الروائي السعودي فوزي صادق: المرأة تسكن رواياتي

يحاول أن يقرأ صورة المستقبل والقفز نحو الجدل الآتي من بعيد

 فوزي صادق
فوزي صادق
TT
20

الروائي السعودي فوزي صادق: المرأة تسكن رواياتي

 فوزي صادق
فوزي صادق

يستعد الروائي السعودي الشاب، فوزي صادق، لإصدار روايته الجديدة التي تحمل اسم «حريمستان»، وهي رواية جديدة تحمل رسالة كاتبها في تبنيه قضية المرأة وهمومها.
وقد سبق لفوزي صادق، أن تناول قضية المرأة في بلاده عبر أعمال عدة، من بينها روايته السابقة «2012» التي يحمل غلافها صورة امرأة تقود سيارة. وتسعى الرواية إلى مناقشة هذه القضية برؤية متعددة الاتجاهات.
أما «حريمستان» المتوقع صدورها الربيع المقبل، فهي تناقش قضية صعود المرأة في السلم القيادي للمجتمع، حيث يعيد كاتبها طرح النقاش بشأن أهليتها القيادية ودورها في صناعة التغيير في مجتمع يتصف بـ«ذكورية» عالية.
بعض المفردات التي تحملها الرواية، هي كصورة غلاف رواية «2012» تعطي أثر «الصدمة» على المتلقي، من قبيل: «عندما تحكمهم امرأة»، «تغيرت القوانين والدساتير وانتقلت من هيمنة الرجل إلى قبضة المرأة»، «تم تأنيث كل حاجياتها المسلوبة لدى آدم.. حتى رجحت كفتها أمام كفته».. «سبعة أيام قضيناها في رحاب مملكة المرأة العربية.. كيف عانت الأمرين من أن تقود أمة ذكورية رجعية إقصائية».
والرواية كفن سردي يقوم على الخيال، تفقد عنصر قوتها إذا تحولت إلى خطابية آيديولوجية. وهو ما يؤخذ على الأسلوب الروائي لفوزي صادق، إلا أنه يرى أن الروائي يمكنه أن يرمي عينه بعيدا عن الحاضر فيقرأ صورة المستقبل، والرواية يمكنها أن تقفز نحو الجدل الآتي من بعيد.
هناك من يرى أن غزارة الإنتاج لفوزي صادق، لم تمكنه من الاهتمام أكثر بإنتاج رواية قوية. كما أنه ليس محظوظا، في الغالب، في انتخاب دور النشر التي تمنح أعماله تسويقا أفضل.
وصدر لفوزي صادق مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية، مع كتب تتضمن مقالات، حيث صدر له: رواية «أميرة إبليس»، ورواية «2012»، ورواية «سري للغاية»، ورواية «عش العفاريت»، وكتاب «رسائل من كشكول الحياة»، ووقع مؤخرا في الكويت إصدارين له، هما: مجموعة قصصية باسم «كوب شاي»، وكتاب «شبابيك».
ولد فوزي في الأحساء سنة 1971. ونشأ في طفولته في أحد الأحياء الشعبية في العاصمة البحرينية المنامة. وأكمل دراسته في الأحساء. ثم التحق بالكلية الصناعية في الجبيل، ويعمل حاليا في شركة «سابك» للبتروكيماويات. وهو مدرب ومحاضر في مجال خدمة المجتمع.
بدأ فوزي الكتابة في سنّ الـ13 من عمره. ويقول: أول ما خطّ قلمي في السرد القصصي كانت قصة: «يوما رفعت إصبعي».. وهي تتناول قصة حقيقية بين القاص وأستاذه، فقد أشكل الطالب على معلم التاريخ بأن منهج المادة لا ينسجم مع ما هو مدون في كتب التاريخ العربي.
قدّم فوزي صادق رواية «أميرة إبليس»، وهي دراما اجتماعية، تنسجم مع عدد من الأعمال التي كتبها لتصبح سيناريوهات لمسلسلات خليجية. كما أصدر روايته «عش العفاريت» عن شركة ذات السلاسل للنشر والتوزيع - الكويت، وتقع في 543 صفحة، وهي ثمرة رحلة المؤلف إلى اليمن، حيث تحكي وقوع شاب ينتمي لأسرة ميسورة في شرك جنية عشقها فخطفته.
إلى جانب هذه الرواية، يتحدث فوزي عن عدد من الأعمال التي لم يطبعها كروايات بانتظار أن تُقدّم للتلفزيون. وهذا الاهتمام بالكتابة الاجتماعية يغذي اتجاه الكاتب نحو القضايا الاجتماعية ذات الطابع الدرامي.
يقول فوزي، إن فكرة أعماله تأتي غالبا من اختلاطه بقضايا المجتمع. ويضيف: أنا جزء من المجتمع، وأحب أن أكون مؤثرا، والكتابة تأتي منسابة لأنني اعتدت على التعبير عما أعيشه وأفكر فيه.
وفوزي ينسجم كثيرا مع الشخصيات التي يكتبها، ويقول: أحيانا أدخل في نوبة بكاء تأثرا بأحداث القصة، فأنا جزء من أفراح وأتراح أبطالي. وهو يعتبر أن الأدب يمثل قيمة معنوية كأداة للتعبير، ويقول: «للأدب دور مهم في الرقي الإنساني، وهو يدعو للتمدن والتحضر الأخلاقي، والتصالح مع ثقافات الأمم الأخرى، والأدب بديل حضاري للاحتراب الثقافي».
وبشأن مشاركة المرأة في الأعمال الأدبية، يقول فوزي صادق: هناك حضور بارز للمرأة سواء كمؤلفة أو كقضية في الأعمال الروائية. هذا الحضور يدل على أنها خرجت من قيد العزلة إلى الفاعلية. وهناك تركيز على الأدب الروائي كمنصة تعبر من خلالها المرأة في السعودية عما تريد أن تقول. ولن يطول الوقت حتى نرى هذا الحضور أكثر فاعلية في المشهد الثقافي المحلي.



من يكشف عن الغامض وراء قصة الستينيات الأدبية؟

جمعة اللامي
جمعة اللامي
TT
20

من يكشف عن الغامض وراء قصة الستينيات الأدبية؟

جمعة اللامي
جمعة اللامي

كان هناك جيلان متزامنان في العراق الحديث، تشكلا بعد عام 1958، الأول سياسي، جاء في سياق بواكير تشكيل الدولة الهجين، أحزاباً وزمراً عسكريةً، وتوّج أخيراً بأعتى ديكتاتورية في المنطقة، والثاني ثقافي وأدبي قصصي، خاض صراعاً تقنياً وفنياً في النفق الديكتاتوري نفسه، وجاء ضمن تدرّج وتطور الريادة القصصية في سبيل ترسيخ النوع الأدبي، وكلاهما في الغالب يشتركان معاً في قاعدة الحلم الثوري، وينطلقان منها في التعبير عن سلوكهما السياسي والأدبي.

من المفارقات شديدة اللبس والتعقيد أن النزاعات الشرسة للأحزاب والتنظيمات السياسية وألويتها الأدبية في ما بينها التي أعقبت العهد الجمهوري من 1958 وحتى عام 2003، ارتبطت عضوياً بصيغة الحلم الثوري الزائف بوصفه منهجاً آيديولوجياً صارماً، يمزج بين السعي إلى تسلم إدارة الحكم وتطبيق التصورات القومية والوطنية وإغواء حركة التحرر الدولية والأممية وما سمّي بالمعسكر الاشتراكي آنذاك، الحلم الذي يفرض على الأدباء أو نصوصهم، ولا يأبه من الجانب السياسي بالعنف أبداً مهما بلغ من تنكيل وقتل وإبادات ما دام الوصول للهدف وسدة الحكم هو الأول.

محمد خضير
محمد خضير

بعد عقود من خوض التجربة المرّة، وصل العنف إلى ذراه في الصراع داخل الحلم الثوري نفسه في الغالب بين الأحزاب الثورية على وجه التحديد، سواء كانت في السلطة والمعارضة، أو قريبة منهما إلى الحد الذي شطر الأحلام الثورية في معادلة متوازنة ومتضادة ومنعكسة من العنف بينهما، بين سدة الحكم وأبواب السجون، فالاثنان الجلاد والضحية، ثوريان، يشتركان في تقمص الحلم نفسه وتبني فراديسه المنشودة وتبادل الأدوار بين السلطة والسجن، وكلاهما صادق في التعبير والسلوك، وربما كلاهما متواطئ مع الآخر في لعب الأدوار حتى أن السلوك العنفي والميليشياوي الذي تمارسه السلطة من وقت لآخر في تصفية خصومها الثوريين المعارضين على شاكلتها هو نفسه ما تمارسه الفئات المهيمنة للسجناء أنفسهم ضد بعضهم داخل أسوار السجن.

والواقع كان للجلاد أسماؤه الأدبية والثقافية المنظمّة معه مثلما كان للضحية أسماؤها التي لا تخفى، ومنهم من غادر دور الضحية وأصبح جلاداً، والعكس صحيح، وتظل قاعدة الحلم الثوري مشتركة بينهما.

في ظل هذه المفارقة الشرسة، ولد هذان الجيلان المتزامنان في الستينيات من القرن الماضي، أحدهما تمثل في ارتقاء الديكتاتورية، وثانيهما أدبي وثقافي لم يخرج عن الإجهاز الكلي على الأدب والثقافة من قبل السلطة قبل وأثناء ارتقاء الديكتاتورية، الأول، لم يتخط مخاضات القتل والتنكيل فقط إنما أوصلها إلى ذراها في الحروب والهجرة والحصارات الاقتصادية، والثاني، الجيل الأدبي الذي نشأ بين السلطة والمعارضة والسجن والمهجر وما بينهم، وشهد اصطفافاً واستقطاباً ضمنياً هنا وهناك.

في غضون ذلك، استطاع الجيل الستيني الأدبي أن يحيا ربيع النشر والانتشار في بداية السبعينات إذ كان عدد يسير من الأحزاب الثورية متحالفة بهشاشة مع السلطة، وتيسر لها عن طريق دور النشر الخاصة بها أن تصدر عدداً من المجاميع القصصية لأدباء يحسبون منها وسط احتراز ومراقبة السلطة.

وفي ظل هذه المعادلة السياسية للأدب، استفحلت أزمة هذا الجيل الأدبي والقصصي بالتعبير عن نفسه داخل المنظومة الحزبية، سواء في السلطة أو المعارضة، وشعر البعض من القاصين بأنهم سوف يفقدون النسق الإنساني كلياً في قصصهم طالما كان التعبير جارياً ومتعسفاً على وفق الحلم الثوري المنشود الذي هو مجرد تلقين لفكرة استشراف مستقبلي للناس والمجتمع، وشرعة أمل زائفة، وكان العمال والكادحون والفقراء هم إشارات سياسية ملقّنة أكثر منها مصائر واقعية في ظل مجتمع شبه تحولي بين الريف والمدينة.

جهاد مجيد
جهاد مجيد

وللخروج من هذا المأزق، طفق القاصون والروائيون محمود جنداري وجمعة اللامي ومحمد خضير وجهاد مجيد وعبد الإله عبد الرزاق وآخرون، يستخدمون التشفير والتجريد والترميز والأسطرة والمكابدة الصوفية ومحاولة استيقاف الحاضر والمستقبل الزائفين والعودة إلى الماضي بوصفه منطقة تقنية آمنة لبناء قصصهم ورواياتهم.

وعبر تلك المناورة الأسلوبية البارعة، تمكن القاصون والروائيون من التسامي والتعالي على أزمتهم السياسية والفنية، واستطاعوا على نحو معين من تضليل الرقيب المؤسساتي ونشر نتاجهم وتلقيه على مستوى عام ومقبول داخل النفق الديكتاتوري نفسه.

ولعل هذه المناورة الأسلوبية، لم تكن نابعة عبر شكلها الطبيعي ضمن سياقات نشأة ونمو القص والروي في البلاد، وحسب قدر ما كانت تخفي خلفها كواليس وندوب تعرض هؤلاء الأدباء للتنكيل والاحتواء السياسي التي كانت تمارسه المؤسسات المتسلطة بمعنى أن التقنية التي نشرت فيها مجاميع مثل «المملكة السوداء» و«لأوفيليا جسد الأرض» و«الثلاثيات» و«حكايات دومة الجندل» وغيرها كثير، تتضمن مضمراً مستتراً من حجم صراعها الفني مع الرقيب السلطوي، وبحاجة إلى الكشف والتحليل بعد سقوط الرقيب، ولا يعني ذلك الاعتراف بل وضع المعادلة الأدبية في مواقعها الصحيحة بين المجتمع والثقافة وليس قاعدة الحلم الثوري واحتكار السلطة للأدب.

بعد عام 2003 الذي يمثل نهاية الجيل الستيني السياسي، وخروج الجيل الستيني الأدبي من نفقه المعتم، لم يستعد أحد من الأدباء الستينيين إلا في حدود ضئيلة المعادلة الواقعية للأدب الحقيقي بين المجتمع والسلطة، لم يلق أحد منهم أردية النفق الآيديولوجي الخانق ويعيد وصفها على نحو جديد، يتصل بالمرجع والمحيط الأدبي الاجتماعي والإنساني حين كانت السلطات تصادره باسم الحلم الثوري السائر في رسم هزيل للانعطافات المجتمعية الموهومة المقبلة، وما كانت المرحلة التي أسدلت الستار على هذا الجيل مجرد طور زمني عابر، يمكّن الأدباء الستينيين من التواصل والإنتاج بنفس القدرة السابقة.

وإذا كان الجيل السياسي على نحو عام قد تمخض عن دنس التجربة، فإن مخاض الطهر الأدبي لدى الأدباء على نحو عام أيضاً، يساويه في نتائج الخيبة والفشل العميقين لكل التجربة اليسارية عربياً ومحلياً طالما أصيب الحلم الثوري بالإخفاق المريع، وهذا ما جعل القاص والروائي إبراهيم أحمد «وبالرغم من أنه يحسب على جيل ما بعد الستينيين»، ينظر بنفور إلى سنين الدنس، ويصب جام غضبه على الفاعلين السياسيين، فيما كشف جمعة اللامي الكبير في كتابه «مذكرات السومري» التمزقات السياسية وممارسة العنف والتنكيل داخل السجون من قبل السجناء أنفسهم.

إنها دعوة إذن لكتابة المذكرات على نحو يزيح العتمات عن الغامض وراء قصة الستينيات العراقية. بعد 2003 لم يستعد أحد من الأدباء الستينيين إلا في حدود ضئيلة المعادلة الواقعية للأدب الحقيقي بين المجتمع والسلطة