{الإسلام الفرنسي} كأداة لمواجهة الإرهاب

دعوة لعودة حالة الطوارئ وتشديد الإجراءات

استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)
استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)
TT

{الإسلام الفرنسي} كأداة لمواجهة الإرهاب

استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)
استنفار أمني في مدينة تريب الفرنسية عقب الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم {داعش} على متجر نهاية الشهر الماضي (رويترز)

في هذا السياق، أظهر استطلاع للرأي أجرته «فرنس إنفو» وجريدة «لوفيكغو»، بتاريخ 29 مارس (آذار) 2018 وشمل 1005 فرنسيين، يمثلون مختلف الانتماءات والميول السياسية والآيديولوجية؛ أن 61 في المائة من الفرنسيين مع تشديد الإجراءات المواجهة للإرهاب، حتى لو أدى المزيد من الإجراءات الجذرية، إلى الحد من حرياتهم الخاصة. كما عبر 88 في المائة عن رغبتهم في حظر «السلفية» بفرنسا؛ مما أثار نقاشاً حول إمكانية تحقيق مثل هذه الرغبة، حيث عبر رئيس الوزراء السابق إيمانويل فانس عن رغبته في تحقيق الحظر، فيما اعتبره 52 في المائة من المستجوبين أمراً غير قابل للتحقيق.
وفيما يخص التعامل مع اللوائح المتعلقة بالمبحوث عنهم في قضايا أمن الدولة. أظهر الاستطلاع تأييد 88 في المائة من المستجوبين، وضع المسجلين «خطر على الدولة» رهن الاعتقال الإداري. وقد دفعت هذه النسبة المثيرة للدهشة بكريستوف كاستانر، المندوب العام للحزب الحاكم، للقول إن وضع اللوائح بهذا الشكل المطروح، فكرة سيئة لأننا «نذهب إلى السجن عندما يتم الحكم علينا، وليس عندما نكون مشتبهين».
ويمكن القول، إن أسوء تدبير من أجل مكافحة الإرهاب، والذي نال تأييداً جارفاً، هو ذلك المتعلق بالاعتقال الإداري؛ حيث دعت 87 في المائة إلى وضع الأفراد «المشتبه بكونهم خطراً على الدولة»، في السجن الإداري؛ ومن الغريب فعلاً أن نجد أن نسبة 13 في المائة من الفرنسيين فقط، عارضوا هذه الفكرة الماسة بحقوق الإنسان. وسيراً على هذا النهج، طالب 83 في المائة من المستجوبين، بطرد الأجانب المبحوث عنهم في قضايا أمن الدولة، خارج فرنسا.
غير أن المفاجأة الكبرى، كما أطلق عليها الكثير من المختصين الفرنسيين في قضايا الإرهاب، تكمن في النسبة الكبيرة التي طالبت بعودة حالة الطوارئ؛ حيث أيدت نسبة 61 في المائة الإعلان من جديد عن حالة الطوارئ، رغم رفعها بسنّ قانون الإرهاب الذي وافق عليه البرلمان الفرنسي بتاريخ 03.10.2017، علماً بأن هذا القانون وسّع من الصلاحيات الأمنية للدولة فيما يخص التدبير والإجراءات الخاصة بمكافحة الإرهاب داخل فرنسا. ويأتي هذا النقاش العمومي، في الوقت الذي يقترح الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، طرحاً أكثر شمولية بخصوص هيكلة الإسلام الفرنسي. كما يتزامن هذا الجدل الديني والسياسي مع اعتماد مشروع قانون «دولة في خدمة مجتمع الثقة» من قِبل مجلس الشيوخ الفرنسي يوم الثلاثاء 20 مارس. وتنص المادة 38 منه على إزالة الجمعيات الدينية من قائمة جماعات الضغط وممثلي المصالح. مما اعتبر انتصاراً من مجلس الشيوخ، لفكرة التضييق على الجمعيات الدينية؛ كما عبّرت منظمة الشفافية الدولية في فرنسا عن قلقها من هذا القرار، واعتبرته «أول حملات القمع لقانون سابين 2» الخاص بالشفافية. وأن هذا التشريع الذي صوّت عليه 208 وعارضه 19 عضواً، يمثل تراجعاً للرئيس ماكرون عن التزاماته الانتخابية الخاصة بالشفافية.
ورغم ما يحمله مثل هذا النقاش من بعد آيديولوجي وثقافي، فإنه في العمق هو محاولة من المسلمين والعلمانيين اليمينيين لطرح مجموعة من الأفكار والهواجس، واستباق الخطة الوطنية لهيكلة الإسلام التي يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرحها بفرنسا، في النصف الأول من سنة 2018. وكان ماكرون، الذي كان يشغل وزيراً للاقتصاد، قد أكد في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 في تصريح له بتجمع بمدينة مونبلييه بجنوب فرنسا، أن بلاده ارتكبت بعض «الأخطاء باستهدافها المسلمين بشكل غير عادل»، وأن تطبيق العلمانية بالجمهورية يمكن أن يصبح أكثر مرونة.
كما عبّر عن موقف جد إيجابي تجاه الأديان، في وقت سياسي ارتفعت فيه أصوات كثيرة مناهضة للمسلمين إثر الهجمات العنيفة التي تعرضت لها مدينتا نيس وباريس سنة 2015 و2016؛ ورغم ذلك أكد ماكرون في النشاط السياسي نفسه بمونبيليه، أنه «لا يمثل أي دين مشكلة في فرنسا في الوقت الحالي. إذا كان ينبغي أن تكون الدولة محايدة... وهو ما يأتي في صلب العلمانية... فمن واجبنا ترك كل شخص يمارس دينه بكرامة».
وفي إطار رؤيته لفرنسا جديدة، يطرح الرئيس ماكرون تصوره الشامل بخصوص الإصلاح «الديني» وإعادة هيكلته. ويستند الرئيس الفرنسي الحالي، إلى تصورات فلسفية لأطروحة كل من الفيلسوف الكبير يورغن هابرماس الخاصة بما بعد العلمانية، وعودة الدين للفضاء العام. كما يستند إلى تصورات الأنثربولوجي التونسي يوسف صديق، إلى جانب الطرح التبسيطي الذي يقدمه زميل ماكرون ومستشاره الكاتب الفرنسي حكيم القروي؛ هذا الأخير ألّف آخر كتاب له بعنوان «الإسلام، ديانة فرنسية»، دعا فيه إلى دعم «تيار التمرد الثقافي»، الذي ظهر في وسط مسلمي فرنسا. كما دعا القروي إلى هيكلة الإسلام الفرنسي وانتخاب «إمام عظيم»، شبيه بالحاخام اليهودي العظيم لدى الطائفة اليهودية الفرنسية. وفي محاولته لإجمال هذا التصور، يقول الرئيس الفرنسي: «هدفي يتمثل في العمل على تأسيس قلب العلمانية، أي الحرية في أن يتبع المرء ديناً ما أو ألا يؤمن أصلاً إذا أراد؛ وذلك من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية وحرية المعتقد». ويبدو اليوم أن الرئيس الفرنسي يسارع الزمن لطرح مشروعه لهيكلة الإسلام أمام المؤسسات الدستورية والرأي العام. فقد سبق له أن أكد على حساسية هذا الموضوع، وأنه يسعى لاستقلالية الإسلام الفرنسي وتميزه عن غيره. وبناءً على ذلك، قال ماكرون، أنا «بصدد التقدم خطوة بخطوة في هذه المسألة، وسأتشاور مع الكثير من الخبراء، من مثل، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الإسلام والعالم العربي المعاصر، جيل كيبل، إلى جانب استشارة المعاهد المتخصصة، مثل معهد مونتين، فضلاً عن الاستعانة بممثلي جميع الأديان لتقديم وجهات نظرهم». ويضيف ماكرون في هذا الصدد: «سأواصل استشارة الكثيرين. فأنا التقي بمثقفين وجامعيين، وممثلين عن كل الديانات؛ لأني أعتقد أنه يجب أن نستلهم تاريخنا بقوة، تاريخ الكاثوليكية وتاريخ البروتستانتية».
وفيما يخص بعض التفاصيل المتداولة حول المشروع الجديد للرئيس الفرنسي، تتحدث بعض وسائل الإعلام عن خمسة محاور رئيسية، هي:
أولاً: إعادة تأسيس الهيئات التمثيلية للمسلمين، ووضع إطارات قانونية جديدة لذلك. الشيء الذي يعني أن القوانين الحالية والتنظيمات المتنوعة الحالية في المشهد الإسلامي الفرنسي، قد تتعرض للحظر، وبخاصة تلك التابعة للدول العربية أو التنظيمات الحركية الإسلامية.
ثانياً: يقترح مشروع ماكرون، تنظيم قضية تمويل دور العبادة ومراقبتها من طرف الدولة الفرنسية؛ غير أن هذا يطرح إشكالية وضع الدين الإسلامي تحت السيطرة المباشرة للدولة العلمانية الفرنسية.
ثالثاً: وضع آليات جديدة لمراقبة الحسابات والجهات الممولة للمساجد، سواء بُنيت المساجد من طرف الفرنسيين، أو تلك التي تشيّد بمساعدة مع الدول العربية والإسلامية.
رابعاً: تكوين فرنسا لأئمة مساجدها؛ وهذا يعني الاستغناء عن الأئمة الوافدين من الدول العربية والإسلامية، وكذا منع مزاولة الإمامة من دون تصريح وتكوين معترف به من الدولة الفرنسية.
خامساً: الوصول إلى مرحلة يستقل فيها الإسلام الفرنسي بشكل تام عن الإسلام في الدول الأخرى؛ ومن ثَم إبعاد الدين والمتدينين عن التأثيرات الأجنبية والصراعات السياسية المرتبطة بالخارج.
يأمل مشروع هيكلة «الإسلام الفرنسي»، الموضوع رهن الدراسة والبحث في الإليزيه، بالتعاون مع وزارة الداخلية والأديان، أن يخلق هيئات جديدة تمثيلية للمسلمين. وأن يحقق في النهاية، إنجازاً تاريخياً، ليس من الزاوية الدينية أو السياسية فقط؛ بل من جانب بناء رؤية معرفية، تكتشف كنه العلمانية بتعبير ماكرون. وفي الوقت نفسه تنجز منعطفاً تاريخياً للدولة الفرنسية المعاصرة، من خلال إنجاز تعاقد مع المسلمين بفرنسا يشبه ذلك التعاقد والحل المنجز مع الكنيسة الكاثوليكية؛ وبالتالي تحديد العلاقة بين الإسلام والجمهورية، والانتقال إلى تعاون وعلاقة هادئة بين الإسلام والدولة في مكافحة الأصولية، وإدخال الإسلام الفرنسي في دائرة الحداثة.

خلاصة
يبدو أن ما تطرحه المطالب الشعبية، من تشديد وتعزيز الإجراءات ضد الإرهاب؛ يمثل حلقة من حلقات النقاش السياسي المتنامي حالياً في الفضاء العام الفرنسي، حول الإسلام والدولة.
إلا أن الجدل الحالي، يُمكّننا من تسجيل ثلاث ملاحظات أساسية. أولها: أن النقاش حول الإسلام تعرض لنوع من التحرير، منذ كشف الرئيس ماكرون عن عزمه طرح مشروع متكامل يتعلق بالإسلام الفرنسي. غير أن هذه الخطوة لا تخلو من سباق سياسي آيديولوجي وانتخابي بين اليمين واليسار الفرنسيين، كما أظهرت نوعاً من الازدواجية في طرح العلمانية؛ بحيث يمكن الحديث عن العلمانية الصلبة، وبين العلمانية المتطورة التي يطرحها ماكرون، مستنداً إلى ما يطلق عليه «كنه وجوهر العلمانية».
أما الملاحظة الثانية: فتتعلق ببناء الثقة بين المؤسسات الإسلامية القائمة حالياً، ومؤسسات الرئاسة وما تطرحها من أفكار. وفي هذا الإطار، يظهر أن هناك عملاً جباراً ينتظر المؤسسات الرسمية الفرنسية، لجسر الهوة بينها وبين المنظمات المدنية الإسلامية. ومن المؤشرات الدالة على ذلك تصريح رئيس المجلس الإسلامي الفرنسي أحمد أوغراش، الذي حذر من نوايا ماكرون المتضمنة فيما طرحه من أفكار؛ فقد قال أوغراش للصحافة: «لا وصاية للدولة الفرنسية على الإسلام»، وأضاف: «إننا في دولة علمانية، ويمكن لماكرون بصفته رئيساً للجمهورية أن يتقدم بتوصيات فقط في هذا الشأن وتسهيل مهامنا، فإجراء إصلاحات في المجلس الإسلامي هي مهمتنا ومسؤوليتنا نحن فقط».
الملاحظة الثالثة: أن المطالبة بالإجراءات القاسية، مثل عودة حالة الطوارئ، ووضع المشتبه فيهم رهن الاعتقال الإداري، نالت دعماً كبيراً من المنتمين والمتعاطفين مع الأحزاب المشكلة للائتلاف الحاكم الحالي، والذي شكّله رئيس الدولة. الشيء الذي يقوي من سلطة وسياسة إيمانويل ماكرون، سواء تلك المتعلقة بسنّ وإحداث تدابير جديدة ضد الإرهاب؛ أو تلك المتعلقة بمشروع هيكلة الإسلام، والذي أعلن الرئيس أنه سيطرحه في النصف الأول من سنة 2018.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.