الروائي السعودي فوزي صادق: المرأة تسكن رواياتي

يحاول أن يقرأ صورة المستقبل والقفز نحو الجدل الآتي من بعيد

 فوزي صادق
فوزي صادق
TT

الروائي السعودي فوزي صادق: المرأة تسكن رواياتي

 فوزي صادق
فوزي صادق

يستعد الروائي السعودي الشاب، فوزي صادق، لإصدار روايته الجديدة التي تحمل اسم «حريمستان»، وهي رواية جديدة تحمل رسالة كاتبها في تبنيه قضية المرأة وهمومها.
وقد سبق لفوزي صادق، أن تناول قضية المرأة في بلاده عبر أعمال عدة، من بينها روايته السابقة «2012» التي يحمل غلافها صورة امرأة تقود سيارة. وتسعى الرواية إلى مناقشة هذه القضية برؤية متعددة الاتجاهات.
أما «حريمستان» المتوقع صدورها الربيع المقبل، فهي تناقش قضية صعود المرأة في السلم القيادي للمجتمع، حيث يعيد كاتبها طرح النقاش بشأن أهليتها القيادية ودورها في صناعة التغيير في مجتمع يتصف بـ«ذكورية» عالية.
بعض المفردات التي تحملها الرواية، هي كصورة غلاف رواية «2012» تعطي أثر «الصدمة» على المتلقي، من قبيل: «عندما تحكمهم امرأة»، «تغيرت القوانين والدساتير وانتقلت من هيمنة الرجل إلى قبضة المرأة»، «تم تأنيث كل حاجياتها المسلوبة لدى آدم.. حتى رجحت كفتها أمام كفته».. «سبعة أيام قضيناها في رحاب مملكة المرأة العربية.. كيف عانت الأمرين من أن تقود أمة ذكورية رجعية إقصائية».
والرواية كفن سردي يقوم على الخيال، تفقد عنصر قوتها إذا تحولت إلى خطابية آيديولوجية. وهو ما يؤخذ على الأسلوب الروائي لفوزي صادق، إلا أنه يرى أن الروائي يمكنه أن يرمي عينه بعيدا عن الحاضر فيقرأ صورة المستقبل، والرواية يمكنها أن تقفز نحو الجدل الآتي من بعيد.
هناك من يرى أن غزارة الإنتاج لفوزي صادق، لم تمكنه من الاهتمام أكثر بإنتاج رواية قوية. كما أنه ليس محظوظا، في الغالب، في انتخاب دور النشر التي تمنح أعماله تسويقا أفضل.
وصدر لفوزي صادق مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية، مع كتب تتضمن مقالات، حيث صدر له: رواية «أميرة إبليس»، ورواية «2012»، ورواية «سري للغاية»، ورواية «عش العفاريت»، وكتاب «رسائل من كشكول الحياة»، ووقع مؤخرا في الكويت إصدارين له، هما: مجموعة قصصية باسم «كوب شاي»، وكتاب «شبابيك».
ولد فوزي في الأحساء سنة 1971. ونشأ في طفولته في أحد الأحياء الشعبية في العاصمة البحرينية المنامة. وأكمل دراسته في الأحساء. ثم التحق بالكلية الصناعية في الجبيل، ويعمل حاليا في شركة «سابك» للبتروكيماويات. وهو مدرب ومحاضر في مجال خدمة المجتمع.
بدأ فوزي الكتابة في سنّ الـ13 من عمره. ويقول: أول ما خطّ قلمي في السرد القصصي كانت قصة: «يوما رفعت إصبعي».. وهي تتناول قصة حقيقية بين القاص وأستاذه، فقد أشكل الطالب على معلم التاريخ بأن منهج المادة لا ينسجم مع ما هو مدون في كتب التاريخ العربي.
قدّم فوزي صادق رواية «أميرة إبليس»، وهي دراما اجتماعية، تنسجم مع عدد من الأعمال التي كتبها لتصبح سيناريوهات لمسلسلات خليجية. كما أصدر روايته «عش العفاريت» عن شركة ذات السلاسل للنشر والتوزيع - الكويت، وتقع في 543 صفحة، وهي ثمرة رحلة المؤلف إلى اليمن، حيث تحكي وقوع شاب ينتمي لأسرة ميسورة في شرك جنية عشقها فخطفته.
إلى جانب هذه الرواية، يتحدث فوزي عن عدد من الأعمال التي لم يطبعها كروايات بانتظار أن تُقدّم للتلفزيون. وهذا الاهتمام بالكتابة الاجتماعية يغذي اتجاه الكاتب نحو القضايا الاجتماعية ذات الطابع الدرامي.
يقول فوزي، إن فكرة أعماله تأتي غالبا من اختلاطه بقضايا المجتمع. ويضيف: أنا جزء من المجتمع، وأحب أن أكون مؤثرا، والكتابة تأتي منسابة لأنني اعتدت على التعبير عما أعيشه وأفكر فيه.
وفوزي ينسجم كثيرا مع الشخصيات التي يكتبها، ويقول: أحيانا أدخل في نوبة بكاء تأثرا بأحداث القصة، فأنا جزء من أفراح وأتراح أبطالي. وهو يعتبر أن الأدب يمثل قيمة معنوية كأداة للتعبير، ويقول: «للأدب دور مهم في الرقي الإنساني، وهو يدعو للتمدن والتحضر الأخلاقي، والتصالح مع ثقافات الأمم الأخرى، والأدب بديل حضاري للاحتراب الثقافي».
وبشأن مشاركة المرأة في الأعمال الأدبية، يقول فوزي صادق: هناك حضور بارز للمرأة سواء كمؤلفة أو كقضية في الأعمال الروائية. هذا الحضور يدل على أنها خرجت من قيد العزلة إلى الفاعلية. وهناك تركيز على الأدب الروائي كمنصة تعبر من خلالها المرأة في السعودية عما تريد أن تقول. ولن يطول الوقت حتى نرى هذا الحضور أكثر فاعلية في المشهد الثقافي المحلي.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟