«بلاك بانثر» أول فيلم يعرض في صالات السينما السعودية

العد التنازلي بدأ بعد 35 عاماً على توقف العروض

لقطة من فيلم «بلاك بانثر»
لقطة من فيلم «بلاك بانثر»
TT

«بلاك بانثر» أول فيلم يعرض في صالات السينما السعودية

لقطة من فيلم «بلاك بانثر»
لقطة من فيلم «بلاك بانثر»

أكمل ولي العهد محمد بن سلمان، ما خطط له بزيارته لوس أنجلوس ولقاءاته التي حرص فيها على تسريع عجلة التغييرات الإيجابية التي كان باشرها منذ توليه المنصب أو حتى قبل ذلك. فزيارته لمعقل السينما العالمية لم تكن من باب التعرف والتعارف، بل لتنفيذ تلك التغييرات المطلوبة، ووضعها على الطريق الصحيحة والسريعة.
وبالاستناد إلى مصادر هوليوودية مطلعة، فإن اختيار شركة AMC لتكون الشريك الفعلي في إطار افتتاح صالات السينما في المملكة، وتوليها قيادة هذا القطاع منح عاصمة السينما العالمية فرصة كبيرة لزيادة مدخولها كما لتلبية حاجات المملكة من الصالات والأفلام وأدوات الترفيه المختلفة في الوقت ذاته.
وكانت المشاورات الأولى سبقت اللقاء الذي جمع بين ولي العهد السعودي والمدير العام لشركة AMC الأميركي أدام آرون ببضعة أشهر عندما وقّعت الشركة مذكرة تفاهم مع صندوق الاستثمارات العامة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2017؛ بهدف البحث في كيفية قيام تعاون فعلي بين المملكة وأكبر شركة صالات سينمائية في العالم.
- الأكبر والأكثر خبرة
الأرقام المطمئنة للجهتين كانت موضع طرح: المملكة العربية السعودية هي سوق نابضة تنطلق من قوقعتها السابقة؛ فعدد السكان يتجاوز الـ32 مليون شخص، من بينهم نسبة كبيرة من الشباب الذين سيشكلون النسبة الأعلى من مشتري التذاكر. هذا ما يعني أن عدد التذاكر المتوقع بينها في العام الواحد سيتجاوز 80 مليون تذكرة. فإذا كان سعر التذكرة الواحدة 10 دولارات (كما هو متوقع) فإن الناتج، في مرحلة لا تتجاوز خمس سنوات، سيبلغ 800 مليون دولار. هذا ليس فقط أعلى رقم تحققه دولة عربية في هذا القطاع، بل أحد أعلى الإيرادات حول العالم.
AMC تنوي افتتاح ما يقارب من 350 صالة عرض سينمائي خلال الأعوام القليلة المقبلة، وكل دار منها ستتألف من ثماني إلى عشر (وربما أكثر) شاشات؛ ما يتيح لهذا الرقم المرتفع أن يتحقق براحة. إذا أضفنا إلى ذلك قيام مستثمرين آخرين بالتقدم لبناء صالاتهم أيضاً، فإن الناتج حركة سينمائية غير قابلة للمقارنة.
AMC ليست أكبر مؤسسة صالات سينما في العالم، بل من أقدمها، إن لم يكن أقدمها فعلاً، فقد أنشئت سنة 1920 قبل سنوات كثيرة من قيام شركات أخرى مثل «سينيمارك» و«ريغال». ونموها لم يتوقف، خصوصاً في العامين الأخيرين؛ فهي ابتاعت سنة 2016 شركات مماثلة لها مثل Odeon وUCI وCarmike، وبذلك ضمت إليها 2200 شاشة في 244 صالة في أوروبا وحدها. هذا بالإضافة إلى 8200 شاشة موزعة في 661 صالة في الولايات المتحدة الأميركية.
تستنفذ هذه الصالات طاقات كبيرة. المسألة ليست مجرد مبان وعقارات، بل الأهم منها ما يدخل في هذا الإطار من تجهيزات حديثة. والمملكة تصيب هنا أعلى النقاط؛ فكونها جديدة على ساحة العروض السينمائية (والترفيهية عموماً) سيمكنها من اقتناص أفضل التجهيزات وأحدثها. بذلك هي تقتنص من أعلى ثمار الشجرة التي يبلغ عمرها الآن أكثر من 120 سنة.
كذلك، يحط القرار الرشيد بتحديث أوجه الحياة اليومية للمواطن السعودي والمقيم في المملكة في وقت لم يعد من الممكن فيه تجاهل وجود أفلام بات من الأهمية بمكان كبير أن تُـشاهد على الشاشات الكبيرة. لا يمكن، في هذا المجال، مشاهدة أفلام هوليوود خصوصاً (لكن أفلام السينما العالمية بأسرها على نحو عام) على شاشات المنازل والإنترنت. ليس فقط لأن ربع المتعة هو ما يصل للمشاهد في هذه الحالة، بل لأن الاندماج في العمل السينمائي المعروض لا يمكن أن يكون واحداً على الإطلاق.
- محارب ذكي
الفيلم المختار لكي يكون الفيلم الأول الذي سيفتتح صالات المملكة في الثامن عشر من هذا الشهر، إنتاج ملائم جداً للمناسبة، وعلى أكثر من صعيد. إنه Black Panther الذي يعد، وقد تناولناه سابقاً، أنجح أفلام العام الذي ما زلنا في بدايته.
آخر حصيلة مالية حققها هذا الفيلم حول العالم فاضت على المليار ببضعة ملايين. تحديداً، وحتى الساعة، مليار و280 مليون دولار، وهو ما زال نشطاً، بعد أكثر من شهر على بدء عروضه، في عواصم أوروبية وآسيوية على حد سواء. وهو ليس نتاجاً تجارياً ناجحاً فقط، بل ألهب حماس النقاد الدوليين كونه عملاً جيداً وجديداً من صنفه.
«بلاك بانثر» مأخوذ عن شخصية كوميكس أميركية أوجدتها دار النشر المتخصصة «مارفل» سنة 1966. هذا كان الظهور الأول لشخصية ذلك البطل الأفريقي ذي القدرات الخارقة. ليس من قبيل الصدفة أنها السنوات التي كان السود الأميركيون يعيشون حالة غليان كبير نتيجة الوضع العنصري الذي كان سائداً حينها. كما ليس من قبيل الصدفة أن الستينات كانت العقد الذي بدأت به حركات التحرر الأفريقية.
الفيلم ذاته ينطلق من هذا المحور السياسي ليتحدث عن رغبة الملك الأفريقي بلاك بانثر تجنيب تحويل بلده واكاندا إلى شريك في الحروب الدائرة، وذلك بإبقاء الطاقة الهولوغرافيكية في البلاد في خدمة التطور الصناعي والتكنولوجي، في حين كانت باقي دول القارة واقعة تحت «القمع الاستعماري»، حسب وصف الفيلم.
«بلاك بانثر» في صلبه، ليس شخصية سوبرمانية فقط، بل لها مزايا غير متوفرة عند «السوبرهيروز» الآخرين. مثلاً لديه مستوى ذكاء بدرجة عبقري، ومهارات قتال يدوية وقدرات على تحدي قوانين الجاذبية وتطويع الزمن للانتقال بسرعة غير محسوبة بين المواقع حسبما يشاء.
ولعل رسالة الفيلم لا تكتمل، حسب المواصفات السابقة، من دون الإشارة إلى أنه لا يحارب في هذا الفيلم وحده، بل إن معاونيه الأساسيين في صراعاته هم من المحاربات الأفريقيات الإناث. هذا ما يدلف بالفيلم إلى حيث تتوقع المملكة تحقيق المعاملة المتساوية ما بين الذكور والإناث في مجتمع جديد يقبل على تحقيق وثبة كبرى بحلول 2030 كما خطط لها ولي العهد، حاشداً الأولويات كلها في سبيل هذه الغاية.
- الحدث الأهم
إلى حين قريب تم وصف قرار المملكة العربية السعودية بفتح أبوابها لصالات السينما والسماح بعرض الأفلام في قاعات حديثة ورحبة بعد 35 سنة على توقف أي نوع من العروض العامّـة هو حدث السنة لعام 2017.
لكن على عكس كثير من الأحداث، فإن ذلك الحدث ليس من النوع الذي يقع ثم يتوقف. ذلك لأن تخصيص ولي العهد محمد بن سلمان، الوقت وجزءاً كبيراً من غرض الجولة الأميركية التي قام بها لهوليوود هو بحد ذاته لا يقل أهمية عن الحدث السابق. ليس فقط لأن هوليوود عاصمة العالم السينمائية، بل لأن الأمير الشاب يقرن الطموح بالفعل أيضاً متوّجاً الزيارة بعدد من الاتفاقيات التي تكشف عن درايته وإدراكه أن السينما وحقول الترفيه الأخرى سبيلاً مهماً لحركة التطوير التي بدأت لكي تستمر.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز