دمشق تعد إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا دون موافقتها «عدوانا»

المعارضة تنتقد التقاعس الدولي.. ونصف سكان البلاد بحاجة إلى إغاثة «ملحة»

دمشق تعد إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا دون موافقتها «عدوانا»
TT

دمشق تعد إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا دون موافقتها «عدوانا»

دمشق تعد إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا دون موافقتها «عدوانا»

أعلنت الأمم المتحدة أن عدد السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية ملحة ارتفع إلى 10.8 مليون شخص، أي نحو نصف سكان سوريا البالع عددهم 22 مليون نسمة، في وقت أنذرت الحكومة السورية مجلس الأمن الدولي بأنها ستعد إدخال المساعدات الإنسانية عبر حدودها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، من دون موافقتها، بمثابة عدوان، وستحتفظ لنفسها بحق الرد على دخول القافلات.
وأبدت الحكومة السورية، في رسالة وزعتها الجمعة على أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر، أثناء مناقشة الدول صاحبة حق النقض (الفيتو) مشروع قانون لإتاحة دخول المزيد من المساعدات، رفضها مسعى الدول الغربية استصدار قرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يجعله ملزما قانونا ويسمح بالقيام بعمل عسكري أو اتخاذ إجراءات أخرى مثل فرض عقوبات. وقالت إن «تقديم إغاثة بالتنسيق مع منظمات إرهابية ودون استشارة الدولة السورية يوازي هجوما على سوريا».
وأفادت الرسالة التي تحمل تواقيع عشرات المحامين السوريين والعرب، ومؤرخة في الثامن عشر من الشهر الحالي، بأن «الهدف الوحيد من المبادرة هو استخدام رعاية الأمم المتحدة في توصيل الدعم اللوجيستي للإرهابيين»، علما بأن مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري هو من تولى إرسالها إلى أعضاء مجلس الأمن.
وعد الموقعون على الرسالة، وفق ما ذكرته وكالة رويترز، أن «استيراد المساعدات بالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية ودون التشاور مع الحكومة السورية سيصل إلى حد الاعتداء على الدولة السورية وعلى سلامة أراضيها واستقلالها السياسي»، مبررين رفض الحكومة السورية إدخال المساعدات من دون موافقتها بأنه «يرتكز على ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية والقانون السوري لمكافحة الإرهاب». وتابعت الرسالة: «إذا وصفه أحد بأنه تعسفي فإننا ندعوه لتقديم الأساس القانوني لحجته التي تصل إلى حد قول إن الطريقة الوحيدة لحماية المدنيين من الإرهاب ليست بمكافحته وإنما بالتعاون معه».
وكان مجلس الأمن وصل إلى درجة نادرة من الوحدة عندما وافق بالإجماع على قرار في فبراير (شباط) الماضي، يقضي «بتسهيل دخول المساعدات إلى سوريا بسرعة وأمان ودون عائق». لكن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أدان أول من أمس بشدة استمرار رفض دمشق السماح للقوافل الإنسانية بالمرور عبر الحدود السورية مع تركيا والعراق والأردن، وفق ما نص عليه القرار المذكور.
وتنظر المعارضة السورية إلى قرار الحكومة السورية على أنه «تحد» جديد للمجتمع الدولي غير القادر على التحرك على المستويات كافة لإنقاذ الشعب السوري. وقال عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» ورئيس المجلس الوطني السابق عبد الباسط سيدا لـ«الشرق الأوسط» إن رسالة النظام السوري إلى مجلس الأمن «تكشف عنجهية النظام ومدى استهتاره بالمواثيق والأعراف الدولية»، معربا عن اعتقاده أنه «لم يكن ممكنا فعل ذلك لولا معرفته المسبقة بأن المجتمع الدولي سلبي تجاه أزمة سوريا وبالتالي لن يحاسب (النظام) على ما يفعله من أي جهة».
وتعارض السلطات السورية مرور مساعدات عبر حدودها لأنها ستذهب مباشرة إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة وخصوصا على الحدود مع تركيا. وتناقش الدول الأعضاء في مجلس الأمن منذ أسابيع مشروع قرار يتعلق بنقل مساعدات إنسانية عبر الحدود السورية مع الأردن والعراق وتركيا.
وتزامن موقف الحكومة السورية مع إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في تقريره الشهري الذي رفعه إلى مجلس الأمن الدولي، أن «4.7 مليون من السوريين موجودون في مناطق يصعب (إن لم يكن يستحيل) وصول العاملين في المجال الإنساني إليها، بما في ذلك 241 ألف شخص في مناطق محاصرة»، لافتا إلى أنه «لا يوجد أي تقدم على صعيد وصول المساعدات الإنسانية إلى كل الأشخاص الذين هم بحاجة لها في سوريا وخصوصا الأشخاص الموجودين في مناطق يصعب الوصول إليها».
وقال في تقريره الرابع الذي يغطي الفترة الممتدة من 20 مايو (أيار) الماضي إلى السابع عشر من الشهر الحالي، إنه «من أصل 10.8 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، وهي زيادة نسبتها 17 في المائة أو 1.5 مليون شخص عن التقديرات السابقة، هناك نحو 6.4 مليون نازح في الداخل». وأكد أن «الجهود لتوسيع المساعدات الإنسانية إلى أكثر المحتاجين إليها واجهت تأخيرا وعراقيل»، مشيرا إلى «إجراءات جديدة اتخذت قبل شهرين أدت إلى مزيد من التأخير وقللت من وصول العاملين في القطاع الإنساني إلى أماكن أبعد، بدلا من تحسين ذلك».
وفي سياق متصل، أشار سيدا في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «إذا اعتمدنا تقديرات الأمم المتحدة، التي غالبا ما تكون الأرقام قديمة؛ إذ تأتي بعد عملية تدقيق وهناك روتين يسبق الإعلان عنها، فإننا نستنتج أن حجم الكارثة كبير وبكل المقاييس، وهو ما يعيد التأكيد على تداعيات الموقف السلبي للمجتمع الدولي إزاء ما يحصل في سوريا على المستويات كافة».
وقال سيدا إن «الأرقام مرعبة، لكن ما يستشف مما يجري في سوريا وأخيرا في العراق، أن هناك حسابات دولية كبرى، لدرجة أن عذابات الشعب السوري ومآسيه والجرائم التي ترتكب بحقه لن يحسب لها أي حساب طالما أن هناك خطة استراتيجية كبرى لها أولوياتها وحساباتها». ولا يزال نحو 241 ألف شخص محاصرين في سوريا، بينهم 196 ألفا من قبل القوات النظامية خصوصا في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين ومنطقة الغوطة بالقرب من دمشق بالإضافة إلى 45 ألف شخص محاصرين من قبل مجموعات المعارضة في بلدتي نبل والزهراء. ولم تصل مساعدات الأمم المتحدة، وفق تقرير أمين عام الأمم المتحدة، «إلا إلى منطقتين محاصرتين هما اليرموك ودوما» وبعينات ضئيلة جدا أي بنسبة واحد في المائة وسبعة في المائة على التوالي للسكان المحاصرين في هاتين المنطقتين.
طبيا، أفاد التقرير ذاته بأن توزيع الأدوية «ما زال يخضع لعقبات» أدت إلى «توزيع غير متكافئ كليا بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، إذ لم تتلق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة سوى 25 في المائة من المساعدة الطبية الإجمالية التي رصدت للفصل الأول من عام 2014».
وحذر تقرير بان كي مون من «التقدم الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، مشيرا إلى أنه سيؤدي إلى تفاقم الوضع في سوريا. وقال إن هذا الاختراق «سيكون له تأثير مباشر على المحافظات في شرق سوريا خصوصا في دير الزور والرقة وقد يعزز وجود المجموعات المتطرفة في المناطق السورية التي يسيطر عليها (داعش)».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.