إغناتيوس: المالكي تسلطي زاد من الاستقطاب الطائفي في العراق

الصحافي والكاتب في الـ «واشنطن بوست» دشن روايته الجديدة عن قصص التجسس السرية لـ«سي آي إيه»

إغناتيوس: المالكي تسلطي زاد من الاستقطاب الطائفي في العراق
TT

إغناتيوس: المالكي تسلطي زاد من الاستقطاب الطائفي في العراق

إغناتيوس: المالكي تسلطي زاد من الاستقطاب الطائفي في العراق

في إحدى المكتبات الشهيرة في واشنطن، يقف الصحافي الأميركي الشهير ديفيد إغناتيوس مرتديا بدلة أنيقة وربطة عنق.
يجلس أمامه جمع كبير من الحضور، بينهم زوجته وابنته. يبدو مستعدا تماما للاحتفال بروايته الجديدة الصادرة أخيرا بعنـــــــــــوان «The Director» التي تحكي قصص التجسس السرية لرئيس في جهازي «سي آي إيه». لكن أصداء الأحداث الضخمة المقبلة من العراق ترددت بقوة في المكان، ومن الصعب تجاهلها. أدرك الصحافي الشهير هذا الحقيقة، وبعد عدة كلمات عن روايته، وضع على وجهه ملامح أكثر جدية وبدأ الحديث عن الشرق الأوسط.
وقال إغناتيوس: «المالكي كارثة كاملة على العراق، لقد حكم بطريقة فاشلة. والأحداث الأخيرة في الموصل وتكريت، وعدد آخر من المدن العراقية التي سيطرت (داعش) وغيرها من القوى المتطرفة، دليل مؤكد على هذا الأسلوب الكارثي في الحكم. لقد حكم بطريقة طائفية، أثار كثيرا من القوى السنية ضده»، هذا ما قاله إغناتيوس الذي يعرف الشرق الأوسط جيدا، حيث عمل محررا لصحيفة لـ«وول ستريت جورنال» مغطيا أكبر الأحداث، مثل الحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية اللبنانية.

إغناتيوس يدرك الحالة الكارثية، التي تسبب بها المالكي في العراق، وأدى إلى انهيار الوضع بشكل متسارع. قال أخيرا في أحد مقالاته إن فشل المالكي كان واضحا وبشكل متصاعد منذ انتخابات عام 2010. إدارة أوباما تعاونت بشكل غريب ولصيق مع إيران على صفقة تسمح للمالكي بالاستمرارية كحليف معاد لـ«القاعدة». نجح تحالف المالكي في الانتخابات، لكن الثمن كان مقاطعة السنة.
يصف إغناتيوس المالكي بالتسلطي الذي زاد من الاستقطاب الطائفي في العراق، الأمر الذي أدى إلى التدهور الحالي. ولكنه أيضا ينتقد إدارة الرئيس أوباما التي استمرت في دفع المليارات له كمساعدات عسكرية رغم إدارته التسلطية الطائفية. صاحب الرواية الشهيرة «جسم من الأكاذيب» ظهر بصورة المعلق المتأرجح بين النقد والثناء على إدارة الرئيس باراك أوباما، مال في الفترة الأخيرة لخط الناقدين لسياسة الرئيس في الشرق الأوسط حتى تلك التي أكد الرئيس على نجاعتها، مثل حديثه عن تصريحات أوباما في الانتخابات الأخيرة عن تشرذم «القاعدة»، وعدم قدرتها على تحقيق انتصارات كبيرة. عاد في الأخيرة لاسترجاع نصوص المناظرات التي حدثت بين الرئيس أوباما والمرشح الجمهوري ميت رومني، الذي اختلف مع الرئيس حينها في أن «القاعدة» تعيش حالة تشرذم وهروب، حيث قال حينها: «(القاعدة) ليست في حالة هرب، والمؤكد أنها ليست مختفية. هذه الجماعة موجودة في عشر أو 20 دولة، وتشكل تهديدا كبيرا لأصدقائنا، للعالم ولأميركا على المدى الطويل، ويجب علينا وضع استراتيجية متكاملة للمساعدة في صد هذا النوع من التطرف».
يقول إغناتيوس إن رؤية رومني كانت صائبة، وعلى أوباما أن يضع خططا جديدة لمواجهة الحروب المميتة المقبلة.
يرفع الصحافي علبة من الصودا الخالية من السكريات كان يضعها أمامه، ويشرب جرعات صغيرة بين فترة وأخرى. يجيب بعدها عن السؤال المقلق الذي طرحه أحد الحضور، المرتبط بفكرة الانفصال التي ذكرها في إحدى المرات نائب الرئيس جو بايدن، والتي تقسم العراق إلى ثلاث مناطق سنية وشيعية وكردية.
«كنت أقول منذ البداية، إن مسألة التقسيم هي مسألة تتعلق بالعراقيين وحدهم. هم وحدهم من لهم القول في ذلك». يتمهل إغناتيوس صاحب التجربة الصحافية الطويلة والمتوجة بنجاحات كثيرة في حديثه، ويعود لعام 2003، عام الغزو الأميركي للعراق، الذي يصف بأنه فتح بوابة الجحيم، ويضيف: «أشعر بندم عميق أني دعمت الحرب في ذلك الوقت. التصور الذي قدمته إدارة بوش في ذلك كان مثاليا جدا، وهذا كان الخطأ القاتل الذي تسبب بالفشل الذريع الذي ما زلنا نشهده لحد هذا اليوم».
بنبرة صوت حزينة يعترف إغناتيوس الذي يسافر كثيرا حول العالم بأن سمعة الولايات المتحدة الآن سيئة حول العالم، ليس بسبب الحجة القديمة بأنها مغرورة، ولكنها غير قادرة على إنجاح مشاريعها وخططها، ويضيف: «هذا المزيج من الغرور والفشل يشكل انطباعا قويا من الصعب محوه. إذا كانت العشر سنوات الماضية مليئة بالفشل، فإنه يجب العمل خلال العشر سنوات المقبلة لتصحيح هذه الصورة».
ولكن الصورة لا تبدو معتمة تماما، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأفغانستان، حيث يرفض الفكرة القائلة إن الأوضاع لم تتغير هناك: «وضع المرأة الأفغانية أفضل بكثير من السابق. نسبة من يملكون هواتف جوالة ويشاهدون التلفزيون تصاعدت بشكل كبير. طالبان غير شعبية هناك. لا أقول إن الولايات المتحدة ساهمت في كل هذا، ولكنها ساهمت في الاستقرار الذي سهل من هذا التحول، لذا من الخطأ حديث الرئيس أوباما عن الانسحاب الكامل في 2016 ومن الأفضل بقاء عدد من القوات الأميركية هناك لكي تسهم في استقرار الأوضاع وتمنع تعرضها لنكسات. الانتخابات الأفغانية المقبلة أيضا تنبئ بتحولات إيجابية مهمة».
صفقة تبادل الجندي الأميركي بوي بيرغدال مع خمسة معتقلين من طالبان، تثير الكثير من اللغط داخل الولايات المتحدة. ولكن إغناتيوس بدا داعما لموقف الإدارة الأميركية، وناقدا للمطالبين بعدم تسليمه، بحجة أنه ترك متعمدا وحدته العسكرية. يقول: «ليس من المنطقي عدم إحضاره وتركه مسجونا في قفص، حتى لو هجر وحدته العسكرية. يمكن أن تقام له محاكمة هنا، ولكن تركه هناك بتلك الحجة أمر غير منطقي. الحقيقة أن قصة بيرغدال كانت معروفة منذ وقت طويل وقصة التفاوض لإطلاق سراحه تحدثت عنها طويلا وسائل الإعلام. ولكن من اعترض على إتمامها كأنهم استيقظوا للتو».
أما فيما يخص مسرب الأسرار سنودن، فيرفض أن يصفه بـ«البطل» كما يقول عنه البعض، مشيرا إلى أن الاستخبارات الأميركية أصيبت فعلا بالمفاجأة الكاملة مما حدث، ولم تعرف فعلا حجم الوثائق التي نسخها وسربها، والتي تبين بعد ذلك أنها وصلت لمليون ونصف المليون وثيقة، ولكنها، بحسب جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، الذي التقاه أخيرا إغناتيوس ليست بتلك الخطورة التي قيل عنها في البداية، رغم أضرارها العميقة.
في نهاية حديث إغناتيوس عاد ورسم الابتسامة على وجهه، وبدأ بتوقيع روايته الجديدة التي يقول عنها إنه يكتبها فقط للمتعة، للصف الطويل من الزبائن المتراصين. كانت ليلة عاصفة وماطرة في واشنطن. صافحته وتحدثت معه عن موعد لحوار موسع. «علينا أن نذهب سريعا. هناك إنذار بإعصار مقبل»، هكذا قال بنبرة تحذيرية.
الأعاصير الماطرة في واشنطن تنذر بالقليل من الخطورة المصطنعة، ولكنها تنطوي على جانبها المفرح، لأنها تنقشع سريعا، ويعتدل الطقس بعدها. من المؤكد أن إغناتيوس لن يفكر بهذا الإعصار الذي حذر منه، ولن يكتب عنه حرفا واحدا. إنه يرى من مكتبه في جريدة «واشنطن بوست» أعاصير الشرق الأوسط الهائلة الزاحفة التي لا تعرف الهدوء.



الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».