مظاهرات في طرابلس للمطالبة بإنهاء المرحلة الانتقالية

اتهامات لـ«إسلاميين» بمحاولة تغيير الخريطة السياسية

جانب من المظاهرة التي عرفها ميدان الشهداء في طرابلس مساء أمس
جانب من المظاهرة التي عرفها ميدان الشهداء في طرابلس مساء أمس
TT

مظاهرات في طرابلس للمطالبة بإنهاء المرحلة الانتقالية

جانب من المظاهرة التي عرفها ميدان الشهداء في طرابلس مساء أمس
جانب من المظاهرة التي عرفها ميدان الشهداء في طرابلس مساء أمس

تظاهر ليبيون في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس مساء أمس، مطالبين بـ«توحيد مؤسسات الدولة، وإنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء الاستفتاء على الدستوري قبيل الذهاب إلى الانتخابات».
وتبنت شبكة «الجزيرة» مبكراً الدعوة للمظاهرة، التي أطلقها مجموعة من الشباب الليبي، تحت مسمي «حراك 30 مارس». وتوافد المئات منهم على الميدان منذ مساء الخميس، استعداداً للمشاركة، فيما نُصبت اللافتات، ورُفعت شعارات «الحراك»، على جنبات الميدان.
وفيما تداولت صفحات التواصل الاجتماعي دعوات للتظاهر بغية تغيير «الخريطة السياسية»، استبقت الصفحة الرسمية الموثقة، التابعة لشبكة فضائية «الجزيرة» الموجهة إلى ليبيا على «فيسبوك»، أول من أمس، الدعوة للتظاهر في الميدان، المعروف بـ«الساحة الخضراء» بالعاصمة، الأمر الذي أرجعه متابعون ليبيون إلى أنها محاولة «تستهدف دعم تيار الإخوان المسلمين في البلاد».
وعبر صفحته على «فيسبوك»، أعلن «الحراك» أنه حصل على الموافقة الأمنية من مديرية الأمن في طرابلس بالتظاهــر السلمي فـــي ميـدان الشهـداء، وفـقاً للأهداف والمطالب المتفق عليها، وقال إن «الوقت حان يا شباب للخروج إلى الساحات، والوقوف صفاً واحداً بالتظاهر السلمي الحضاري، والمطالبة بحقوقنا ووضع حد لمعاناتنا».
من جهتها، قالت الدكتورة رانيا الصيد، عضو الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور، إنها شاركت في المظاهرة مع أكثر من 25 مؤسسة، من روابط ومنظمات واتحادات، ومؤسسات مجتمع مدني شبابية.
واستبقت المظاهرة، التي تأتي في الذكرى الثانية لدخول رئيس المجلس الرئاسي فائر السراج إلى طرابلس، وفقا لاتفاق الصخيرات، عدة ترتيبات تجلّت في تحضير الميدان باللافتات الموحدة، وتوزيع «كابات» بلون أبيض على المتظاهرين، فضلاً عن نشاط ملحوظ على شبكات التواصل الاجتماعي يدعو فئات الشعب للمشاركة. وفي غضون ذلك ذهبت وسائل إعلام محلية إلى أن بعض الشخصيات، المحسوبة على التيار الإسلامي السياسي في ليبيا، تروج للحراك بهدف تغيير «الخريطة السياسية»، لافتين إلى أن الفضائية القطرية بدأت في حملة ترويجية لما ينادي به عناصر تنظيم الإخوان في ليبيا بالمطالبة بإجراء الاستفتاء على الدستور أولا، قبل إجراء الانتخابات.
ويسعى المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة إلى إجراء انتخابات في ليبيا قبل سبتمبر (أيلول) المقبل من العام الجاري. وقد قال سلامة في إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي إن العمل من أجل إجراء انتخابات عادلة وحرة ونزيهة قبل نهاية السنة يأتي في قمة أولويات الأمم المتحدة، و«أنه من المهم جداً قبل إجرائها التأكد من أنها سوف تكون شاملة، وأن نتائجها سوف تقبل من الجميع».
وطالب المتظاهرون، الذين بدت صفوفهم منظمة، بـ«استقرار البلاد»، و«تكليف الشباب في المؤسسات»، مرددين هتافات «نريد حكومة وحدة قوية»، «كفى مراحل انتقالية».
وفي وقت حذر فيه عدد من النشطاء والمدونين والحركات المدنية مما سمته بـ«الانجرار خلف دعوات تلك التظاهر»، قال الإعلامي الليبي الحسين المسوري، إن مطالب هذا «الحراك» تعبر عن غالبية الليبيين، باستثناء ما يتعلق بـ«الاستفتاء على مشروع الدستور»، الذي أحالته هيئته التأسيسية إلى مجلس النواب من أجل إصدار قانون الاستفتاء عليه، مشيراً إلى أنه (المشروع) أحدث انقساماً بين من يريد «الاستفتاء»، ومن يعتبره «لا يصلح»، بسبب اعتراضهم على بعض مواده، وخاصة ما يتعلق منها بـ«نظام الحكم».
واستغرب المسوري في حديثه إلى «الشرق الأوسط» «الدعم اللوجيستي الكبير»، الذي ظهرت ملامحه على أجواء المظاهرة، وأضاف موضحا «قد تكون هناك جهات وأطراف سياسية معينة وراء هذا الحراك، خاصة أن توزيع القوى والسيطرة على الأرض في العاصمة طرابلس وقبلها بنغازي تغيرت وشهدت خسارة كبيرة للتيار الإسلامي السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين»، لافتا إلى أن المطالب الأخرى، وهي توحيد مؤسسات الدولة، وإنهاء المرحلة الانتقالية وتحسين الوضع الاقتصادي، وعدم إقفال الموانئ النفطية... هي مطالب كل الليبيين. وتابع المسوري متسائلاً «كيف يمكن تحقيقها؟، وما هي الآليات التي تمكن من ذلك، إذا ما نظرنا إلى الانقسام السياسي الحاد على أرض الواقع، وما تبعه من أزمة سياسية لم تحل حتى بتدخل المجتمع الدولي والأمم المتحدة؟».
وسبق أن سألت «الشرق الأوسط» المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق عن موعد إصدار مشروع قانون الاستفتاء على الدستور المرتقب، فقال إن «الجلسة الرسمية للبرلمان نظرت في المشروع قبل أيام، وأبدت بعض الملاحظات، قبل أن تعيده ثانية إلى اللجنة التشريعية للنظر فيه»، لافتاً إلى أنه من المقرر الانتهاء منه قريباً، تمهيداً للتصويت عليه في صورته النهائية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.