلك إسرائيل وباكستان والهند، فلماذا إيران؟! أليس من حقها؟! فهي دولة ذات سيادة، ومن حقها أن تفعل أي شيء».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.