هزيمة «داعش» مقدمة لولادة تنظيمات متطرفة

خلال مؤتمر بمراكش لاستشراف المرحلة المقبلة

جانب من اجتماعات مؤتمر «ما بعد (داعش): التحديات المستقبليةفي مواجهة التطرف والتطرف العنيف» بمراكش («الشرق الأوسط»)
جانب من اجتماعات مؤتمر «ما بعد (داعش): التحديات المستقبليةفي مواجهة التطرف والتطرف العنيف» بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

هزيمة «داعش» مقدمة لولادة تنظيمات متطرفة

جانب من اجتماعات مؤتمر «ما بعد (داعش): التحديات المستقبليةفي مواجهة التطرف والتطرف العنيف» بمراكش («الشرق الأوسط»)
جانب من اجتماعات مؤتمر «ما بعد (داعش): التحديات المستقبليةفي مواجهة التطرف والتطرف العنيف» بمراكش («الشرق الأوسط»)

أكدت أعمال مؤتمر «ما بعد داعش: التحديات المستقبلية في مواجهة التطرف والتطرف العنيف»، بمراكش، الذي تواصل على مدى يومين، بمشاركة خبراء وباحثين مختصين من العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة، أهمية التفكير الجماعي والنوعي والاشتغال البحثي على قراءة الظاهرة «الجهادية»، وذلك من خلال استشراف حالتها في مرحلة ما بعد الاندحار الميداني لتنظيم «داعش»، الذي لم يرافقه لحدّ الساعة اندحار آيديولوجي في أذهان أتباعه، ناهيك من خطورة تفرّعاته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
واستحضر المتدخلون، في أشغال جلسات هذا المؤتمر الذي نظمته مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بتعاون مع معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا، واختتم أمس، جملة أسئلة على علاقة بمستقبل الظاهرة «الجهادية» في مرحلة ما بعض القضاء الميداني على تنظيم «داعش» أو نهاية ما تُسمَّى بـ«الدولة الإسلامية»، وإن كانت فكرة «الدولة» التي أقامها التنظيم في هذه المرحلة غاية بحد ذاتها، أم مجرد حلقة مرحلية ضمن استراتيجية أوسع لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار العالمي للتنظيم وآيديولوجيته، دون نسيان مصير «الدواعش» في مرحلة ما بعد تنظيم «داعش»، وإن كانت هناك سياسات ناجحة أو مثالية في سياق التعامل مع من يصطلح عليهم «المقاتلون الأجانب العائدون إلى بلدانهم». وأكدت مداخلات المشاركين، في هذا المؤتمر، الذي تمحورت جلساته الست حول «المحدّدات المؤثرة في اعتناق الآيديولوجيا (الجهادية)»، و«ما بعد (داعش): الإرهاب في أفريقيا وأثره على الأمن العالمي»، و«التنظيمات الإرهابية في مرحلة ما بعد (داعش): استراتيجيات الانتشار ومآلات التحولات»، و«ما بعد (داعش): التهديدات الإرهابية لأوروبا والعالم العربي»، و«السجون بين انتشار الآيديولوجيا (الجهادية) ومراجعات الجماعات التكفيرية»، و«مستقبل ظاهرة (التطرف) في مرحلة ما بعد (داعش)»، أن امتدادات تنظيم «داعش»، بشكل خاص، وظاهرة التطرف، بشكل عام، لها بعد كوني، وأن الأمر يتعلق بتحول في الزمن والمكان، يؤكد قدرة التنظيمات المتطرفة على التأقلم مع مختلف المستجدات على الأرض، وأن هزيمة هذا التنظيم أو ذلك، في هذه المنطقة أو تلك، لا تعني نهايته بقدر ما تمثل ولاة جديدة في أماكن أخرى، كما هو حال «داعش»، الذي تم الاتفاق على أن دحره في العراق وسوريا لا يعني الانتصار عليه، بل يفتح الباب أمام «ولادة جديدة له بمناطق أخرى من العالم، وخصوصاً بليبيا ومنطقة الساحل والصحراء الكبرى وغرب أفريقيا والقرن الأفريقي وحتى وسط آسيا فوق التراب الأفغاني من خلال إنشاء قواعد خلفية جديدة ستكون مركزاً لتوجيه ضربات في مختلف بقاع العالم خاصة بأوروبا والولايات المتحدة اعتماد على الأساليب الإرهابية المستجدة المعروفة بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال جون جوك كولدجي، وهو خبير أمني دولي من ساحل العاج، إن «هزيمة داعش» مقدمة لولادة تنظيمات جهادية في مناطق أخرى بالمنطقة الأفريقية، خصوصاً أفريقيا الغربية، فيما توقع رهان غونزاتنا، من مركز الأبحاث في العنف السياسي والإرهاب من سنغافورة «أشكالاً جديدة من الانتقام الداعشي على المستوى القريب والبعيد، خصوصاً في الفترة الممتدة بين خمس وعشر سنوات المقبلة».
من جهته، قال ديفيد جارتينشتين روس، من المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بواشنطن: «إننا نسقط في وهم تحقيق انتصارات ضد المنظمات الإرهابية، من قبيل سقوط تنظيم (داعش)، واعتبار أن مشروع (الخلافة) فشل، وهذا أمر مغلوط، لأننا اعتقدنا بنهاية (القاعدة) فجاء (داعش)».
ورأى جان شارل بريزار، من مركز تحليل الإرهاب بباريس، أن «هزيمة تنظيم (داعش) لا تعني أنه لا يشكل تهديداً للدول الأوروبية، وأن غياب أو تراجع خطاب (دولة الخلافة) لا يعني أن هذا الفكر غائب أو في تراجع»، مع إشارته إلى أننا في «مرحلة انتقالية، مع إعادة الانتشار»، وأننا «قد نرى إعادة سيناريو تنظيم القاعدة، التي بدأت بقوة وتراجع لاحقاً، خصوصاً أن تنظيم (داعش) تعرض لهزائم».
وفي وقت تحدث فيه برزار عن وجود «خلافة افتراضية توجد في مواقع التواصل الاجتماعي، تمرر نصائح وتعليمات للأتباع أو المتعاطفين مع تنظيم (داعش)، توقع الباحث المغربي محمد المعزوز، من جامعة محمد الخامس بالرباط، أن «تأتي النسخة الجديدة من (داعش)، في صيغة مقولات فكرية وثقافية وسلوكية»، مشدداً على أن «أتباع تنظيم (داعش) يشتغلون انطلاقاً من منهج تعليمي ديني لم يتعرض للاشتغال البحثي حتى الآن، مع أنه من أهم مفاتيح قراءة الظاهرة».
وبقدر ما حضر النقاش حول «علاقة» التكنولوجيا بالإرهاب، من خلال أسئلة إمكانية الحيلولة دون تحوّل الإنترنت إلى فضاء لنشر التطرف والتطرف العنيف، وكيفية التقليل من خطورة استغلال الوسائل الرقمية ووسائط التواصل الجماهيري من طرف التنظيمات الإرهابية، وذلك بالنظر إلى طبيعة التنظيم وإدارة عملياته، ووجود جيل من المتطرفين متأثر بأفكار التنظيم وأدبياته، وفي ظل سهولة انتشار ونقل آيديولوجيته ورسائله من خلال الفضاء الافتراضي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأداء العالي والاحترافي الذي أبداه التنظيم في تعامله مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقدراته على التحشيد والتجنيد، استحضر المشاركون الظروف التي تمر منها المنطقة العربية، على الأقل، منذ ثورات «الربيع العربي»، في علاقة بالتنظيمات الإرهابية، حيث أقر جارتينشتين روس أننا «ما زلنا نواجه إكراهات ثورات «الربيع العربي»، وأن «تنظيم (داعش) جزء من هذه الإكراهات».
وعلى صعيد دور وسائل التواصل الاجتماعي، في نشر الفكر المتطرف وتغذيته، تحدث جاك كوندجي، عن دور الإنترنت، فقال إنه «يُسهِم في الاستقطاب وتقريب المسافة»، وأن التكنولوجيا والمعلومات صار لها «دور واضح في العمليات المتطرفة». وهو معطى شدد عليه جارتينشتين روس، الذي تحدث عن «تسارع لدور التكنولوجيا في خدمة الجماعات الإرهابية، خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي التي أكدت كفاءتها في الاستقطاب مع تنظيم «داعش».
وبخصوص الكيفية التي يمكن بها الاستفادة من تاريخ انتشار الفكر السياسي المتطرف في علاقته بتجارب السجون، ومراجعة الجماعات المتطرفة، شدد رهان غونراتنا على أنه «لا مفر من الرهان على إعادة التأطير والإدماج، لأن الآيديولوجيات الإرهابية تنتشر بشكل كبير في السجون»، مشيراً، في هذا الصدد، إلى «عدة طرق لإعادة إدماج المعتقلين الإسلاميين، منها خلق فرص شغل، وأيضاً الإدماج على المستوى النفسي»، كما دعا إلى «تأسيس هيئات متخصصة في إعادة إدماج السجناء، خارج السجون وليس في الداخل، مع الرهان على الأئمة والأسرة والتعليم والقطاع الخاص».



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.