فرنسيس مكدورمند: أطلب من الجمهور أن يؤازر النجاح الذي تشهده سينما المرأة

تتحدث عن الأوسكار والغضب ومراحل حياتها

كما بدت في «فارغو»
كما بدت في «فارغو»
TT

فرنسيس مكدورمند: أطلب من الجمهور أن يؤازر النجاح الذي تشهده سينما المرأة

كما بدت في «فارغو»
كما بدت في «فارغو»

أن تموت فرنسيس مكدورمند أو لا تموت... هذه هي المشكلة.
على الأقل في غضون فيلم Blood Simple عندما استأجر زوجها (دان هدايا) تحرياً خاصاً (م. إيميت وولش) ليقتلها قبل أن تقلب الزوجة الطاولة ويصبح زوجها هو المهدد بالقتل.
«Blood Simple» (1984) كان الفيلم الأول لفرنسيس مكدورمند التي ملأت قبل أيام ليست بالبعيدة عواميد الصحف والمجلات وشغلت صفحات المواقع بسبب فوزها بالأوسكار عن فيلمها الأخير «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري».
دخلت فرنسيس ذلك الفيلم مجهولة وخرجت منه نجمة. لكن ذلك لم يكن الشيء الوحيد الذي خرجت به مكدورمند من الفيلم، بل خرجت كذلك بزوج وقف - مع شقيقه وراء الكاميرا مخرجاً هو جووَل كووَن.
كانت في السابعة والعشرين من عمرها عندما مثلت ذلك الفيلم، فهي وُلدت في الثالث والعشرين من شهر يونيو (حزيران) سنة 1957 من عائلة كندية بالتبني. والدها كان مبشراً دينياً في بعض كنائس الولايات الشرقية والوسطى من أميركا وانتقلت معه كثيراً قبل أن تستقر العائلة في بنسلفانيا حيث دخلت مدرستها العليا.

حب التمثيل بدأ مبكراً عندما لعبت، وهي ما زالت دون العشرين سنة دور ليدي ماكبث في مسرحية في المعهد وبعد تخرجها دخلت معهد يال الشهير للدراما.
بعد يال وصلت إلى نيويورك وشاركت مع الممثلة هولي هنتر العيش في شقة واحدة ولعبت على خشبة المسرح خارج برودواي قبل أن تجد نفسها مطلوبة لتمثيل ذلك الفيلم البوليسي الداكن.
بعد «دم بسيط» وضعها المخرج سام ريمي في دور مساند في «موجة جريمة» ثم انتظرت عامين ودخلت تصوير «تربية أريزونا» لزوجها وشقيقه ناتان كووَن وشاركتها هولي هنتر الأدوار الأولى لجانب نيكولاس كايج.
في العام التالي وجدناها في فيلم الآن باركر «مسيسيبي بيرننغ» لتكر السبحة بعد ذلك: «داركمان» لسام ريمي (1990)، «أجندة مخفية» لكن لوتش (1990)، «اختصارات» لروبرت ألتمن (1993)، «نجمة منفردة» لجون سايلس (1996). هذا وسواه تقاطع دوماً مع أدوارها في أفلام الشقيقين جووَل وناتان كووَن: «جسر ميلر» (1990) «بارتون فينك» (1991) و«فارغو» (1996) أحد أهم أفلامها في ذلك الحين.
أفلامها لم تتوقف عند نهاية التسعينات بل استمرت من دون انقطاع يذكر مع زوجها ومن دونه. وبذلك بنت صرحاً من نحو 48 فيلما بما فيها الفيلم الذي مكّنها من الحصول على جائزة الأوسكار للمرة الثانية عن «ثلاثة إعلانات...» (الأول كان عن دورها في فيلم «فارغو» بعد عام من إنجاز الفيلم).
عندما تسلمت الأوسكار استغلت وقوفها على المنصّة لكي تدعو هوليوود إلى قبول الإناث من الممثلات لا كمواهب أداء فقط، بل كشركاء عمل وصاحبات قرار. هذا ترك انطباعاً جيداً. لكن هل سيدوم؟
الشرق الأوسط التقت فرانسيس مكدورمند ودار معها الحوار التالي:
> بقدر ما كان فوزك بالأوسكار حدثاً بالنسبة إليك وللفيلم بأسره بقدر ما تركت كلمتك تأثيراً كبيراً. هل تتوقعين تغييراً كبيراً في هوليوود بناءا على دعوتك أو بسبب ما حدث منذ فضيحة هارفي وينستين؟
- التغيير بدأ بالفعل. هناك حذر من الخوض في الطمي وتفضيل استخدام الطرق الآمنة هذه الأيام. لم أقصد من كلمتي القول بأن وضع الممثلات سيء، بل قصدت أن هذا الوضع يمكن له أن يكون أفضل. هوليوود مدينة رجالية المنشأ إلى حد، لكن المرأة كمنتجة وكمخرجة وككاتبة وممثلة كان لها دور كبير في هذه النشأة ولا تزال لكن الحقوق عليها أن تتساوى ولا تترك لقرارات فردية. كذلك يجب أن تتسع دائرة التعاون الخلاق مع النساء. على هوليوود أن تستمع أكثر.
> أفلام المرأة في العام الماضي ومطلع هذا العام كانت حاضرة بقوّة. رأيناها قوية في فيلمك، وكذلك في أفلام السوبر هيرو. ما تعليقك على هذا النجاح؟
- إنه نجاح كبير. الجمهور يقبل على هذه الأفلام. أقبل على «ثلاثة إعلانات» وأقبل على «ليدي بيرد» وعلى «ووندر وومان». لكن ما على هوليوود والجمهور القيام به هو السعي لمزيد من هذه الأفلام. بل أطلب من الجمهور مؤازرة هذه الأفلام النسائية.
> طالما أن الجمهور راغب بها. أقصد أنه في اللحظة التي يتوقف الجمهور عنها ستتوقف هوليوود عن إنتاجها. أليس كذلك؟
- هذا ما يحدث عادة لذلك أهيب بالجمهور أن يؤازر النجاح الحالي وألا يجعله ظرفياً. عليه أن يطلب حضور المرأة على نحو أقوى. هذا يتم بسيناريوهات جيدة لا بنسخ متكررة وشخصيات نمطية‪.‬
> هل تجدين أن هذا الحضور النسائي على الشاشة هو رد غير مباشر على تلك الفضائح التي وقعت مؤخراً؟
- ليست موقوتة بالطبع لكي تواكب تلك الفضائح أو تأتي كاحتجاج عليها أو كنتيجة معاكسة لها. وشخصياً لا أكترث لكي أصرف الوقت على الحديث في شأن هذه الفضائح. ما علينا القيام به هو طرح الأسئلة الأكبر حول سياسة التفرقة الجنسية وكيف يمكن أن نتجاوزها. هناك بطولات على الشاشة وهذا جيد، لكن هوليوود مدعوّة لتقديم المزيد.

إضافة على السيناريو
> «ثلاثة إعلانات» قدّم شخصية امرأة قوية العزيمة مستعدة للذهاب إلى أقصى درجات ممكنة في مسعاها لمعرفة ما حدث لابنتها. البعض قارن شخصيتك هذه بشخصية جون واين في أفلامه. هل تعجبك هذه المقارنة؟
- نعم. أحببت توظيفه كفكرة. دائماً ما أحببت تمثيله. هل تعلم، كانت قدماه صغيرتان على الرغم من طوله وهذا ما جعله يسير كمن يبحث عن توازنه. هذا ما قرأته في أحد الكتب عنه.
> هل تهوين قراءة كتب السير الشخصية؟
- لا. لكن ذلك الكتاب، الذي لا أذكر اسم مؤلفه، كان استثناءً. قرأته بشغف من الغلاف إلى الغلاف. تعرف أن اسمه كان ماريون موريسون وغيّره إلى جون واين. اسم أفضل تأثيراً. كان يعرف ما يريد ويعرف أن الجمهور يريده جون واين وليس ماريون موريسون.
> في «ثلاث لوحات» اشتغلت على صورة المرأة الواثقة من نفسها. هل كان ذلك موجوداً في السيناريو أم أنك تدخلت لتطويره؟
- إذا نظرت إلى قائمة أفلامي ستجدني لعبت الكثير من شخصيات المرأة الضحية. هذه المرّة أعتقد أنني منحت الدور شيئاً أكثر مما كان عليه في البداية لكن ليس للمرّة الأولى. أعتقد أنني دوما ما جلبت إلى الشخصية ذلك القدر الإضافي. ما أثارني على الورق هو أن هذه المرأة يمكن النظر إليها كضحية من أكثر من وجه إلى أن قررت أن تأخذ الأمور والقرارات بنفسها. بذلك توقفت عن أن تكون ضحية وأصبحت عنصراً في تغيير مسار حياتها.
> هل بنيت شخصية ميلدرد تبعاً لشخصية حقيقية تعرفينها؟
- لا. لكني أعتقد أن هناك أجزاءً من هذه الشخصية في كل النساء أو في كثير منهن على أي حال.
> هناك أيضاً من قارن بين دورك في هذا الفيلم ودورك في «فارغو» على صعيد قوّة الشخصية في كلا الفيلمين.
- علي أن أقول إنني لا أوافق. شخصيتي في «فارغو» كانت ملازمة للمرحلة الاجتماعية التي كانت تعيشها المرأة حين ذاك وهي مرحلة مختلفة عن تلك التي نعيشها اليوم. تستطيع أن تقول إن كلتا المرأتين كانتا عنيدتين في سبيل تحقيق غاية البحث عن الحقيقة. مارج في «فارغو» كانت تريد أن تكشف حقيقة خطة وضعها رجل للتخلص من زوجته والحصول على فدية من أبيها لذلك قام بتدبير حادثة الاختفاء. ميلدر في فيلمي الأخير هي امرأة غاضبة إلى حد مواز للتراجيديا الإغريقية. الأولى ليست غاضبة بل عنيدة وتقوم بواجبها كامرأة بوليس وهي حبلى. هنا هي ليست غاضبة بل في حالة هيجان.
> مارج كانت شرطية طيبة، لكن ميلدرد لم تكن امرأة طيبة.
- إلى حد نعم. لكن ميلدرد خسرت ابنتها وهي معذورة. لو حدث ذلك معك هنا (أميركا) لا تدع هذا الوضع من دون أن تسعى بكل طاقتك لتعرف ما الذي حدث ومن هم الجناة ولماذا لم يستطع البوليس معرفتهم. ربما في ظروف أخرى كانت ميلدرد ستبدو امرأة طيبة. لكني أود أن أؤكد على أنها لم تكن مجرد امرأة غاضبة. لا. لم تكن غاضبة مطلقاً بل مهتاجة.

ستون سنة
> هل حدث أنك شعرت بغضب جامح كما في «ثلاث لوحات»؟
- أغضب لكني لا أنفعل. كل غضب له طريقة معالجة. إنه رد فعل طبيعي لكن على المرء أن يعالجه بحكمة. الغضب قد يكون أفضل حافز للتغيير.
> هل أخبرك المخرج مارتن ماكنوف أنه شاهد أفلامك السابقة؟
- أعتقد أنه لم يشاهد كل أفلامي السابقة فقط بل مسرحياتي أيضاً. شعرت وأنا أتحدث إليه أنه يعرفني. طبعاً قال لي أنه شاهدني على الشاشة كثيراً، لكن حديثه معي جعلني أشعر بأنه شاهدني أكثر مما أوحى.
> هل شعرت في مراحل حياتك المختلفة بحالة من عدم الإنصاف؟
- عمري 60 سنة الآن ولا بد أنه حدث معي حالات كثيرة من هذا النوع. أكثر من ذلك، مهنتي كلها بُنيت على وضع من اللا إنصاف. منذ أن كنت ممثلة شابة وهناك من قال لي لا تستطيعين فعل هذا الأمر أو تمثيل هذا الدور. وهناك من قال إنني لست ممثلة طبيعية. لكن هذا حفزني لأثبت أخطاءهم وسوء تقديرهم لما أستطيع القيام به. أعتقد أن دوري في «ثلاث لوحات» هو ذروة الرد على أولئك المشككين. لم يكن من الإنصاف أن يُقال لي ذلك. كان يمكن أن يدمرني أو يدمر أي ممثلة أو ممثل مبتدئ.
> هل يغير الأوسكار وضع الممثل ومهنته بالفعل؟
- يعتمد الأمر على حالات مختلفة. بالنسبة لي سعيدة بما حصلت عليه من تقدير. غولدن غلوبس وأوسكار وجوائز جمعيات نقاد كثيرة، لكن لا أرى كيف يمكن لهذه الجوائز أن تتدخل مباشرة في توجيه مهنتي. لقد أفادت ممثلين آخرين من الجنسين، لكنها لم تتدخل في تطوّر مهنة ممثلين آخرين.
> هل تعتبرين بلوغك الستين بمثابة حجر أساس لمرحلة جديدة؟
- إنها مناسبة ربما للنظر إلى الماضي ومعاينة موقعي الآن، لكني بصراحة لا أتكل كثيراً على النتائج (تضحك). لقد فكرت سابقاً في أن أمارس عملاً آخر بجانب التمثيل، لكني لم أكن مستعدة في الواقع. لم أجد سبباً كافياً. أنا زوجة جيدة. هناك مراحل في حياتي ركّزت فيها على أن أكون «ست بيت» صالحة.
> ماذا عن التمثيل للمسرح؟ هل يشكل لديك الأهمية ذاتها؟
- أحب المسرح ودائماً ما سعدت بالتمثيل المسرحي، لكني أستطيع البقاء حية من دونه. لن أموت إذا لم أمثل للمسرح، لكني أفضل أن أبقى ممثلة مسرحية.
> مثلت تحت إدارة زوجك وشقيقه عدة أفلام آخرها قبل سنتين («مرحى يا قيصر») لكن ذلك لم يحد من نشاطك مع مخرجين آخرين. ما الذي تجدينه مختلفاً بين العمل مع مخرج هو زوجك وبين العمل مع مخرج غريب عنك؟
- لماذا عليه أن يحد من نشاطي؟ أنا ممثلة وأقرأ الكثير من العروض وأختار ما أعتقد أنني أجد نفسي فيه أو ما يجعلني أشعر بأن علي أن أدعم هذا العمل بوجودي أو، ثالثاً، أنه من الإجادة بحيث علي القبول به لهذا السبب على الأقل.
مسألة أنني متزوجة من مخرج هي في نهاية حساباتي. لكن من ناحية سؤالك هو الاختلافات فأنا سعيدة بأن زوجي كما أي مخرج آخر يمنحني الحرية لكي أتصرف كما أرغب. أعتقد أن هناك مخرجين أوصياء يطلبون من الممثل ما لا يشعر به وإن قام به على خير وجه. بالنسبة لي لا يثيرني مثل ذلك المنهج. أجده يأخذ مني ولا يعطيني شيئاً.
> هل تشاهدين أفلامك حال خروجها للعروض السينمائية أو تتحاشين ذلك كما يفعل البعض؟
- أشاهدها بالطبع. ليس عندي أي سبب لكي أخشى ردة فعلي على ما قمت به.
> هناك من يؤثر ألا يراها مطلقاً أو ليس في الوقت الراهن لها على أي حال.
- نعم. قرأت ذلك سابقاً، لكن ذلك عائد إلى قرار شخصي لا أطبقه بنفسي. أحب أن أرى الفيلم الذي مثلته في أي وقت. هناك أفلاماً لي شاهدتها أكثر من مرّة.
> هل تشاهدين أفلامك القديمة؟
- نعم لكني لا أفعل ذلك كثيراً.
> بالنسبة لك ما هو التطوّر الذي طرأ على تمثيلك منذ الثمانينات وإلى اليوم؟
- هذا سؤال صعب لأن هناك الكثير من التطوّر الذي لازمني طوال هذه الفترة. أعتقد أن هذا التطوّر طبيعي ويحصل مع معظم الممثلين. بالنسبة لي ألاحظ أنه بات لدي صوت مختلف. في البداية ربما كنت تستطيع أن تضع بدلاً عني أي ممثلة أخرى، لكن بعد حين أعتقد أنني أصبحت أنا على الشاشة. هل تدرك ما أقول؟
> تماماً. وهذا ربما بدأ مع «فارغو».
- ذكرت «فارغو» في حديثك أكثر من مرّة وأوافقك. كان الدور من تلك التي منحتني الفرصة لكي أستبدل بعض الحقائب السابقة بجديدة. وبما أنك سألت، شاهدت مؤخراً فيلمي الأول «دم بسيط» وبعده شاهدت «فارغو» والآن «ثلاث لوحات» وبينها جميعاً هناك أدوار أخرى، وأعتقد أن هذا التطور الذي تتحدث عنه موجود في كل هذه الأعمال. هي مراحل وكل مرحلة تضيف شيئاً لما سبق.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».