الكتابة.. مهنة مثل غيرها؟

قلة قليلة من الأدباء تستطيع تأمين قوتها بالاعتماد على أقلامها حتى في أوروبا

كافكا
كافكا
TT

الكتابة.. مهنة مثل غيرها؟

كافكا
كافكا

«تعرفين وضعيتي، أنا أعمل بالكاد لتأمين قوت يومي، كيف لي أن أعول عائلة بكاملها؟ وإذا تفرغت للكتابة فكيف لي أن أنعم بالهدوء وسط المشاغل اليومية وهموم الأطفال؟ أنت تعلمين أن الكتابات التي يمليها الجوع لن تكون لها أي قيمة».. هذه العبارات هي للمفكر الكبير جان جاك روسو وهو يكتب لصديقته مدام دو فرانسوي عام 1751، لتبرير اختياره التخلي عن أطفاله مقابل التفرغ للكتابة. بعده بعقود كتب فرانز كافكا للتعبير عن صراعه الداخلي بين ضرورة العمل لتأمين العيش وتفرغه لهوايته الأدبية عام 1911 ما يلي «ينتابني هلع شديد حين أحس بأن كل جسدي مستعد لعمل إبداعي، بأن هذا العمل سيكون بمثابة حل إلهي سيجعلني أدخل حياة جديدة.. بينما أجدني مضطرا بسبب عملي في المكتب وتحت مسمى بيروقراطية تافهة لاجتثاث جزء من هذا الجسد القادر على هذه الفرحة....».
اليوم لا شيء تغير، حيث إن قلة قليلة من الأدباء تستطيع تأمين قوتها بالاعتماد على أقلامها فقط، لأن الكتابة ليست مهنة كغيرها.
هده الحقيقة أكدتها دراسة أخيرة للباحث الفرنسي برنار لاهير بعنوان «وضعية الأدب - الحياة المزدوجة للكُتاب» (دار نشر لا ديكوفرت)، والتي تكشف أن 89 في المائة من الكتاب الذين نشر لهم على الأقل كتابان مضطرون للعيش من مهنة أخرى غير الكتابة لقلة مداخليهم. معظم هذه المهن تمت بصلة أو بأخرى للكتابة، فمنهم كثير من الصحافيين والأساتذة والمصححين اللغويين والمترجمين، على أن معظمهم يعمل بالقطعة. موقع «رو 89» الجيد يصل في تحقيق حول هذا الموضوع بعنوان «كيف يكسب الكتاب الفرنسيون لقمة عيشهم؟» إلى تحديد عدد هؤلاء الكتاب الذين يعيشون من الكتابة بـ150 فقط، وهي نسبة ضعيفة جدا إذا علمنا أن عدد الكتب المنشورة في فرنسا يصل لـ60 ألف سنويا.

* حياة مزدوجة

* الباحث برنار لاهير يتحدث في دراسته عن «حياة مزدوجة» للأدباء، فالمجتمع غالبا ما يشير للكُتاب من خلال مهنتهم الرئيسة، ونادرا من خلال نشاطهم في الكتابة. ببساطة لأن عالم الأدب لا يكافئ ماديا إلا القليل ولا يضع معايير واضحة للمهنية، وهو ما يجعل من يشق طريقه في هذا المجال دائما «خارج الإطار». على أن الوضع معكوس تماما بالنسبة للفضاءات المهنية الأخرى التي تؤمّن الاستقرار المادي واعتراف المجتمع. هكذا، يضيف الباحث «يقضي الكتاب حياتهم متنقلين بين مهنتهم الرئيسة ونشاطهم في الحقل الأدبي، فمنهم الكاتب الأستاذ والكاتب الصحافي والكاتب الطبيب والكاتب الموظف السامي، ولا أحد منهم يحظى بوضع اجتماعي مستقل كـ(كاتب) لأن وضعه منسوب لمهنته الرئيسة».
الكاتب والشاعر الألماني غوتفريد بان الذي يعتبر أحد أهم رموز الحركة التعبيرية في ألمانيا وكان طبيبا أيضا نقل رسالة بعثها له أحد زملائه، كتب له فيها ما يلي «أقرأ اسمك مرارا في الصحف، فهل هذا حقا أنت..؟ أعترف لك بأنني لا يمكن أن أتصورك إلا وأنت وسط فهارسك الطبية أو وأنت تناقشني في آخر تطورات البحوث الطبية..». هذه المعضلة كانت تشغل أيضا الكاتب الكبير فرانز كافكا الذي لم يتمكن يوما من العيش من هوايته الإبداعية واختار أن يعمل موظفا في مصلحة التأمينات لسنوات طويلة حتى يحافظ على «نقاوة» إبداعه الأدبي مخالفا رأي صديقه ماكس برود الذي طالما نصحه بالعمل في مجال الصحافة أو النقد حتى لا يبتعد عن الكتابة.

* الهوة الواسعة

* السبب في هذه الوضعية، بحسب الناقد الفرنسي آلان بوف، يعود لمنطق السوق وانفجار ظاهرة الكتاب «الأكثر مبيعا»، مضيفا في تحقيق مطول بعنوان «من هم الكُتاب الذين يعيشون من أقلامهم؟» على صفحات جريدة «اللوموند»: «التفرغ للكتابة لا يمكن أن يحقق الاستقرار المادي إلا إذا تعدت نسب النسخ المبيعة 30 ألفا، والمشكلة أن هذا الهدف غالبا ما يبقى صعب المنال، فأي كاتب مبتدأ أو مغمور يصل بالكاد لثلاثة أو أربعة آلاف نسخة، مع نسبة على حقوق النشر لا تتعدى 1.5 يورو للنسخة الواحدة، وهو ما يجعل الهوة واسعة بين الكتاب المغمورين وزملائهم الذين تمكنوا من تخطي عتبة الثلاثين ألف نسخة. موقع «رو 89» يضع تصنيفا أكثر دقة للكتاب حسب عائداتهم المادية فيشرح: «فئة الكُتاب الأكثر مبيعا لا تتعدى في فرنسا خمسة عشر كاتبا، وهي وحدها القادرة على العيش برفاهية، إذ يحصلون من دور النشر على عرابين تتراوح بين مليون ومليوني يورو للكتاب الواحد، إضافة لما يمكن الحصول عليه من حقوق النشر في الخارج والاقتباس السينمائي. هذه الفئة تتكون من كتاب متمرسين يكتبون بانتظام مرة كل سنة أو كل سنتين.. منهم: آنا كافالدا، واميلي نوتومب، ومارك ليفي. يليها الروائيون الذين يحصلون من دور النشر على عرابين تتراوح بين 150 و250 ألف يورو، عددهم لا يتعدى الثلاثين، منهم الحاصلون على الجوائز الأدبية، ومن يحظى بمنابر قوية في الصحافة والإعلام: جان كريستوف روفان، ريجين ديفورج، كاثرين بانكول، غيوم موسو، وبرنار فيربر. الفئة الأخرى التي تعيش من عائدات الكتابة التي تناهز المائة نسبتها تتراوح بين عشرة ومائة ألف يورو، حسب صيت الكاتب، منهم كتاب القصص المصورة وأصحاب السير الذاتية. تليهم الفئة التي تسمى في لغة الناشرين بـ«الأوتوبيس» وهي تضم كل الكتاب الذين لا يهتمون بالمقاييس التجارية أو ممن يكتبون في مجالات قليلة الشعبية. ونسبهم على الأرباح تتراوح بين ألفين وعشرة آلاف يورو، أما من عدا هؤلاء فهم لا يستطيعون العيش من كتاباتهم بتاتا.

* الكُتاب لا يكرهون المال

* في مقال نشر بمجلة «سلات» بعنوان «هل يمكن للكاتب الصادق أن يكون غنيا..؟»، تنقل الصحافية شارلوت بودوفسكي قول الأديب الأميركي فلانري أكونور «الكاتب الذي يكسب الأموال أشبه بالسمكة التي ترتدي بدله صوفية، فمن خسر إحساسه بالفقر الملازم للإنسانية خسر مصداقيته وروحه».
الكاتب الأميركي الذي يشكك في مصداقية الكتاب الذين يعيشون من ثمرة أقلامهم لا يعبر سوى عن العقلية السائدة التي ترى أن الكاتب الجيد هو الذي لا يركض وراء المال ولا يقحم نفسه في القضايا المادية، على اعتبار أن «قدسية» المكتوب فوق كل الحسابات المادية. هذه الوضعية تجعل كثيرا من الكتاب يتكتمون على حقيقة إيراداتهم ولا يحبذون أن تقرن أعمالهم الأدبية بأي أرقام أو مكافآت مالية، ونادرا جدا ما يقبلون بالإدلاء بقيمة العرابين أو نسبهم من حقوق النشر، ولا حتى ماذا سيفعلونه بأموال الجوائز الأدبية. مجلة «لير» تسجل مفارقة طريفة عبر مثال الكاتبة ماري بييدو الحائزة لجائزة رونودو عام 1985، والتي نشرت تفاصيل حميمية عن حياتها الخاصة وعلاقتها بعشاقها وحتى تاريخ فقدانها لعذريتها، لكنها لم تقبل يوما الإفصاح عن نسبتها من حقوق النشر. وهو أيضا ما استنتجته الوسيطة الأدبية الأميركية أنا جاغوتا التي صرحت على صفحات أسبوعية «لوبوان»: «في عشاء عمل مع الناشرين الفرنسيين لا نستطيع الخوض في الماديات إلا حين نصل للحلوى، وكأن المقدمات الطويلة ضرورية للتخفيف من وطأة الحرج الذي يسببه هدا الموضوع للفرنسيين»، مسجلة في الوقت نفسه أن الأميركيين تحرروا منذ زمن من القيود الأخلاقية للمادة مع التحفظ على الجنس، بينما الفرنسيون فعلو العكس. هذا لا يعني أن الفقر هو قدر معظم من يختار طريق الأدب، فالأدباء كغيرهم من الناس لا يكرهون المال، بل إن حلم حياتهم التفرغ لهوايتهم والعيش منها برفاهية.
الأديب المخضرم جون جان دورمسون الحائز لعدة جوائز أدبية، كتب منذ سنوات في روايته «كازيمير يعيش حياة الرفاهية» (دار نشر «ستوك»): «ماذا يجعلنا نركض؟.. المال، بماذا تحلمون قرائي، إخواني الأعزاء، ليل نهار.. أليس هو المال؟ لا نحلم إلا بالمال الذي يحكم حياتنا وأهواءنا وتاريخنا ووقتنا وكتبنا...». أما ميشال ويلبيك الذي حصّل من دار نشر «فايار» عن روايته «احتمال جزيرة» على عربون قيمته مليون يورو إضافة لنسبة جيدة على حقوق النشر، فقد عبر عن فرحته باعترافه «كل التحولات التي عشتها في حياتي لا تضاهي في شيء ما أعيشه الآن: اكتساب ما يكفيني من المال لكي لا أضطر للعمل بقية حياتي».



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».