العراق: الجيش و{الحشد} يؤمنان طريق كركوك وضغوط لإشراك {البيشمركة}

TT

العراق: الجيش و{الحشد} يؤمنان طريق كركوك وضغوط لإشراك {البيشمركة}

أعلن الأمين العام لـ{منظمة بدر}، هادي العامري عن حصول اتفاق بين العمليات المشتركة للجيش، والحشد الشعبي، بشأن تأمين طريق كركوك - بغداد الذي كان شهد العديد من الحوادث ومنها نصب الكمائن أدت إلى أسر ومقتل العشرات من القوات المسلحة والمواطنين.
وقال العامري في تصريحات صحافية أمس إن «طريق كركوك مؤمن حاليا، إلا أن هناك بعض الثغرات التي يستفيد منها الإرهابيون، حيث عملوا عدة مرات على نصب كمائن وعلميات خطف». وأوضح أن «اجتماعا عقد بين الحشد الشعبي والأجهزة الأمنية الأخرى بقيادة العمليات المشتركة تم خلاله الاتفاق على مسك الطريق بقوة وإيجاد سواتر وخنادق على جانبي الطريق، لغرض عدم السماح للإرهابيين على المجيء بسيارات والاندفاع نحو تلك المناطق».
وأشار العامري إلى أن «هناك نقاط مرابطة ستكون على الطريق لتأمينه»، مؤكدا أن «الطريق سيؤمن بشكل كامل خلال فترة معينة». وأوضح أن «الوضع الأمني جيد، إلا أن هناك مجاميع إرهابية، قسم منها ناشط والقسم الآخر نائم»، لافتا إلى أن «الإعلان عن تنفيذ عمليات مشتركة يدل على أن الأجهزة الأمنية في حالة حذر ويقظة ومستمرة بالعمل للقضاء على تلك الجيوب وعدم ترك أي منطقة رخوة لعودة الإرهاب من جديد».
وأكد الناطق الرسمي باسم {عصائب أهل الحق} وهي إحدى الفصائل المرتبطة بالحشد الشعبي نعيم العبودي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «موضوع طريق كركوك - بغداد من الطرق الاستراتيجية المهمة التي تربط بغداد وكل المحافظات الشمالية ولذلك فإن مسألة تأمينه تعد قضية أساسية لضمان الأمن والاستقرار»، مبينا أن «هذا الأمر جاء بعد سلسلة العمليات والتهديدات الأمنية لا سيما بعد الانتصارات التي تحققت ضد تنظيم داعش الإرهابي».
وأوضح العبودي أن «التهديدات الأمنية التي حصلت في الآونة الأخيرة من قبل خلايا إرهابية مدعومة بشكل واضح من قبل جهات وجماعات وأحزاب سياسية تتولى دعم هذه العناصر من أجل زعزعة الأمن والاستقرار في كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها». ولفت العبودي إلى أن «إشراك الحشد الشعبي في عملية تأمين هذا الطريق مهم وهو ينسجم مع رؤية المرجعية التي قالت يجب الاستفادة من تجربة الحشد الشعبي في الجانب الأمني» مبينا أن «التهديدات القادمة إنما هي تهديدات أمنية وليست عسكرية لأن لدينا قوات كبيرة سواء كانت جهاز مكافحة الإرهاب أو الرد السريع أو الحشد الشعبي بينما يبقى التهديد الأمني قائما ويحتاج إلى أن نرتفع إلى مستوى هذا التهديد الذي لا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة للوقوف بوجهه». في مقابل ذلك أكد القيادي التركماني وعضو البرلمان العراقي السابق فوزي أكرم ترزي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن تعرض رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى «ضغوط دولية وبخاصة من الأميركيين والفرنسيين من أجل إشراك البيشمركة والآشايس سواء في إدارة المناطق المتنازع عليها أو تأمين هذا الطريق الذي تحول خلال الفترة الماضية إلى طريق للموت».
وأضاف فوزي أن «تأمين طريق كركوك - بغداد من قبل القوات الأمنية العراقية ومعها الحشد الشعبي أمر مرحب به بالنسبة لنا نحن التركمان وأيضا عرب كركوك لكننا نرفض بالمطلق المحاولات والمساعي التي تقوم بها أطراف دولية من أجل إشراك البيشمركة الكردية والأمن الكردي (الآسايش) لإدارة المناطق المتنازع عليها ومنها حماية هذا الطريق»، مشيرا إلى أن «العبادي الآن هو بين مطرقة الضغوط الدولية وبخاصة الأميركية والفرنسية لإشراك البيشمركة وسندان الداخل حيث معظم الأطراف السياسية ومن جملتهم عرب وتركمان كركوك يرفضون ذلك تماما لأن كل ما عانيناه طوال السنوات الماضية هو بسبب هيمنة الأحزاب الكردية وأجهزتهم العسكرية».
وتابع ترزي أن «الأحزاب والجهات الكردية لا سيما الانفصالية منها والتي خسرت سياسيا بعد فشل الاستفتاء الذي أجروه العام الماضي لم يعد أمامها سوى وضع العراقيل أمام استقرار كركوك والمناطق المتاخمة لها وهم بالتالي يريدون أن يوحوا للشارع الكردي خلال موسم الانتخابات أنهم وحدهم من يكون قادرا على تأمين أوضاعهم في تلك المناطق وليس سلطة الدولة».
وحذر ترزي من «أي محاولات أو مساع لإشراك البيشمركة التي لم ترد في الدستور العراقي بل الذي ورد هي حرس الإقليم وبالتالي دورها لا يتعدى حدود الإقليم بمحافظاته الثلاث أربيل ودهوك والسليمانية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.