{الإسلام الفرنسي} كأداة لمواجهة الإرهاب

دعوة لعودة حالة الطوارئ وتشديد الإجراءات

استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)
استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)
TT

{الإسلام الفرنسي} كأداة لمواجهة الإرهاب

استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)
استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)

في هذا السياق، أظهر استطلاع للرأي أجرته «فرنس إنفو» وجريدة «لوفيكغو»، بتاريخ 29 مارس (آذار) 2018 وشمل 1005 فرنسيين، يمثلون مختلف الانتماءات والميول السياسية والآيديولوجية؛ أن 61 في المائة من الفرنسيين مع تشديد الإجراءات المواجهة للإرهاب، حتى لو أدى المزيد من الإجراءات الجذرية، إلى الحد من حرياتهم الخاصة. كما عبر 88 في المائة عن رغبتهم في حظر «السلفية» بفرنسا؛ مما أثار نقاشاً حول إمكانية تحقيق مثل هذه الرغبة، حيث عبر رئيس الوزراء السابق إيمانويل فانس عن رغبته في تحقيق الحظر، فيما اعتبره 52 في المائة من المستجوبين أمراً غير قابل للتحقيق.
وفيما يخص التعامل مع اللوائح المتعلقة بالمبحوث عنهم في قضايا أمن الدولة. أظهر الاستطلاع تأييد 88 في المائة من المستجوبين، وضع المسجلين «خطر على الدولة» رهن الاعتقال الإداري. وقد دفعت هذه النسبة المثيرة للدهشة بكريستوف كاستانر، المندوب العام للحزب الحاكم، للقول إن وضع اللوائح بهذا الشكل المطروح، فكرة سيئة لأننا «نذهب إلى السجن عندما يتم الحكم علينا، وليس عندما نكون مشتبهين».
ويمكن القول، إن أسوء تدبير من أجل مكافحة الإرهاب، والذي نال تأييداً جارفاً، هو ذلك المتعلق بالاعتقال الإداري؛ حيث دعت 87 في المائة إلى وضع الأفراد «المشتبه بكونهم خطراً على الدولة»، في السجن الإداري؛ ومن الغريب فعلاً أن نجد أن نسبة 13 في المائة من الفرنسيين فقط، عارضوا هذه الفكرة الماسة بحقوق الإنسان. وسيراً على هذا النهج، طالب 83 في المائة من المستجوبين، بطرد الأجانب المبحوث عنهم في قضايا أمن الدولة، خارج فرنسا.
غير أن المفاجأة الكبرى، كما أطلق عليها الكثير من المختصين الفرنسيين في قضايا الإرهاب، تكمن في النسبة الكبيرة التي طالبت بعودة حالة الطوارئ؛ حيث أيدت نسبة 61 في المائة الإعلان من جديد عن حالة الطوارئ، رغم رفعها بسنّ قانون الإرهاب الذي وافق عليه البرلمان الفرنسي بتاريخ 03.10.2017، علماً بأن هذا القانون وسّع من الصلاحيات الأمنية للدولة فيما يخص التدبير والإجراءات الخاصة بمكافحة الإرهاب داخل فرنسا. ويأتي هذا النقاش العمومي، في الوقت الذي يقترح الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، طرحاً أكثر شمولية بخصوص هيكلة الإسلام الفرنسي. كما يتزامن هذا الجدل الديني والسياسي مع اعتماد مشروع قانون «دولة في خدمة مجتمع الثقة» من قِبل مجلس الشيوخ الفرنسي يوم الثلاثاء 20 مارس. وتنص المادة 38 منه على إزالة الجمعيات الدينية من قائمة جماعات الضغط وممثلي المصالح. مما اعتبر انتصاراً من مجلس الشيوخ، لفكرة التضييق على الجمعيات الدينية؛ كما عبّرت منظمة الشفافية الدولية في فرنسا عن قلقها من هذا القرار، واعتبرته «أول حملات القمع لقانون سابين 2» الخاص بالشفافية. وأن هذا التشريع الذي صوّت عليه 208 وعارضه 19 عضواً، يمثل تراجعاً للرئيس ماكرون عن التزاماته الانتخابية الخاصة بالشفافية.
ورغم ما يحمله مثل هذا النقاش من بعد آيديولوجي وثقافي، فإنه في العمق هو محاولة من المسلمين والعلمانيين اليمينيين لطرح مجموعة من الأفكار والهواجس، واستباق الخطة الوطنية لهيكلة الإسلام التي يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرحها بفرنسا، في النصف الأول من سنة 2018. وكان ماكرون، الذي كان يشغل وزيراً للاقتصاد، قد أكد في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 في تصريح له بتجمع بمدينة مونبلييه بجنوب فرنسا، أن بلاده ارتكبت بعض «الأخطاء باستهدافها المسلمين بشكل غير عادل»، وأن تطبيق العلمانية بالجمهورية يمكن أن يصبح أكثر مرونة.
كما عبّر عن موقف جد إيجابي تجاه الأديان، في وقت سياسي ارتفعت فيه أصوات كثيرة مناهضة للمسلمين إثر الهجمات العنيفة التي تعرضت لها مدينتا نيس وباريس سنة 2015 و2016؛ ورغم ذلك أكد ماكرون في النشاط السياسي نفسه بمونبيليه، أنه «لا يمثل أي دين مشكلة في فرنسا في الوقت الحالي. إذا كان ينبغي أن تكون الدولة محايدة... وهو ما يأتي في صلب العلمانية... فمن واجبنا ترك كل شخص يمارس دينه بكرامة».
وفي إطار رؤيته لفرنسا جديدة، يطرح الرئيس ماكرون تصوره الشامل بخصوص الإصلاح «الديني» وإعادة هيكلته. ويستند الرئيس الفرنسي الحالي، إلى تصورات فلسفية لأطروحة كل من الفيلسوف الكبير يورغن هابرماس الخاصة بما بعد العلمانية، وعودة الدين للفضاء العام. كما يستند إلى تصورات الأنثربولوجي التونسي يوسف صديق، إلى جانب الطرح التبسيطي الذي يقدمه زميل ماكرون ومستشاره الكاتب الفرنسي حكيم القروي؛ هذا الأخير ألّف آخر كتاب له بعنوان «الإسلام، ديانة فرنسية»، دعا فيه إلى دعم «تيار التمرد الثقافي»، الذي ظهر في وسط مسلمي فرنسا. كما دعا القروي إلى هيكلة الإسلام الفرنسي وانتخاب «إمام عظيم»، شبيه بالحاخام اليهودي العظيم لدى الطائفة اليهودية الفرنسية. وفي محاولته لإجمال هذا التصور، يقول الرئيس الفرنسي: «هدفي يتمثل في العمل على تأسيس قلب العلمانية، أي الحرية في أن يتبع المرء ديناً ما أو ألا يؤمن أصلاً إذا أراد؛ وذلك من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية وحرية المعتقد». ويبدو اليوم أن الرئيس الفرنسي يسارع الزمن لطرح مشروعه لهيكلة الإسلام أمام المؤسسات الدستورية والرأي العام. فقد سبق له أن أكد على حساسية هذا الموضوع، وأنه يسعى لاستقلالية الإسلام الفرنسي وتميزه عن غيره. وبناءً على ذلك، قال ماكرون، أنا «بصدد التقدم خطوة بخطوة في هذه المسألة، وسأتشاور مع الكثير من الخبراء، من مثل، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الإسلام والعالم العربي المعاصر، جيل كيبل، إلى جانب استشارة المعاهد المتخصصة، مثل معهد مونتين، فضلاً عن الاستعانة بممثلي جميع الأديان لتقديم وجهات نظرهم». ويضيف ماكرون في هذا الصدد: «سأواصل استشارة الكثيرين. فأنا التقي بمثقفين وجامعيين، وممثلين عن كل الديانات؛ لأني أعتقد أنه يجب أن نستلهم تاريخنا بقوة، تاريخ الكاثوليكية وتاريخ البروتستانتية».
وفيما يخص بعض التفاصيل المتداولة حول المشروع الجديد للرئيس الفرنسي، تتحدث بعض وسائل الإعلام عن خمسة محاور رئيسية، هي:
أولاً: إعادة تأسيس الهيئات التمثيلية للمسلمين، ووضع إطارات قانونية جديدة لذلك. الشيء الذي يعني أن القوانين الحالية والتنظيمات المتنوعة الحالية في المشهد الإسلامي الفرنسي، قد تتعرض للحظر، وبخاصة تلك التابعة للدول العربية أو التنظيمات الحركية الإسلامية.
ثانياً: يقترح مشروع ماكرون، تنظيم قضية تمويل دور العبادة ومراقبتها من طرف الدولة الفرنسية؛ غير أن هذا يطرح إشكالية وضع الدين الإسلامي تحت السيطرة المباشرة للدولة العلمانية الفرنسية.
ثالثاً: وضع آليات جديدة لمراقبة الحسابات والجهات الممولة للمساجد، سواء بُنيت المساجد من طرف الفرنسيين، أو تلك التي تشيّد بمساعدة مع الدول العربية والإسلامية.
رابعاً: تكوين فرنسا لأئمة مساجدها؛ وهذا يعني الاستغناء عن الأئمة الوافدين من الدول العربية والإسلامية، وكذا منع مزاولة الإمامة من دون تصريح وتكوين معترف به من الدولة الفرنسية.
خامساً: الوصول إلى مرحلة يستقل فيها الإسلام الفرنسي بشكل تام عن الإسلام في الدول الأخرى؛ ومن ثَم إبعاد الدين والمتدينين عن التأثيرات الأجنبية والصراعات السياسية المرتبطة بالخارج.
يأمل مشروع هيكلة «الإسلام الفرنسي»، الموضوع رهن الدراسة والبحث في الإليزيه، بالتعاون مع وزارة الداخلية والأديان، أن يخلق هيئات جديدة تمثيلية للمسلمين. وأن يحقق في النهاية، إنجازاً تاريخياً، ليس من الزاوية الدينية أو السياسية فقط؛ بل من جانب بناء رؤية معرفية، تكتشف كنه العلمانية بتعبير ماكرون. وفي الوقت نفسه تنجز منعطفاً تاريخياً للدولة الفرنسية المعاصرة، من خلال إنجاز تعاقد مع المسلمين بفرنسا يشبه ذلك التعاقد والحل المنجز مع الكنيسة الكاثوليكية؛ وبالتالي تحديد العلاقة بين الإسلام والجمهورية، والانتقال إلى تعاون وعلاقة هادئة بين الإسلام والدولة في مكافحة الأصولية، وإدخال الإسلام الفرنسي في دائرة الحداثة.

خلاصة
يبدو أن ما تطرحه المطالب الشعبية، من تشديد وتعزيز الإجراءات ضد الإرهاب؛ يمثل حلقة من حلقات النقاش السياسي المتنامي حالياً في الفضاء العام الفرنسي، حول الإسلام والدولة.
إلا أن الجدل الحالي، يُمكّننا من تسجيل ثلاث ملاحظات أساسية. أولها: أن النقاش حول الإسلام تعرض لنوع من التحرير، منذ كشف الرئيس ماكرون عن عزمه طرح مشروع متكامل يتعلق بالإسلام الفرنسي. غير أن هذه الخطوة لا تخلو من سباق سياسي آيديولوجي وانتخابي بين اليمين واليسار الفرنسيين، كما أظهرت نوعاً من الازدواجية في طرح العلمانية؛ بحيث يمكن الحديث عن العلمانية الصلبة، وبين العلمانية المتطورة التي يطرحها ماكرون، مستنداً إلى ما يطلق عليه «كنه وجوهر العلمانية».
أما الملاحظة الثانية: فتتعلق ببناء الثقة بين المؤسسات الإسلامية القائمة حالياً، ومؤسسات الرئاسة وما تطرحها من أفكار. وفي هذا الإطار، يظهر أن هناك عملاً جباراً ينتظر المؤسسات الرسمية الفرنسية، لجسر الهوة بينها وبين المنظمات المدنية الإسلامية. ومن المؤشرات الدالة على ذلك تصريح رئيس المجلس الإسلامي الفرنسي أحمد أوغراش، الذي حذر من نوايا ماكرون المتضمنة فيما طرحه من أفكار؛ فقد قال أوغراش للصحافة: «لا وصاية للدولة الفرنسية على الإسلام»، وأضاف: «إننا في دولة علمانية، ويمكن لماكرون بصفته رئيساً للجمهورية أن يتقدم بتوصيات فقط في هذا الشأن وتسهيل مهامنا، فإجراء إصلاحات في المجلس الإسلامي هي مهمتنا ومسؤوليتنا نحن فقط».
الملاحظة الثالثة: أن المطالبة بالإجراءات القاسية، مثل عودة حالة الطوارئ، ووضع المشتبه فيهم رهن الاعتقال الإداري، نالت دعماً كبيراً من المنتمين والمتعاطفين مع الأحزاب المشكلة للائتلاف الحاكم الحالي، والذي شكّله رئيس الدولة. الشيء الذي يقوي من سلطة وسياسة إيمانويل ماكرون، سواء تلك المتعلقة بسنّ وإحداث تدابير جديدة ضد الإرهاب؛ أو تلك المتعلقة بمشروع هيكلة الإسلام، والذي أعلن الرئيس أنه سيطرحه في النصف الأول من سنة 2018.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».