العثماني: «مينورسو» لا تضبط أراضي المنطقة العازلة بالصحراء

TT

العثماني: «مينورسو» لا تضبط أراضي المنطقة العازلة بالصحراء

في أول رد مغربي على تشكيك منظمة الأمم المتحدة في صحة الاتهامات التي وجهتها الرباط إلى جبهة البوليساريو، بشأن قيامها بتوغلات في المنطقة العازلة بالصحراء، أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أن اتهامات بلاده لجبهة البوليساريو الانفصالية حقيقية، ولا تقبل التشكيك، معربا عن استعداده لتقديم جميع التوضيحات لمن يطلبها.
وقال العثماني، في تصريح صحافي على هامش انعقاد الاجتماع الأول للجنة الوطنية لمكافحة الفساد، أمس، بالرباط: «ليس هناك أي تشكيك في الرواية الرسمية المغربية حول تطورات قضية الصحراء ومناورات الانفصاليين». وأضاف أن بعثة «مينورسو» التي تتولى مراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين «لا تضبط جميع الأراضي»، وذلك في رد مباشر على تصريحات المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الذي قال إن بعثة (مينورسو) «لم تلحظ أي تحرك لعناصر عسكرية في المنطقة الشمالية - الشرقية»، وأكد أنها «تتابع مراقبة الوضع من كثب».
وزاد العثماني موضحا: «نتوفر على إعلانات شبه رسمية للانفصاليين بأنهم يريدون إقامة إدارة الدفاع في منطقة (بير لحلو)، ويريدون إقامة مقر الرئاسة في منطقة تفاريتي، وهذا ليس كلاما»، مشددا على أن إعلام الجبهة الانفصالية «يطبل لهذا الأمر ويدعي بأن هناك أراضي محررة وأنهم سيستقرون بها».
ومضى رئيس الحكومة قائلا: «فعلا جرى استقبال سفيرين لدولتين لدى هذه الدولة غير الموجودة على الخريطة في هذه الأرض، ولذلك هناك انتهاكات حقيقية، والمغرب سيقدم جميع التوضيحات لمن يطلبها»، وذلك في تأكيد قاطع على أن الرباط تتوفر على أدلة تثبت قيام «بوليساريو» بتحركات في المنطقة العازلة تروم تغيير الوضع الميداني للمنطقة.
وجدد العثماني التأكيد على أن المنطقة العازلة في الصحراء تابعة للمغرب، ولا يمكن قبول أي تحرك أو تغيير فيها، «هذه أرض مغربية ولا يمكن أن يتحرك أي شيء إلا بإذن مغربي»، معتبرا أن رد الفعل المغربي الذي وصفه بـ«القوي» أدى إلى «ارتباك الانفصاليين في خطابهم، وأصبحوا يقولون عكس ما كانوا يصرخون به من قبل»، حسب تعبيره.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن لقاء جمع مساء أول من أمس (الثلاثاء)، رئيس الحكومة مع مسؤولين في وزارة الخارجية والتعاون الدولي للتباحث في تطورات ملف الصحراء، وتصريحات ممثلي الأمم المتحدة حول الموضوع، حيث يتوقع أن تصدر الخارجية المغربية بيانا في الموضوع في غضون الساعات المقبلة.
وأشار العثماني إلى أن المملكة حريصة على التواصل مع منظمة الأمم المتحدة في الموضوع، لافتا إلى أن وزير الخارجية ناصر بوريطة، حل بالولايات المتحدة للتواصل مع واشنطن ومنظمة الأمم المتحدة حول الموضوع، مؤكدا أن «الإدارة المغربية مسلحة بهذه التفاصيل وعلى وعي بأن المعركة مربوحة»، حسب رأيه.
والتقى بوريطة، أول من أمس في واشنطن، مع نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان، حسب بيان للخارجية الأميركية. وقال هيدر نوايرت، الناطق باسم الخارجية الأميركية، إن المباحثات بين الوزيرين خلال هذا اللقاء تناولت عمق العلاقات المغربية - الأميركية والتعاون بين البلدين.
وأشار إلى أن سوليفان عبر للوزير المغربي عن امتنانه وشكره للمغرب على الصداقة المتينة التي تربطه بأميركا، كما عبر عن تثمينه للشراكة القوية للبلدين وتعاونهما في العديد من المجالات ذات الأولوية بالنسبة لكليهما، بما في ذلك الحرب الشاملة على «داعش».
وتناولت المباحثات بين بوريطة وسوليفان الجهود المبذولة من أجل تحقيق السلام على الصعيد الإقليمي. وأعربت واشنطن عن دعمها للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، من أجل إيجاد حل سياسي مستدام ومقبول من الطرفين لنزاع الصحراء الطويل الأمد، حسب الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.