علماء إسرائيليون يحذرون نتنياهو: التبجح على أوروبا سيدمر المصالح الوطنية

في الوقت الذي يحاول فيه قادة اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية إقناع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، برفض شروط المقاطعة الأوروبية للمستوطنات وبالرد على المقاطعة بمقاطعة إسرائيلية مضادة، توجه مجموعة كبيرة من العلماء الإسرائيليين إلى نتنياهو بواسطة وزير العلوم، يعقوب بيري، يحذرونه من خطورة مثل هذا {التبجح}. وأوضحوا له أن {إسرائيل لا تمتلك من القوة أن تحارب أوروبا في هذا الموضوع}، ودعوه إلى البحث عن حل إبداعي للمشكلة يضمن استمرار التعاون بين الطرفين.
وزادت هذه الرسالة من ارتباك نتنياهو، الذي يحتار بين الطرفين. وحسب مصادر في مكتبه، سيعقد في غضون يومين اجتماعا يتم فيه بحث الموضوع من جميع جوانبه ليبت فيه، علما بأن عليه اتخاذ قرار سريع في الموضوع. فالأوروبيون منحوه مهلة حتى الرابع عشر من الشهر الجاري ليتخذ قرارا نهائيا. فإذا قبل على نفسه شروط الاتحاد الأوروبي في موضوع الاستيطان، الذي يعني اعترافه بحدود إسرائيل داخل الخط الأخضر فقط، سيتم ضمه إلى مشروع {هورايزون 2020} وتربح نحو 20 مليار دولار، وإذا لم يقبل ستخرج إسرائيل من المشروع وتخسر هذا الدعم.
و«هورايزون 2020}، هو مشروع البحوث العلمية والفضائية لدول الاتحاد الأوروبي للسنوات 2014 وحتى 2020. بواسطته يتم تجميع خيرة العلماء في البلدان المشاركة وتنسيق بحوثهم وتبادل تجاربهم ورصد تمويل ضخم للأبحاث. وتتركز الأبحاث على تطوير قدرات الاتحاد الأوروبي على معرفة أسرار الكون وحل مشكلات البيئة وتطوير البحوث الطبية والتعاون في أبحاث الفضاء. وفي حينه وافقت دول الاتحاد، على طلب إسرائيل المشاركة فيه، بشكل استثنائي، لتكون الدولة الوحيدة المشاركة من خارج أوروبا.
ووفقا لشروط هذا المشروع، تدفع إسرائيل 600 مليون يورو للمشروع خلال سبع سنوات، وتقبض بالمقابل مبلغ مليار يورو لتمويل البحوث في جامعاتها ومعاهدها، والتي تجري بالتنسيق والشراكة مع الأوروبيين. وفي حينه اعتبرت موافقة الأوروبيين على ضم إسرائيل بمثابة إنجاز هائل يقفز بإسرائيل إلى عالم آخر من ناحية مستوى الأبحاث وحجم الاستثمارات.
وحسب وزير العلوم، يعقوب بيري، ستصل الفوائد الإسرائيلية المالية من المشروع إلى 20 مليار يورو في السنوات العشرين المقبلة وربما أكثر، علاوة على الفوائد العلمية.
ولكن الاتحاد الأوروبي قرر في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، التعامل فقط مع إسرائيل في حدود الخط الأخضر ومقاطعة المستوطنات ومعاهدها أو كل بحث يقع في المناطق المحتلة عام 1967 ويعتبر كل تعامل خارج الحدود خرقا للاتفاقيات الموقعة. وهذا يعني أن المشاركة الإسرائيلية في مشروع {هورايزون 2020} ستكون مشروطة بالاعتراف الرسمي الإسرائيلي بأن حدودها هي حدود عام 1967، مما يبطل القرارات والقوانين التي سنت في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لضم القدس الشرقية وهضبة الجولان السورية إلى تخوم إسرائيل. وهذا يتناقض مع سياسة حكومات إسرائيل بمختلف أحزابها، وخصوصا حزب الليكود اليميني الحاكم اليوم.
وبادر وزير التجارة والصناعة رئيس حزب المستوطنين {البيت اليهودي}، نفتالي بينيت، سوية مع نواب ووزراء حزبه وعدد من نواب ووزراء الليكود إلى حملة لإقناع نتنياهو بأن يرد على المقاطعة الأوروبية بمقاطعة إسرائيلية. وراح يتبجح قائلا إن أوروبا أيضا بحاجة للأبحاث الإسرائيلية وإن الحكومة الإسرائيلية تستطيع تحويل مبلغ 600 مليون يورو إلى معاهد الأبحاث الإسرائيلية مباشرة ولن تحتاج إلى الأموال الأوروبية.
ورد نائب رئيس جامعة القدس العبرية، البروفسور شاي أركين، على هذا بأنه قلق جدا من مستوى القيادة الإسرائيلية. وحذر أركين في تغريدة على صفحته في الشبكة الاجتماعية، أمس، من أن خروج إسرائيل من مشروع {هورايزون} سيكون مدمرا ليس فقط للعلوم والبحوث الإسرائيلية العلمية، بل ستكون له تبعات سياسية واقتصادية خطيرة: {سنتحول إلى دولة معزولة ومنبوذة وستغلق في وجوهنا أسواق أوروبية مهمة وستغلق مصانع في إسرائيل وسيطرد عمال وستهرب الأدمغة الإسرائيلية إلى الجامعات ومعاهد الأبحاث الأجنبية}. وأضاف: {السياسيون يتكلمون بشيء من الصبيانية عن هذه المسألة من دون فحص عميق. ولكن، نحن العلماء فحصنا ونعرف عما نتحدث. لا أحد يتصور أي أضرار ستلحق بإسرائيل من جراء الدخول في صدام مع أوروبا في موضوع الاستيطان وتبعاته. نحن لا نقول إن على الحكومة أن ترضخ للأوروبيين، لكن يجب أن لا ترفض طلباتهم، يجب أن نفتش نحن وإياهم عن حلول إبداعية تساعد الطرفين على مواصلة التعاون، حتى لو دفعنا في ذلك ثمنا سياسيا معينا. تعالوا نقلل الأضرار ولا تكسروا القوالب}.
وبالروح نفسها، بعث وزير العلوم الذي شغل في الماضي منصب رئيس المخابرات العامة الإسرائيلية، يعقوب بيري، رسالة إلى نتنياهو باسم العلماء انفردت بنشرها صحيفة {يديعوت أحرونوت}، أمس، يؤكد فيها ضرورة التوصل إلى صيغة حكيمة تنقذ الموقف. وقال بيري إن التقدم في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين بشكل جدي، قد يجعل الأوروبيين أكثر مرونة في الموضوع.
الجدير ذكره أن قرار الاتحاد الأوروبي مقاطعة الاستيطان والمستوطنين الإسرائيليين، الذي سيبدأ تطبيقه من مطلع السنة الماضية، يقلق أوساطا واسعة في إسرائيل. وهي تجري أبحاثا لمعرفة مدى الضرر الحاصل للعلوم وللاقتصاد الإسرائيلي من جراء هذه المقاطعة، فإن التقديرات الأولية تشير إلى خسائر فادحة قد تصل إلى 30 مليار دولار، وقد تزيد على ذلك في فروع الاقتصاد المختلفة.