موسكو تخيّر فصائل الجنوب بين «المصالحة» و«مصير الغوطة»

TT

موسكو تخيّر فصائل الجنوب بين «المصالحة» و«مصير الغوطة»

لوحت موسكو مجدداً بدعم تحرك قوات النظام السوري باتجاه مناطق سيطرة المعارضة في محافظاتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، حيث نشرت القناة المركزية لقاعدة حميميم بياناً، جاء فيه: «إن القوات الجوية والبرية الروسية ستدعم التحرك العسكري المقبل باتجاه المناطق الجنوبية من البلاد، بعد الانتهاء من المهام المتمحورة في محيط العاصمة من الجهة الشرقية والجنوبية من دمشق».
وقال رئيس مركز المصالحة الروسي في منطقة خفض التصعيد الجنوبية، كوليت فاديم، إنها «ستلاقي مصيراً» مشابهاً لما حدث في الغوطة الشرقية من قصف وتهجير، في حال عدم موافقة بلدات ومدن محافظة درعا على التوقيع على بروتوكول المصالحات، ما يضع الفصائل العسكرية في الجنوب السوري أمام تحديات حقيقة لحماية مناطق سيطرتها في الفترة المقبلة.
وتزامن ذلك مع حملة ترويج للمصالحات، من خلال اجتماعات بين ضباط من القوات الروسية والنظام السوري وشخصيات محلية بصفتهم وجهاء وممثلين عن مدن وبلدات درعا، حيث عقد رئيس مركز المصالحة في الجنوب السوري، اللواء كوليت فاديم، اجتماعاً في مقر المحافظة في مدينة درعا، بحضور شخصيات يقيم معظمها في مناطق سيطرته، وتحدثوا عن إمكانية عقد مصالحات مع 18 قرية وبلدة ريف درعا، وتوقيعها على بروتوكول اتفاق للانضمام إلى نظام وقف إطلاق النار بين ممثلي المجتمع المدني ورؤساء مجالس المدن والبلديات فيها من جهة، والحكومة السورية من جهة أخرى، الأمر الذي نفاه سكان تلك المناطق.
من جهته، قال عبد الحكيم المصري، رئيس «مجلس حوران الثوري»، الذي يضم وجهاء ومثقفين من معظم مناطق درعا الخارجة عن سيطرة النظام: «ليس هناك ما يجبر أهالي درعا على المصالحات، لكن استغلال عرابي المصالحات لتغيير الخرائط بسوريا، والتلويح بأن ما شهدته الغوطة وحلب سيطبق في درعا بحال لم تتم المصالحات هو السبب الحقيقي الذي دفع لظهور تلك الأصوات المحسوبة على النظام أصلاً، وبثها لفكرة المصالحة بحجة حقناً الدماء، وتجنب تعرض المنطقة لحملة مشابهة للحملة التي تعرضت لها الغوطة الشرقية أخيراً».
وأضاف المصري: «أرسلت روسيا عن طريق تلك الشخصيات، التي يعمل معظمها كرؤساء للبلديات وأمناء وأعضاء للفرق الحزبية (في حزب البعث الحاكم)، ورقة لتعبئتها من قبل وجهاء مناطقنا لإثبات موافقتهم على تطبيق المصالحة مع النظام السوري بضمانة روسية، وتضمنت بعض البنود التي من المفترض أن تلتزم بها لإتمام المصالحة، وأبرزها منع دخول الفصائل المقاتلة إليها، وتسليم السلاح للنظام السوري، في حين تتعهد روسيا بمراقبة الاتفاق، إلا أن تلك الخطوة لم تلق تجاوباً شعبياً، خصوصاً بعد مطالبة مجلس القضاء الأعلى فصائل الجيش الحر باعتقال مروجيها».
وحذر المصري من «تبعات» التعامل مع تلك الشخصيات، وقبول أهالي درعا لتلك الشروط، مشيراً إلى «ما جرى في الغوطة الشرقية بعد انسحاب روسيا من المناطق التي ادعت ضمان سلامة من يرغب بالبقاء فيها، حيث دخلت الميليشيات التابعة لقوات النظام، وسرقت المنازل، واعتقلت الشباب وجندتهم ضمن صفوفها رغماً عنهم»، مشيراً إلى «إصدار مجالس عشائر وعائلات حوران لبيانات ترفض تلك العروض، وتتبرأ ممن يروجها أو يقبل بها».
وفي سياق الترويج لحملة عسكرية، وإنهاء خفض التصعيد، اتهم سيرغي رودسكو، رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان الروسية، الولايات المتحدة بأنها «دربت مسلحين في سوريا لتنفيذ استفزازات باستخدام أسلحة كيماوية، وهم بدورهم لم يتوقفوا عن محاولاتهم الاستفزازية تلك»، وقال: «المسلحون الموجودون جنوب البلاد حصلوا على مواد كيماوية لتصنيع السلاح، تحت غطاء حمولات من المساعدات الإنسانية».
وعلق محمود العيسى، المسؤول الإعلامي في «فرقة شباب السنة»، أحد أكبر فصائل الجبهة الجنوبية، على ادعاء امتلاك فصائل الثورة لمواد كيماوية، قائلاً: «قد تكون تمهيداً لشن روسيا والميليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام هجمات بأسلحة كيماوية جنوب سوريا، ثم إلصاق التهمة بفصائل الثورة». وهذه ليست المرة الأولى التي تدعى فيها روسيا امتلاك الثوار لأسلحة كيماوية، وسبق أن اتهمت رئيسة وزراء الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قوات «شباب السنة» بامتلاك أسلحة كيماوية مخبأة في أحد المستودعات بمدينة بصرى الشام، شرق درعا، في شهر سبتمبر (أيلول) 2017..
أما بخصوص موقف الدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد، فقال خبراء أردنيون إن الجنوب السوري يشهد حالة مخاض لتحديد وجهته المستقبلية «حيث يسعى النظام والروس لفرض سيطرة النظام على كل أرض سوريا، ومن ضمنها الجنوب السوري، بالتالي فإن روسيا جادة في تهديداتها، لكن ليس قبل التخلص من وجود المعارضة في أحياء دمشق الجنوبية والقلمون الشرقي، لذلك فهي تحاول جر أكبر عدد من القرى والبلدات جنوب سوريا للمصالحة، ريثما تتفرغ للبقية». وأكد أحد الخبراء أن أميركا «لا تهتم بمصير الجنوب،.
وكان الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، قد قال إن الأردن لم ولن يتدخل عسكرياً في الشأن السوري، وإنه ليس من مصلحته تأجيج الصراع في الجنوب السوري، خوفاً من موجات لجوء جديدة قد لا تستوعبها المملكة في ظل أوضاعها الاقتصادية الراهنة.
واستبعد «أبو بلال الكناوي»، أحد القادة العسكريين في منطقة حيط التي يحاصرها تنظيم داعش، تقديم أميركا الدعم لفصائل «الجيش الحر»، في حال تجدد المواجهة مع النظام بعد توقف غرفة الدعم العسكري، برئاسة أميركا، عن إمداد الفصائل بالسلاح قبل عدة أشهر، منوهاً بـ«إمكانية دعم الفصائل التي تقاتل التنظيم، فالظروف مواتية لإنهاء وجوده بسبب حجم الخسائر البشرية والمادية التي مني بها على مدار الأشهر الماضية، فقد استنزف معظم كوادره بعد فشل محاولات التوسع باتجاه مدينة نوى وبلدة حيط، وتم اعتقال عدد كبير من عناصر خلاياه، على خلفية تورطها بمهاجمة مقرات وسيارات فصائل الجيش الحر، تزامناً مع استهداف طائرات التحالف الدولي لأبرز مواقعه، ومقتل قادة الصف الأول بعد إحدى الغارات».



اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
TT

اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

شهدت العاصمة السورية دمشق اجتماعاً رفيع المستوى بين رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، الذي زارها على رأس وفد رفيع لبحث الملفات المشتركة، في أول تواصل رسمي بين البلدين، وأول زيارة لرئيس حكومة لبناني إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة في عام 2011. وانتظر رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، انتخاب رئيس جديد للبنان قبل تلبية دعوة قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، لزيارة سوريا.

ميقاتي مغادراً بيروت (أ.ف.ب)

وعلى رأس وفد رسمي رفيع، وصل ميقاتي السبت إلى دمشق؛ حيث عقد مع الشرع مشاورات لحلحلة مجموعة من الملفات العالقة، خصوصاً بعد إشكالات واشتباكات حدودية بين الجيش اللبناني ومسلحين سوريين في الأسابيع الماضية، وكذلك بعد قرار الإدارة الجديدة في دمشق مطلع العام فرض قيود غير مسبوقة على اللبنانيين الذين يرغبون في الدخول إلى أراضيها، في إطار المعاملة بالمثل.

ملف النازحين

ووضع لبنان وسوريا خلال اللقاء هواجسهما على الطاولة. وقال ميقاتي خلال مؤتمر صحافي عقده مع الشرع: «تجمع بلدينا علاقات تاريخية وندية بين الشعبين، وسوريا هي البوابة الطبيعية للبنان إلى العالم العربي، وما دامت سوريا بخير فلبنان بخير».

وأضاف ميقاتي: «واجبنا أن نفعّل العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل، ومن الملح معالجة ملف النزوح وعودة النازحين إلى سوريا. هذا الملف يضغط بشكل كبير على لبنان برمته، ولمستُ تفهماً له، وتطرقنا إلى الوضع بين البلدين على الحدود لمنع أي أعمال تسيء إلى أمنيهما، وهذه الزيارة هي فاتحة خير، وما لمسته من السيد الشرع عن علاقة البلدين يجعلني مرتاحاً».

وعبّر ميقاتي عن ارتياحه لوضع سوريا، والعلاقات اللبنانية - السورية، مشدداً على أنه «على سلّم الأولويات الآن ترسيم الحدود مع سوريا، وهذا قد يأخذ بعض الوقت، ويجب ضبط الحدود ضبطاً كاملاً لوقف أي محاولة تهريب، وسنتعاون عبر تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود».

مصافحة بين الشرع وميقاتي على مرأى من أعضاء الوفدين (

التهريب والحدود

من جهته، قال الشرع: «نعطي فرصة لأنفسنا لنبني علاقات جدية قائمة على احترام البلدين وسيادة لبنان وسوريا التي ستقف على مسافة واحدة من الجميع، ونحاول أن نعالج كل المشكلات بالتفاصيل، وتحدثنا عن الودائع السورية في البنوك اللبنانية، والتهريب والحدود، واتفقنا على لجان مختصة تدرس الوضع». ولفت إلى أن «هناك كثيراً من الأمور العالقة، والملفات التي تحتاج إلى وقت لعلاجها، والأولوية الآن للوضع الداخلي وحصر السلاح بيد الدولة، وطمأنة الدول المجاورة، وعلى رأس ذلك موضوع الحدود».

وأضاف الشرع: «كان هناك شبه توافق في لبنان على الرئيس جوزيف عون، ونحن ندعم خيارات التوافق على صعيد الرئاسة وعلى أي صعيد»، مشيراً إلى أنه «ستكون هناك علاقات استراتيجية مع لبنان تُبنى على قواعد سليمة، ونبحث عن حلول هادئة لأي مشكلة».

وشارك في الاجتماع من الجانب اللبناني وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، ونائب المدير العام لأمن الدولة، العميد حسن شقير. وعن الجانب السوري شارك وزير الخارجية أسعد شيباني، ورئيس الاستخبارات أنس خطاب، ومدير مكتب الشرع علي كده.

عناق بين الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

عون في جو الزيارة

وأشار النائب في تكتل «الاعتدال الوطني» أحمد الخير إلى أن الزيارة تم بثها بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها الحدود اللبنانية - السورية، وتُرك للرئيس ميقاتي تحديد توقيتها، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه فضّل حصولها بعد انتخاب رئيس للجمهورية لاستئذانه قبل الذهاب؛ لذلك فإن الرئيس عون في جو هذه الزيارة، ويُدرك تماماً أهميتها للبنان وسوريا على حد سواء.

واستغرب الخير حديث البعض عن أنه لا دولة في سوريا لإتمام هذه الزيارة، لافتاً إلى أن «المجتمعين العربي والدولي سارعا للانفتاح على سوريا الجديدة، واعترفا بالحكم الانتقالي هناك، فكيف، بالأحرى، نحن بصفتنا بلداً جاراً تجمعنا مصالح شتى»، وأضاف: «اليوم سوريا ولبنان عادا معاً إلى كنف الدولة والمؤسسات وإلى موقعيهما الطبيعي في الحضن العربي».