في خضم الفوضى.. الفرصة تبدو سانحة للأكراد لتعزيز مكاسبهم

ضابط كبير في البيشمركة بكركوك: هناك أيام خطيرة مقبلة.. وقتال أكثر

أحد وجهاء المكون الشيعي في كركوك يعبر لعنصر في البيشمركة أمس عن ترحيبه بوجود القوات الكردية في المدينة (أ.ف.ب)
أحد وجهاء المكون الشيعي في كركوك يعبر لعنصر في البيشمركة أمس عن ترحيبه بوجود القوات الكردية في المدينة (أ.ف.ب)
TT

في خضم الفوضى.. الفرصة تبدو سانحة للأكراد لتعزيز مكاسبهم

أحد وجهاء المكون الشيعي في كركوك يعبر لعنصر في البيشمركة أمس عن ترحيبه بوجود القوات الكردية في المدينة (أ.ف.ب)
أحد وجهاء المكون الشيعي في كركوك يعبر لعنصر في البيشمركة أمس عن ترحيبه بوجود القوات الكردية في المدينة (أ.ف.ب)

الكرسي الذي جلس عليه العقيد عماد محمد كان لأحد قادة الجيش العراقي، وكذلك الكوب الصغير الذي كان يشرب منه الشاي، وكذلك المنفضة التي كان يطفئ فيها سجائره، وطاولة تنس الطاولة وجهاز الركض الموضوعان خارج مكتبه.
قال محمد مشيرا إلى الجنود العراقيين، الذين هربوا الأسبوع الماضي عقب حصار المسلحين المتطرفين لشمال العراق: «لقد تركوا كل شيء خلفهم».
محمد هو ضابط في قوات البيشمركة، وهي قوات الأمن الكردية التي احتلت قاعدة جوية في كركوك، التي كانت موقعا للجيش الأميركي ومن ثم للجيش العراقي. وفي سبيل ذلك، حصل الأكراد على مدينة منقسمة يعتبرها كثيرون منهم وطنهم الروحي. فهي غنية بالبترول، الأمر الذي قد يسرع من سعي الأكراد، الذي طال أمده، من أجل الاستقلال الاقتصادي وإقامة دولتهم في نهاية المطاف.
لكن عندما كان العقيد محمد يتحدث خلال مقابلة الأسبوع الماضي ظل جنوده يتدافعون، مما يفسر لماذا لم يحتفل الأكراد إلى الآن. والجواب هو أنه لا تزال هناك شكوك كبيرة وقتال كبير.
في وقت سابق من اليوم نفسه، بعث محمد بوحدة للدفاع عن قرية كردية في ضواحي كركوك التي تعرضت لهجوم المسلحين. وواجه مقاتلوه مقاومة شديدة، مما جعلهم في حاجة إلى دعم، وطلب أسلحة أثقل، مثل الأسلحة المثبتة على شاحنات كبيرة، وتقوم بإطلاق قذائف تخترق الدروع.
قال العقيد محمد: «هناك أيام خطيرة مقبلة وقتال أكثر». وفي كل الأحوال، كان التقدم السريع للمسلحين في الموصل وفي الجنوب نحو بغداد كارثيا على العراق، لكنه يثير احتمالات بعضها يعد جيدا للأكراد الذين حققوا بالفعل شوطا كبيرا نحو الحكم الذاتي في الشمال. فإذا كان بإمكانهم الدفاع عن حدودهم، وعدم الانجرار نحو مأزق دموي بين الجيش العراقي وحلفائه من المسلحين الشيعة من جهة، والمسلحين السنّة من جهة أخرى، فربما يستطيع الأكراد أن يقيموا دولتهم التي حلموا بها لقرون.
وفي الوقت الذي يسعى المسلحون السنّة فيه وراء محو الحدود التي رسمها الاستعمار عقب الحرب العالمية الأولى بين العراق وسوريا، يرغب الأكراد في رسم حدود جديدة على امتداد الأراضي شمال العراق. وهدفهم النهائي أكثر طموحا، ويتمثل في توحيد الأقليات الكردية التي تتوزع على أربعة بلدان؛ سوريا والعراق وتركيا وإيران.
والآن يقول المسؤولون الأكراد إنهم لا يزالون جزءا من العراق، لكنهم يزعمون بأنه من حقهم أن يستقلوا إذا اختاروا ذلك. ويقول فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان بزعامة مسعود بارزاني: «أنا أسميه عراق ما قبل وما بعد الموصل. هاتان فترتان مختلفتان. إنه موقف جديد بالنسبة لنا، وحقبة مختلفة». وأضاف: «حتى هذه اللحظة التي أتحدث فيها إليك، نحن ملتزمون بدستور العراق».
لكن السؤال هو: إلى متى سيمتد هذا الالتزام؟
بدا أن الأمور ستحل في كركوك التي مثلت إحدى أكثر المشكلات استعصاء على الولايات المتحدة، التي حاولت وفشلت في التوصل إلى ما إذا كانت المدينة تتبع الحكومة المركزية أو الإقليم الكردي. الآن يقول الأكراد الذين يسيطرون عليها بشكل كامل إنهم لن يتخلوا عنها أبدا، وهو الموقف الذي ينذر باندلاع صراع جديد إذا عادت قوات الحكومة العراقية.
ويحاول نجم الدين كريم، محافظ كركوك، أن يدير الأزمة بتعزيز السيطرة الكردية، لكنه يتواصل مع الجماعات الأخرى في المدينة، من عرب سنة وتركمان بشكل رئيس. كما يحتاج أيضا إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة المركزية، لأن العراق لديه مصدر رئيس للدخل هو النفط، الذي تسيطر عليه بغداد، وتقوم بتوزيعه على المحافظات.
وأعلن أن الحكومة تعهدت بتمويل المحافظة في الوقت الراهن، وهو ما يعني أنه سيتمكن من الاستمرار في دفع رواتب ضباط الشرطة المحليين من أجل تأمين المدينة.
ويتبنى كريم، الذي يحمل الجنسية الأميركية وعاش من قبل في ولاية ماريلاند ويعمل جراح أعصاب، موقفا صارما بشأن عدم السماح بأن تعود كركوك إلى الوضع الغامض الذي كانت عليه مدينة مقسمة. لكنه يظل يقول أيضا إن العرب والتركمان «يجب أن يكون لهم رأي في هذا الشأن».
وقال: «لا يمكن للعراق بكامله، وليس كركوك فقط، أن يعود إلى الوضع الذي كان عليه سابقا».
* خدمة «نيويورك تايمز»



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.