هل نشهد عودة للصالونات الأدبية العربية؟

في تجربة الملتقى الثقافي الكويتي

من فعاليات الملتقى الثقافي الكويتي
من فعاليات الملتقى الثقافي الكويتي
TT

هل نشهد عودة للصالونات الأدبية العربية؟

من فعاليات الملتقى الثقافي الكويتي
من فعاليات الملتقى الثقافي الكويتي

من الثابت تاريخياً أن بروز ظاهرة الصالونات الأدبية أثّر بشكل كبير على الحركة الثقافية والتحول السياسي والاجتماعي في أوروبا، حيث كان الظهور الحقيقي للصالون الأدبي بشكله الحديث، منذ ظهور الصالون الأدبي في إيطاليا «إيزابيلا ديستيه» ثم انتقاله إلى فرنسا «مادلين دوسكيديري» و«كونرار» و«بروكوب» -الذي كان أدبياً صرفاً ارتاده فولتير وقادة الثورة الفرنسية– وبريطانيا «مارزين» في القرن السادس عشر وما تلاه من قرون.
عُرف الصالون الأدبي مقراً يستضيف فيه مثقف مجموعةً من المثقفين لتبادل المعارف والحوارات الثقافية والأفكار التي من شأنها أن تنهض بالمجتمع والدولة فكرياً وثقافياً وتنموياً في عدة مجالات حضارية، وعادةً يهتم ذوو الوجاهة والأثرياء بإدارة الصالون الأدبي لرعاية الأدب والفن.
قد يختلف الباحثون في تحديد أقدم صالون أدبي عرفه التراث العربي تبعاً لتحديد المفهوم وخصائصه الذي يحدده كل باحث، فالملوك العرب في العصر الجاهلي كانوا يجمعون الشعراء وأهل البلاغة لسماع منتجاتهم الأدبية والمفاضلة بينهم. سوق عكاظ كانت إحدى العلامات التاريخية البارزة في هذا المجال، لكن بعضهم يؤكد أن سكينة بنت الحسين كانت تدير أشهر ملتقى ثقافي عربي، حيث يجتمع عندها نخبة الأمة من علماء وفقهاء ولغويين وشعراء وفصحاء، يتناقشون ويتحاورون ويتنافسون بحضرتها وقد كانت أحياناً ترجّح بينهم أو تُغلّط بعضاً منهم أو توجّه برؤية نقدية حاذقة مبنية على أصول الموازنة النقدية، مروراً بصالونات الخلفاء الأمويين والعباسيين، ولعل من أشهرها الصالونات التي كان يقيمها الخليفة المأمون العباسي.
في العصر الحديث؛ اشتهرت في مصر وبعض البلدان العربية صالونات ثقافية مهمة أثّرت في الحركة الاجتماعية الفكرية والثقافية، من أشهرها صالون الأميرة نازلي وصالون ماريانا في حلب، وكان صالون مي زيادة من أهم الصالونات العربية في العصر الحديث، حيث ارتاده نخبة من ألمع المثقفين والمفكرين العرب.
نهض المجتمع العربي منذ أواسط القرن الماضي في مجالات الثقافة والذوق الأدبي الرفيع وكانت أوعية الثقافة من مجلات ثقافية وصالونات أدبية ودور نشر تزخر بالأعلام ومنارات الفكر الذين يستخرجون من أعماق الإبداع الدرة تلو الدرة، مما أثّر إيجاباً على سطوع شمس النقد، فتنادى المبدعون والنقاد للتعاون في صقل هذه الدرر، حتى وصل الاسم العربي إلى أرفع جائزة عالمية في «نوبل للآداب».
الكويت كانت مثل شقيقاتها العربيات ترفل بثوب العز الثقافي فكانت بحق رائدة الثقافة في منطقتنا الخليجية، لكن بعد ثورة المعلومات، واختلاط الغث بالسمين في الفكر والأدب، وارتماء بعض الأجيال الجديدة في حضن ما يسمى «الثقافة الضبابية»، تداعى كثيرون من النخب الثقافية لإقامة فعاليات وصالونات أدبية متعددة، إلا أن بعضها فشل ولم يستمر وبعضها تراجع في مساره، وفي وسط هذا الضجيج الفكري لمعت بقعة ضوء «الملتقى الثقافي» الذي تولدت فكرته عند الروائي طالب الرفاعي الذي كان مهتماً بإخراج الإبداع الكويتي من دائرة المحلية إلى دائرة العربية، وقد دعمه في خروج فكرة الملتقى إلى النور مجموعةٌ من النخبة الأدبية والمثقفة في الكويت يتقدمهم إسماعيل الفهد وليلى العثمان اللذان يشكّلان مع طالب الرفاعي مثلث الرواية الكويتية.
يقول الرفاعي في نشرة الملتقى الثقافي الأول: «لقد راودتني منذ أعوام فكرة تأسيس ملتقى ثقافي يهتم بالشباب المبدع ويرعى ويشجع نتاجهم ويدفع بهم إلى مزيد من العطاء والنجاح».
قرر المؤسسون اختيار منزل الأديب الرفاعي مقراً لفعاليات الملتقى، كما حددوا أهداف الملتقى التي تنبثق من رسالته السامية في العمل على تشجيع ونشر وتأكيد أهمية الإبداع والثقافة والفن الإنساني النزعة.
الملتقى الثقافي الذي تبناه الرفاعي ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير لكنه ها هو في سنته السابعة يحقق نجاحاته ويواصل دوره الحيوي في نشر الثقافة ومد جسورها بين الأجيال المتعاقبة في الكويت، كما أن الملتقى يواصل تطوير نفسه عبر دينامو حيوي يعمل بلا توقف عن بذل أسباب النجاح واستمرارية العمل في تحقيق الأهداف المنشودة للملتقى الثقافي.
وللباحث أن يتوقف عند عدة نقاط يستلهم منها أسباب هذا النجاح والتفوق على نظرائه من الصالونات الأدبية لعل من أهمها:
- شخصية العقل المدبر والمدير لهذا الملتقى الثقافي، الأديب طالب الرفاعي.
- وجود نخبة رائدة من الأدباء تؤازر الفكرة وتعمل على استمراريتها، إيماناً منهم بأهمية رسالة وأهداف الملتقى.
- الملتقى الثقافي لم يقوقع نفسه داخل دائرة الأدب الروائي فقط، حيث غالب النخبة المؤسِّسة تنتمي إليه، بل إنه وسّع الدائرة لتشمل أمسياته جميعَ فروع الثقافة والفكر والفن، شعراء وروائيين ونقاداً ومفكرين وباحثين وكتّاباً وتشكيليين ورسامي كاريكاتير وموسيقيين وناشرين وسينمائيين ومسرحيين وضيوفاً عرباً وأجانب من أعلام الثقافة، وبالتالي تنوعت موضوعاته وقضاياه الإبداعية.
- حرْص الملتقى الثقافي على مد الجسور بين الأجيال فيجتمع للحوار معاً الرواد الكبار والجيل الشبابي الواعد الذي ينهل من خبراتهم ومعارفهم وتجاربهم النافعة.
- عند حضورك لإحدى أمسيات الملتقى الثقافي ستشعر حتماً بأن الملتقى تجاوز الحدود وجمع المثقفين الموجودين في الكويت دون النظر إلى جنسياتهم أو هوياتهم أو مرجعياتهم الفكرية والآيديولوجية.
اللافت للنظر أن الملتقى الثقافي ورغم حضور وإشادة الكثير من المسؤولين الحكوميين به فإنه لم يحظَ بدعم حكومي أو تبنٍّ رسمي له ليصبح واجهة ثقافية كبرى للكويت، ورغم انطلاق جائزة الملتقى للقصة القصيرة بالشراكة مع الجامعة الأميركية في الكويت (قطاع خاص) وما لذلك من أهمية في إعادة الاهتمام بفن القصة القصيرة التي تقلص الاهتمام بها لصالح فن الرواية، ورغم نجاح هذه المسابقة التنافسية في دوراتها السابقة فإننا نستغرب التجاهل الإعلامي التلفزيوني والصحافي المحلي المريب لهذه الجائزة إلا ما لا يكاد يُذكر رغم الاهتمام العربي الكبير بها.
ولم يعد خافياً على أحد من المهتمين بالثقافة أن كل من ينتمي إلى الحقول الثقافية يطمع ويطمح أن يكون أحد ضيوف الملتقى المحتفى بهم ليسجل اسمه جنباً إلى جنب مع الكبار وليحصل على شهادة معنوية كبيرة أنه من المبدعين الذين نالوا شرف التكريم من الملتقى الثقافي الكويتي.
نأمل من الملتقى الثقافي بقيادة الأديب الكبير طالب الرفاعي الاستمرار في تحقيق النجاحات والإنجازات التي تضاف إلى رصيد الثقافة والفكر الكويتي والخليجي بشكل عام.
- كاتب وناقد كويتي



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».