قالت الحقوقية سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة التونسية، المكلفة بإرساء منظومة العدالة الانتقالية، وجبر الضرر عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد بورقيبة وبن علي، إن البرلمان لا يملك صلاحيات تنفيذية لوقف أعمال الهيئة، مؤكدة أنها ستواصل مهامها في إطار التزامها بقانون العدالة الانتقالية.
ونفت بن سدرين استدعاء محمد الناصر، رئيس البرلمان، للاستماع إلى شهادته في أي حالة لانتهاك لحقوق الإنسان، وأكدت في مؤتمر صحافي عقدته أمس بالعاصمة، أن الهيئة ستستدعي أي مسؤول في الدولة إذا رأت لجنة التقصي بهيئة الحقيقة والكرامة ضرورة استدعائه لشبهة ارتكابه أي انتهاك لحقوق الإنسان.
وأكدت بن سدرين، خلال اللقاء الصحافي، أن الهيئة لم تتلق أي خطاب رسمي من أي جهة يفيد بإنهاء مهامها، وهو ما يعني مواصلة أداء مهامها، مشيرة إلى أن عملية التصويت على قرار التمديد لها لسنة إضافية، لا يعد تصويتا بالأغلبية، وهو لا يزال محل تجاذبات حول مدى مشروعيته، على حد تعبيرها.
ومن شأن هذه التصريحات أن تضفي مزيدا من التعقيد على ملف حقوق الإنسان في تونس، خصوصا بعد بروز خلاف حاد في المواقف بين حزب النداء، الذي عارض التمديد للهيئة وهاجم رئيستها سهام بن سدرين، وبين حركة النهضة، التي تعمل على مواصلة إثارة ملفات الماضي وانتهاكات حقوق الإنسان، باعتبار أنها كانت من أبرز المتضررين منها.
وعلى الرغم من موقفها المعارض لإنهاء مهام هذه الهيئة، التي ستنتهي مهامها رسميا نهاية مايو (أيار) المقبل، فإن بن سدرين عادت لتؤكد التزام الهيئة بالقانون وتطبيق ما جاء به، مؤكدة أن مسار العدالة الانتقالية لن ينتهي بإنهاء عمل الهيئة، بل سيكون «نقطة لإعادة كتابة التاريخ ولجبر الضرر»، موضحة أن الهيئة بصدد استكمال أعمالها، وإعادة الحقوق لضحايا الاستبداد من خلال جبر الضرر المادي والمعنوي، وإصدار برنامج شامل لجبر الضرر، ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات، وإحالة ما يمكن إحالته على القضاء المختص.
واغتنمت بن سدرين المناسبة لتقدم إحصائيات حول عدد الملفات التي وردت على الهيئة، وقالت إنه تمت إحالة قضايا 14 شخصا على الدوائر القضائية المتخصصة بسبب وجود شبهات حول تورطهم في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في العهدين السابقين، موضحة وجود 21 ألف ملف يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، أغلبها تهم وزارة الداخلية التونسية. كما أكدت بن سدرين أن الهيئة تلقت أكثر من 62 ألف شكوى في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، والاستماع إلى 49 ألف ضحية، وعقد 13 جلسة استماع علنية تم خلالها الاستماع لـ93 شاهدا.
وفي السياق ذاته، اتهمت بن سدرين الأطراف السياسية التي صوتت ضد قرار التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، بفرض وصاية على الشعب، بهدف إفلات الجلادين والفاسدين من العقاب، على حد قولها.
ولتجاوز هذين المأزقين السياسي والقانوني، كشف المنجي الحرباوي، المتحدث باسم حزب النداء، عن وجود مبادرة تشريعية يتزعمها «النداء» يسمح بمواصلة مسار العدالة الانتقالية دون رئيسته الحالية، مبرزا أن حزب النداء طالب بتنصيب هيئة جديدة، مع الحفاظ على ما حققته الهيئة السابقة، وتصحيح بعض الأخطاء، واستنكر إصرار بن سدرين على أن تواصل الهيئة مهامها لمدّة سنة أخرى.
في غضون ذلك، قال غازي الشواشي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي المعارض، إن النواب بصدد التوقيع على عريضة لسحب الثقة من محمد الناصر، رئيس البرلمان، وذلك بسبب انحيازه إلى حزب النداء في «معركة التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة». وأكد في تصريح إعلامي أن رئيس البرلمان وقف جدارا ضد كل محاولات منع الانقلاب على مسار العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي، والتداول السلمي على السلطة، وأسس الجمهورية الثانية على حد تعبيره.
وتوقع الشواشي أن تكون المعركة شديدة في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية تعرفها تونس، وأزمة سياسية في الأفق، ستترتب عنها تغييرات قريبة في الحكومة، على حد تعبيره.
تونس: {الحقيقة والكرامة} ترفض الانصياع لقرار البرلمان
في مؤشر على اتجاه ملف انتهاكات حقوق الإنسان نحو مزيد من التعقيد
تونس: {الحقيقة والكرامة} ترفض الانصياع لقرار البرلمان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة