المصارف المركزية في مرحلة «الانقباض المالي»

بعد التوسعات المفرطة التي أعقبت الأزمة المالية

البنك المركزي الأوروبي في بروكسل
البنك المركزي الأوروبي في بروكسل
TT

المصارف المركزية في مرحلة «الانقباض المالي»

البنك المركزي الأوروبي في بروكسل
البنك المركزي الأوروبي في بروكسل

يصف محللون ماليون ألمان السياسات النقدية الحالية بأنها تمر بمرحلة الانقباض المالي، وهو ما يعني أن المصارف المركزية ستسحب قسما من أموالها الموجودة في الأسواق الدولية التي جرى استخدامها في المرحلة التي تبعت إفلاس مصرف «ليمان برزرز» في 2008 الأميركي تفاديا لأزمة مالية.
ويقول الخبير «بيتر بوتوشاروف»، من شركة «إم كريديت أناليست» في دوسلدورف، إن العالم يعيش مرحلة انتقالية لن تجعل المصارف المركزية الدولية مصطفة على سكة حديدية موحدة. فالبعض منها يخطط لتخفيض نسب الفوائد والبعض الآخر لن يعدل أي شيء هذا العام. هذا، وتوجد مصارف مركزية أخرى تسعى لرفع نسب الفوائد على نحو يفوق ما يخطط له الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لعام 2018، ويعود السبب الرئيسي في تفاوت نسب الفوائد نزولا أو صعودا إلى النمو الاقتصادي وقوة التضخّم في كل بلد على حدة. كما أن كل مصرف مركزي لديه خبراء واختصاصيون لهم وجهة نظر مختلفة تنظر أولا وأخيرا إلى مصالح بلدهم الوطنية والخارجية. ويضيف هذا الخبير أن ملف تخفيض الحوافز المالية يتعلق بدور هذه الحوافز في خطط كل دولة على حدا. على سبيل المثال تسعى دول صناعية كما الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا هذا العام إلى قطع هذه الحوافز عن الأسواق المالية تدريجيا. في حين ثمة دول أخرى كما ماليزيا وصربيا ترى في هكذا حوافز حليفا استراتيجيا لها لعام 2018.
في سياق متصل يرى رينيه التر، الخبير المالي من مكتب الدراسات المالية لبلدان الاتحاد الأوروبي، أن الموقف المتناقض للمصارف المركزية العالمية لرفع أو خفض نسب الفوائد لديها يولّد بحد ذاته فرصا استثمارية رائعة. علما بأن العديد من الدول الغربية المتقدمة لن تتلاعب بنسب الفوائد هذه العام على عكس الولايات المتحدة الأميركية وكندا والأرجنتين والمكسيك التي تسعى إلى رفعها تدريجيا. في مقابل ذلك تتحرك دول الأسواق النامية كما البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا وإندونيسيا نحو تحديد نسب الفوائد بصورة متفاوتة اعتمادا على أوضاعها الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تختلف بين دولة وأخرى. ويذكر التر أن المصرف المركزي الألماني لم يتخذ قرارا واضحا بعد بانتظار أولى الخطوات التي سيقوم بها ائتلاف المستشارة أنجيلا ميركل الجديد، ولا يتوقع أي مستجدات قد تطرأ على نسب الفوائد الألمانية قبل نهاية العام.
ويتابع هذا الخبير المالي: «إن تحليل سلوكيات المصارف المركزية على الصعيد العالمي يُبرز لنا أن موازنات المصارف المركزية، حتى ولو كانت تمر بمرحلة انتقالية وترميمية، تبقى على أعلى مستوياتها التاريخية في حال جمعناها سوية على دفتر واحد. إذ يصل إجمالي قوتها المالية الراهنة إلى 20 تريليون دولار، أي حوالي 40 في المائة من الناتج العالمي. ومن المتوقع أن تزيد قوة هذه المصارف هذا العام إنما بوتيرة متواضعة. ولا شك في أن هذا المستوى الهائل من السيولة المالية سيبقى صلبا على المدى الطويل، أي طوال الأعوام الخمسة القادمة على الأقل. ومهما فعلت المصارف المركزية تبق سلوكياتها الحذرة حاليا موضع ثقة المستثمرين الذين يريدون أن تتعايش أسواق دولهم بسلام مع قرارات هذه المصارف حتى لو كنا نتحدث عن عملية قطع ممنهجة للحوافز المالية».



التضخم في السعودية يسجل 2 % خلال نوفمبر الماضي على أساس سنوي

إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

التضخم في السعودية يسجل 2 % خلال نوفمبر الماضي على أساس سنوي

إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)

ارتفع معدل التضخم في السعودية إلى 2 في المائة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على أساس سنوي، مسجلاً أعلى مستوى منذ 15 شهراً، وذلك عطفاً على ارتفاع أسعار قسم السكن والمياه والكهرباء، والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 9.1 في المائة وأسعار أقسام السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة، مقابل انخفاض أسعار قسم النقل بنسبة 2.5 في المائة.

وعلى الرغم من ذلك الارتفاع فإن هذا المستوى جعل السعودية البلد الأقل ضمن مجموعة العشرين، في الوقت الذي عدَّه اقتصاديون معتدلاً نسبياً.

ووفق مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك، الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، الأحد، ارتفع قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 9.1 في المائة، وقد تأثر بارتفاع مجموعة الإيجارات المدفوعة للسكن 10.8 في المائة خلال نوفمبر الماضي، بسبب زيادة في أسعار إيجارات الشقق 12.5 في المائة.

المطاعم والفنادق

وكان لارتفاع هذا القسم أثر كبير في استمرار وتيرة التضخم السنوي لنوفمبر 2024، نظراً للوزن الذي يشكله هذا القسم، الذي يبلغ 25.5 في المائة، وفي السياق ذاته، ارتفعت أسعار قسم السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة خلال نوفمبر السابق، متأثرة بارتفاع أسعار المجوهرات والساعات بأنواعها والتحف الثمينة 23.7 في المائة.

وسجلت أسعار قسم المطاعم والفنادق ارتفاعاً بنسبة 1.5 في المائة، مدفوعةً بارتفاع أسعار الخدمات الفندقية والشقق المفروشة بنسبة 5.9 في المائة، أما قسم التعليم فقد شهد ارتفاعاً بنسبة 1.1 في المائة، متأثراً بزيادة أسعار الرسوم لمرحلتي المتوسط والثانوي 1.8 في المائة.

الأغذية والمشروبات

في حين سجلت أسعار الأغذية والمشروبات ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.3 في المائة، مدفوعةً بارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، 1.9 في المائة. من جهة أخرى، انخفضت أسعار قسم تأثيث وتجهيز المنزل بنسبة 2.9 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار الأثاث والسجاد وأغطية الأرضيات بنسبة 4.4 في المائة.

وتراجعت أسعار قسم الملابس والأحذية بنسبة 2.3 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار الملابس الجاهزة 4.6 في المائة، وكذلك سجلت أسعار قسم النقل تراجعاً بنسبة 2.5 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار شراء المركبات بنسبة 3.9 في المائة.

تنويع الاقتصاد

وقال كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، الدكتور نايف الغيث، لـ«الشرق الأوسط»، إن ارتفاع معدل التضخم في المملكة إلى 2 في المائة خلال نوفمبر الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، يعكس التغيرات الاقتصادية التي تمر بها المملكة في إطار «رؤية 2030»، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.

وبيَّن الغيث أن العامل الرئيسي وراء هذا الارتفاع كان قطاع السكن والمرافق، حيث شهد زيادة كبيرة بنسبة 9.1 في المائة. وكان لارتفاع أسعار إيجارات المساكن، وخصوصاً الشقق التي ارتفعت بنسبة 12.5 في المائة، الدور الأكبر في هذه الزيادة، موضحاً أن هذا القطاع يشكل 25.5 في المائة من سلة المستهلك، وبالتالي فإن تأثيره على معدل التضخم العام كان ملحوظاً.

ووفق الغيث، أسهم ارتفاع أسعار السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة في زيادة معدل التضخم، وأن هذا الارتفاع يعكس تغيرات في أنماط الاستهلاك وزيادة الطلب على بعض السلع والخدمات في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة.

تحسين البنية التحتية

على الجانب الآخر، يرى كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، أن قطاع النقل شهد انخفاضاً بنسبة 2.5 في المائة، ما أسهم في تخفيف الضغط التضخمي إلى حد ما، وأن هذا الانخفاض قد يكون نتيجة لتحسن البنية التحتية للنقل وزيادة كفاءة الخدمات اللوجيستية، وهو ما يتماشى مع أهداف «رؤية 2030» في تطوير قطاع النقل والخدمات اللوجيستية.

وفي سياق «رؤية 2030»، يؤكد الغيث أنه من الممكن النظر إلى هذه التغيرات في معدلات التضخم كجزء من عملية التحول الاقتصادي الشاملة، مضيفاً أن الارتفاع في أسعار السكن، «على سبيل المثال»، قد يكون مؤشراً على زيادة الاستثمارات في القطاع العقاري وتحسن مستويات المعيشة.

وأبان أن الزيادة في أسعار السلع والخدمات الشخصية قد تعكس تنوعاً متزايداً في الاقتصاد وظهور قطاعات جديدة.

ولفت الغيث النظر إلى أن معدل التضخم الحالي البالغ 2 في المائة يعتبر معتدلاً نسبياً، ما يشير إلى نجاح السياسات النقدية والمالية في الحفاظ على استقرار الأسعار.