إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة

بعد توقيف الزعيم الانفصالي بوتشيمون... واحتجازه في ألمانيا

إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة
TT

إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة

إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة

بعد نصف سنة على انطلاق «المغامرة الانفصالية» الكتالونية التي شكلّت أكبر تهديد لوحدة الدولة الإسبانية في تاريخها الحديث، يبدو المشهد محزناً في هذا الإقليم المتوسطي الذي منذ عقود يستقطب اهتمام الفنانين والمبدعين، ويجذب السيّاح والتجار وهواة الرياضة من أرجاء المعمورة. كارليس بويدجيمونت، الزعيم الانفصالي الذي أعلن قيام «الجمهورية الكتالونية» متحديّاً حكومة مدريد وقرارات المحكمة الدستورية، يقبع الآن في أحد السجون الألمانية إلى جانب مهرّبي مخدّرات ومغتصبين ومرضى نفسانيين بانتظار أن يبّت القضاء الألماني طلب تسليمه إلى السلطات الإسبانية. ومن شبـه المؤكد أن تنتظره عقوبة بالسجن لسنوات بتهمة التمرّد والعصيان المدني والتحريض على الفتنة. أما بقيّة الزعماء الذين قادوا «المغامرة الانفصالية» فليسوا بحالٍ أحسن من حال رئيسهم الذي فرّ متخفيّاً إلى بلجيكا، ومن هناك راح يتنقّل في العواصم الأوروبية محفوفاً برموز الحركات الانفصالية في أوروبا. ومعظم هؤلاء الآن إما في السجون قيد المحاكمة، أو اختاروا الفرار من وجه العدالة الإسبانية التي يبدو أنها السلاح الوحيد في متناول حكومة مدريد المركزية... المستمرة في جمودها السياسي إزاء ما يعتمل في أغنى أقاليم إسبانيا.
يرى متابعو الشأن السياسي في إسبانيا أن الملاحقات القانونية التي يخضع لها القادة الكتالونيون الانفصاليوّن تحول دون تكليف أي منهم تشكيل الحكومة الإقليمية المرتقبة بعد الانتخابات الأخيرة التي فازت فيها الأحزاب المطالبة بالاستقلال بغالبية بسيطة. ومن ثم، فمن دون تشكيل الحكومة الإقليمية يستحيل إبطال مفاعيل المادة 155 من الدستور الإسباني التي لجأت إليها سلطات مدريد لتعليق العمل بنظام «الحكم الذاتي» في كتالونيا، ووضع المؤسسات المحلية في الإقليم تحت الإشراف المباشر للسلطات الفيدرالية المركزية.
وليس هناك ما يشير حتى الآن إلى أن الأحزاب الانفصالية مستعدة لتقديم مرشّح لا يخضع لملاحقة قانونية كي يشكل الحكومة الجديدة؛ تمهيداً لمحاولة الخروج من الطريق المسدودة الذي وصل إليه الصدام بين مدريد وبرشلونة. وبعد شهرين على الانتخابات المحلية الأخيرة في كتالونيا يتبدّى يوماً بعد يوم أن البرنامج الوحيد للقوى الانفصالية في هذه المرحلة هو الإصرار على المواجهة، أياً كان الثمن، والتهميش الكامل والمنتظم للمعارضة البرلمانية التي فازت بنسبة 48 في المائة من المقاعد، بل وحصلت على أصوات شعبية أكثر مما حصلت عليه الأحزاب الانفصالية.
- حسابات الانفصاليين
في حسابات الانفصاليين، أن استمرار المواجهة مع مدريد يعزّز صورة «الضحيّة» التي يراهنون على استغلالها لزيادة شعبيتهم واستدرار الدعم الخارجي لمن «يدافعون عن أنفسهم في وجه قمع الدولة المركزية». إلا أن الاستطلاعات الأخيرة تبيّن أن التأييد للقوى الانفصالية إلى تراجع، بينما تتسع دائرة المعترضين على إدارة الأزمة داخل هذه القوى التي تشرذم قادتها بين معتقلٍ وفارٍ من العدالة بعيداً عن القواعد الشعبية. وهذه الأخيرة، تراقب بقلق تراجع النمو الاقتصادي وركود الحركة السياحية وارتفاع معدلات البطالة... بعد خروج نحو أربعة آلاف من المؤسسات الصناعية والتجارية والمصرفية من كتالونيا. وفي المقابل، لا تبدي حكومة مدريد أي جاهزية للانفتاح على الحوار، متشبثّة بمشروع سياسي قوامه البقاء في السلطة بأي ثمن، ومحاصر بسلسلة من فضائح الفساد وتراجع حاد في الشعبية.
بعض الأصوات المعتدلة داخل المعسكر الانفصالي بدأت تدندن ترنيمات «انفتاحية» من باب التمهيد لمرحلة جديدة، وتطويق «المنحى الانتحاري» الذي دفعت باتجاهه بعض القوى المتطرفة. إذ أعلن كارليس رييرا، الناطق بلسان الحزب الذي يتزعمه الزعيم الانفصالي الفار كارليس بوتشيمون، أمام البرلمان يوم الخميس الماضي «أن المسرى الانفصالي انتهى»، داعياً القوى الانفصالية التي خاضت الانتخابات الأخيرة متحالفة إلى «التحلّي بالواقعية والشجاعة وإعادة رسم استراتيجية جديدة». مثل هذه التصريحات الصادرة عن قيادي انفصالي بارز في الحزب الوازن، شعبياً وفي البرلمان، تحمل المراقبين على التفاؤل إذا ما تبيّن أنها ليست من باب كسب الوقت والتقاط الأنفاس بهدف إعادة تنظيم الصفوف تأهباً لمرحلة جديدة من المواجهات مع الحكومة المركزية - المترنّحة منذ تشكيلها - على قاعدة ما تيّسر لتمرير المرحلة، والخروج من الطريق المسدودة الذي أفضت إليه الانتخابات العامة الأخيرة.
لكن بعض المراقبين المتابعين عن كثب الوضع في كتالونيا يرون أن النواة الأساسية للقوى الانفصالية، التي تضّم أحزاباً من اليمين إلى أقصى اليسار التروتسكي - أي البورجوازية المالية والنخب الفكرية - كانت تدرك منذ البداية أن قيام جمهورية مستقلة، معترف بها دوليّاً، شبه مستحيل في المرحلة الراهنة. ذلك أن في صميم هواجس الاتحاد الأوروبي، الذي تشكّل إسبانيا إحدى ركائزه السياسية والاقتصادية والجغرافية، إفلات الحركات القومية العديدة في دياره من عقالها.
وعلى هذا الأساس يرجّح مراقبون أن يكون الهدف الحقيقي من «المغامرة» في فصلها الأول هو دفع الحكومة المركزية الضعيفة، والتي غالباً ما خانها «الحامض النووي الفرنكي» (نسبة إلى ديكتاتور إسبانيا السابق الرحل الجنرال فرانشيسكو فرنكو) النائم في خلاياها، إلى اللجوء للقمع الأمني والاعتقالات والملاحقات القضائية. وهذا ما يؤدي إلى استنهاض القواعد الشعبية المتردّدة حيال تأييد الانفصال، والنيل من صدقية الديمقراطية الإسبانية، تسهيلاً لاستقطاب التعاطف الخارجي الذي افتقدته المغامرة بعد الأسابيع الأولى.
بعض المحللين النافذين في أوساط النخب الانفصالية يلمحّون إلى أن بوتشيمون ورفاقه قد أدّوا دورهم. وبالتالي، فإن المرحلة التالية تقتضي تولّي قيادات جديدة قادرة على استثمار ما تحقق في الجولة الأولى، وبخاصة ارتفاع نسبة المؤيدين للانفصال إلى النصف تقريباً، بعدما كانت تراوح عند 30 في المائة خلال السنوات القليلة الماضية. وهؤلاء يدعون إلى الإسراع في إعادة تنظيم المعسكر الانفصالي حول تفاهمات أفقية ثابتة بين أطيافه المتباعدة عقائدياً واجتماعياً قبل أن يستقرّ الإحباط في أوساط القواعد الشعبية، وتتشكل تحالفات جديدة تمليها ضرورة رأب الصدع الاجتماعي العميق ووقف النزف الاقتصادي المتسارع، الذي بات يرخي بثقله على المشهد الكتالاني منذ أواخر العام الماضي.
- بوادر تفاؤل...
ويبدو الآن أن الجناح المتطرف الذي يقوده بوتشيمون، والذي يأخذ عليه بعض حلفائه «انسلاخه» عن الواقع السياسي والاجتماعي، قد بدأ يفقد سيطرته الحصرية على القرارات التي توجّه الدفّة الانفصالية. ومن البوادر التي تحمل على التفاؤل بانفراجات ممكنة خلال الأسابيع المقبلة، تعاقب الدعوات الصادرة عن الاشتراكيين الكتالونيين وبعض الأصوات المعتدلة في صفوف اليمين والوسط إلى تشكيل «حكومة إنقاذ» ائتلافية تستعيد نظام «الحكم الذاتي»، وتضع «خريطة طريق» مشتركة لحلحلة الأزمة، مع ملاحظة أن هذه الدعوات لم تلقَ الرفض الفوري المعتاد من القوى الانفصالية.
في هذا السياق، يذكّر البرلماني الاشتراكي والمحلل البارز سانتي فيلا بما كان يردّده المؤسس الأول للمشروع الأوروبي جان مونّيه بأن «لا شيء ممكناً من غير الأشخاص، ولا شيء دائماً من غير المؤسسات»، معتبراً أن إنقاذ كتالونيا من محنتها بات مستحيلاً خارج المؤسسات الديمقراطية الوطيدة، وبمعزل عن قيادات حكيمة ومنزّهة عن المصالح الحزبية أو الشخصية.
بيد أن المعضلة الأساسية المستعصية في الأزمة التي تعاني منها كل من كتالونيا وإسبانيا راهناً، تكمن في انحباس الأطراف داخل دوّاماتها وشعاراتها الموروثة، وفي عجزها عن أدنى مستويات التواصل حول مسلمّات التعايش والبديهيات الديمقراطية.
ولعلّ أكثر ما يستوقف المراقب للمشهد السياسي والاجتماعي الإسباني، منذ عقود، هو أن البلد الذي أدهش العالم بنضج تجربته الانتقالية من حكم ديكتاتوري مديد إلى نظام ديمقراطي عصري وراسخ، وكان للكاتالونيين الدور الأبرز في معادلة استقراره ونموه السريع والمذهل، يغرق اليوم في أوحال أزمة عبثية يدرك الجميع أن المنتصر فيها خاسرٌ.
وهنا أشير إلى أنني كنت أجريت عام 2014 حواراً مطوّلاً مع رئيس الوزراء الإسباني الأسبق ادولفو سواريث - الذي قاد عملية تفكيك ديكتاتورية الجنرال فرنكو التي استمرت 35 سنة، ولعب الدور الأساس في إرساء قواعد النظام الديمقراطي - قبل أشهر من وفاته. وخلال الحوار سألته عن سر نجاح تلك التجربة الفريدة في التاريخ الحديث، التي أصبحت مادة تُدرّس في العديد من كليات العلوم السياسية في العالم، فأجاب سواريث: «انتقلنا من القانون إلى القانون بواسطة القانون». وهو ما يعطي الانطباع أن المأزق الكتالوني اليوم هو ثمرة إصرار الانفصاليين على تحقيق أهدافهم خارج الأطر القانونية التي شاركوا في وضعها وارتضوها، وإصرار حكومة مدريد على استخدام القانون لمآرب غير قانونية.
- سمات «الأسرة» الإسبانية
من الشائع في المُتخيّل الاجتماعي الإسباني أن أهل كتالونيا يمثّلون الاعتدال في المسلك والحصافة في التعاطي مع الشأن العام والحرص على الاستقرار بأي ثمن، بعكس الباسك المعروفين بتطرّفهم ونزوعهم إلى العنف، أو الأندلسيين الموصوفين بالمبالغة والإفراط.
ولعلّ في هذه الصفات المتأصلة عند الكتالونيين، إضافة إلى شغفهم بالتجارة واتقانهم أساليبها، ما يساعد على فهم الأسباب التي أبقت هذه المقاطعة في منأى عن الصراعات والاضطرابات الكبرى التي شهدتها إسبانيا منذ القرن التاسع عشر، لتغدو اليوم الإقليم الأغنى من حيث القوة الاقتصادية الخامسة في الاتحاد الأوروبي. إلا أن الحركة الانفصالية التي تتعاقب فصولها على المشهد السياسي الإسباني منذ خريف العام الماضي، وتتدرّج وقائعها بين انقطاع «خيط الحوار» السياسي والعصيان المدني والتمرّد على المنظومة القانونية، تدفع إلى الحذر في التسليم بصواب الأفكار الموروثة، وتنصح بالتروّي عند مقاربة هذه الأزمة، والتكهّن بتداعياتها وتشخيص مخارجها.
لا شك في أن اعتقال بوتشيمون قبل أيام على يد أجهزة الأمن الألمانية، وإيداعه السجن بانتظار البتّ في طلب تسليمه إلى السلطات الإسبانية، شكّل ضربة قاسية للحركة المطالبة باستقلال كتالونيا. غير أنه، من ناحية أخرى، فتح الباب أيضاً على احتمالات التصعيد التي ما زالت تتصدّر برنامج الانفصاليين رغم ظهور بعض بوادر التصدّع في صفوفهم خلال الأسابيع الأخيرة، إثر الدعوات الخجولة – الآنفة الذكر – لفتح قنوات للحوار مع القوى السياسية الأخرى، وإعادة النظر في المسار الصدامي الذي انتهجته الأحزاب والقوى المطالبة بالاستقلال حتى الآن.
- ملاحقة استخباراتية
تفيد معلومات موثوقة بأن أجهزة الاستخبارات الإسبانية كانت تتعقّب بوتشيمون منذ فراره إلى بلجيكا، وإنها هي التي أبلغت الأجهزة الألمانية عن مكان وجوده. ومن المرجّح، أن هذه الأخيرة لم تقدم على اعتقاله من دون إيعاز من السلطات السياسية في برلين، التي تدرك تمام الإدراك أن ردّها على طلب الاسترداد الذي تقدّمت به مدريد، سلباً أو إيجاباً، ستكون له تداعيات ذات شأن على العلاقات بين البلدين.
ومن هذا المنطلق تأتي الخطوة الألمانية لتؤكد أن الاتحاد الأوروبي - الذي كان اكتفى بدور الشاهد على هذه الأزمة المعتملة في دياره، متذرّعاً بأنها «مشكلة داخلية» - أدرك أخيراً أن المشكلة الكتالونية، على غرار القوميات الكثيرة النائمة في البيت الأوروبي: «مشكلة أوروبية» لا بد من التصدّي لها واحتوائها قبل فوات الأوان. ومما لا شك فيه، أن خروج البريطانيين من الاتحاد وصعود الأحزاب والحركات الشعبوية واليمينية المتطرفة - كما بيّنت الانتخابات الإيطالية الأخيرة - هي التي تشكّل الخطر الأكبر على المشروع الأوروبي الذي تسخّر له برلين وباريس طاقات كبيرة لإنهاضه من كبواته الحالية.
القراءات القانونية من جهتها، ترفد القراءة السياسية لاعتقال بوتشيمون وطلب تسليمه إلى السلطات الإسبانية. إذ يستند الحقوقيون إلى التشابه الكبير بين أحكام الدستورَين الألماني والإسباني فيما يتعلّق بتنظيم الإدارة الفيدرالية في الحالة الأولى وأقاليم «الحكم الذاتي» في الثانية. ومن ثم، يستبعدون أن يقرّر القضاء الألماني رفض طلب مدريد، ولا سيّما، وأن التمرّد الانفصالي ملحوظ في الأحكام الدستورية الألمانية ضمن باب الانتهاكات الخطيرة التي تهدد وحدة الدولة وانسجام المجتمع.
- شعور بالخذلان الخارجي
المعسكر الانفصالي، من جهته، بدأت تظهر عليه بالفعل علائم الوهن والإحباط بعدما تيقّن من أن الدعم الخارجي الذي كان يراهن عليه لم يتعدَّ اهتمام وسائل الإعلام لفترة محدودة. وهذا، بينما تتراجع شعبيته داخل الإقليم بفعل الأضرار التي بدأ الاقتصاد الكتالوني يعاني منها بعد هجرة آلاف الشركات والمؤسسات الكبيرة إلى مدريد ومدن إسبانية أخرى. أما الخطوات التصعيدية الأخيرة، كالمظاهرات والصدامات مع الشرطة في شوارع برشلونة، عاصمة كتالونيا، وتصريحات كتلك التي وردت على لسان رئيس البرلمان، عندما قال: «ليس من حق أي قاضٍ أن يلاحق رئيس كل الكتالونيين»، لا بد من إدراجها ضمن السهام الأخيرة في جعبة الانفصاليين إثر انسداد الأفق أمامهم، والملاحقات القضائية في حق زعمائهم، وقلة التجاوب الأوروبي مع مطالبهم.
لكن إذا كان الانفصاليون يجدون صعوبة في استيعاب الأضرار التي لحقت بمشروعهم والتكيّف مع المعطيات الجديدة التي فرضتها عليهم الهزائم التي لحقت بهم، فمن الخطأ الاعتقاد أن سلطات مدريد حقّقت نصراً حاسماً في مواجهتها المفتوحة مع الحركة الانفصالية. فالحقيقة أن الحكومة المركزية المترنّحة التي يرأسها ماريانو راخوي (زعيم الحزب الشعبي اليميني) لا تختصر إسبانيا التي صنفّتها مجلة «الإيكونوميست» في طليعة الديمقراطيات الراسخة، وأوروبا ليست هي البيروقراطية القامعة للهويات... كما روّج الانفصاليون ومعهم الساعون إلى ضرب المشروع الأوروبي.
ومن ثم، فالمجازفة التي أقدم عليها الانفصاليون عندما تجاهلوا أحكام الدستور وقرار المحكمة الدستورية وأعلنوا الجمهورية من طرف واحد، كانت تتويجاً لهروب الحكومة المحلية إلى الأمام بعدما أنهكتها فضائح الفساد، وتراجعت شعبيتها، وانسدّت قنوات الحوار بينها وبين الحكومة المركزية. وفي المقابل، كانت أيضاً ثمرة حسابات مدريد الخاطئة في التعاطي مع الشأن الكتالوني بجمود مذهل وتشدّد مُستلهم من «التجربة الباسكية» التي طويت صفحتها أخيراً بعد أربعة عقود من القمع والعنف المسلّح والإرهاب.
- المسؤولية... والحل
صحيح أن ثمّة مسؤولية كبيرة ملقاة اليوم على عاتق الأحزاب الكتالونية التي دفعت بالملف الانفصالي في طريق من غير منافذ قانونية أو سياسية، وذهبت في التصعيد إلى شفا الانهيار الاقتصادي والعزلة الاجتماعية.
لكن المسؤولية الأكبر تقع على حكومة مدريد، التي قد يغريها الوقوع في فخ توهّم أنها ضربت رأس الأفعى الانفصالية، فتجنح إلى المزيد من التشدد واللجوء إلى أدوات القمع - القانونية والأمنية - كاشفة وجه «الموروث الفرانكوي» الذي جهد الانفصاليون لاستدراجها إليه منذ اللحظة الأولى.
وبناءً عليه، فإن المخرج الوحيد الآمن على الأمد الطويل أمام مدريد هو الإسراع في الإعداد لمراجعة دستورية بالتوافق مع الأحزاب الوطنية ترسي قواعد جديدة لنظام فيدرالي يعطي صلاحيات أوسع للأقاليم التي تنشط فيها حركات وأحزاب تطالب بالمزيد من «الحكم الذاتي» أو الاستقلال قبل أن يرتفع الستار عن مشهد انفصالي آخر.
- كاتالونيا في سطور
> يقع إقليم كتالونيا في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة الإيبرية وتبلغ مساحته 32 ألف كيلومتر مربع (6 في المائة من مساحة إسبانيا) ويبلغ عدد سكانه 7.5 مليون نسمة. ويعود تاريخ المؤسسات المحلية، المستقلة أو ذات «الحكم الذاتي»، في كتالونيا إلى أواخر العصر الوسيط عندما كانت تتمتع بصلاحيات إدارية وسياسية واسعة تحت مملكة آراغون، ثم ضمن مملكة إسبانيا.
في عام 1714 وقفت كتالونيا إلى جانب سلالة الهابسبورغ النمساوية في الحرب التي خسرتها ضد سلالة البوربون، التي أسست نظاماً ملكياً مركزياً مطلقاً في إسبانيا، وألغت كل المؤسسات المحلية في كتالونيا.
بعد سقوط النظام الملكي في إسبانيا وإعلان الجمهورية عام 1931، أعلن الكتالونيون قيام جمهوريتهم إثر فوز الأحزاب اليسارية الكتالونية في الانتخابات، لكن بعد التفاوض مع مدريد اكتفوا بالحصول على حكم ذاتي بصلاحيات واسعة بإشراف الحكومة المحلية التي ما زالت إلى اليوم تعرف باسم الجنراليتات.
عام 1939 ألغى الجنرال فرانشيسكو فرنكو المنتصر في الحرب الأهلية الإسبانية مؤسسات الحكم الذاتي الكتالوني، وباشر نظامه حملة قمع قاسية حظّرت على الكتالونيين استخدام الرايات المحلية وسماع الأناشيد الوطنية، بل حتى التكلم باللغة الكتالونية.
ثم في العام 1940 ألقت قوات «الغستابو» (الشرطة السرية) النازية القبض على رئيس «الجنراليتات» (مجلس القيادة) الكتالوني، الذي كان فاراً إلى فرنسا، وسلمّته إلى نظام فرنكو، الذي حاكمه بسرعة وأعدمه في برشلونة.



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.