العالم يترقب ميلاد «سوبر أوبك» على يد السعودية وروسيا

التحالف المقبل طويل المدى من شأنه التحكم في نصف إنتاج العالم النفطي

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح يتحدث خلال مؤتمر صحافي سابق مع نظيره الروسي الكسندر نوفاك في الرياض (أ.ف.ب)
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح يتحدث خلال مؤتمر صحافي سابق مع نظيره الروسي الكسندر نوفاك في الرياض (أ.ف.ب)
TT

العالم يترقب ميلاد «سوبر أوبك» على يد السعودية وروسيا

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح يتحدث خلال مؤتمر صحافي سابق مع نظيره الروسي الكسندر نوفاك في الرياض (أ.ف.ب)
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح يتحدث خلال مؤتمر صحافي سابق مع نظيره الروسي الكسندر نوفاك في الرياض (أ.ف.ب)

للتحالف المكون من 24 دولة، الذي أنشأته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والدول خارجها في أواخر عام 2016 أسماء كثيرة في الصناعة... فهناك من يسمي التحالف «أوبك وحلفاءها» وهناك من يطلق عليه «أوبك+».
ولأن التحالف كان من المفترض أن يستمر لعام أو عامين على الأكثر عندما تم إنشاؤه، لم يكن هناك أي حاجة لأن يتم تأطيره بشكل مؤسساتي. ولكن نظراً للنتائج العظيمة التي حققها هذا التحالف الذي تقوده السعودية وروسيا أكبر بلدين منتجين للنفط الخام في العالم حتى العام الماضي، فإن الجميع الآن يسعى لاستمرار هذا التحالف.
وإذا ما استمر التحالف لمدة أطول باتفاقية جديدة إطارية طويلة المدى، فإن ذلك يعني مولد مؤسسة جديدة على مستوى العالم، ولن تكون تحت مظلة «أوبك»، لأنه من الواضح أن روسيا والكثير من المنتجين الآخرين لا يسعون للانضمام للمنظمة. هذه المؤسسة الجديدة سوف تكون «سوبر أوبك»، أي «أوبك» وكبار المنتجين في العالم.
وتتحكم «أوبك» في 40 في المائة من إنتاج النفط العالمي اليومي تقريباً، وإذا ما انضمت إليها روسيا وعمان وأذربيجان وكازاخستان، فإن التحالف في صورته المؤسساتية الجديدة قد يتحكم في نصف أو أكثر بقليل من نصف الإنتاج العالمي.
وتحدث كثير من الوزراء في «أوبك»، وحتى وزير الطاقة الروسي إلكسندر نوفاك، عن احتمالية تمديد الاتفاق الحالي لتخفيض الإنتاج العالمي، الذي من المفترض أن ينتهي في أواخر العام الحالي، لمدة أطول وبصورة مختلفة، لا تتضمن فقط خفض الإنتاج، بل التنسيق العام والمشترك. ولا توجد حتى الآن صورة نهائية لهذه المؤسسة الجديدة سوى ما أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حوار مع «رويترز»، قبل يومين، بأن السعودية تسعى لجعل التعاون مع روسيا و«أوبك» يستمر لمدة 10 إلى 20 عاماً، وأن هناك اتفاقاً حول الخطوط العريضة للتعاون طويل الأمد.
ولم تعلن روسيا عن أي تفاصيل سوى ما صرح به متحدث باسم الكرملين، أمس (الأربعاء) أن روسيا والسعودية تناقشان «مجموعة واسعة من الخيارات» بشأن التعاون في سوق النفط العالمية. وكان المتحدث ديمتري بيسكوف يعلق على تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وبالأمس، كذلك قال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة «أوبك» في مؤتمر نفطي في بغداد إن المنظمة تتطلع إلى التعاون «لأمد طويل جدّاً» مع مصدري النفط الآخرين. وكان باركيندو كذلك يعلق على تصريحات الأمير محمد بن سلمان بأن السعودية أكبر منتج في أوبك وروسيا غير العضو في المنظمة تعملان صوب اتفاق تاريخي طويل الأجل قد يمدد قيود إمدادات الخام العالمية التي وضعها كبار المصدرين لما يصل إلى 20 عاماً.
وتعاونت روسيا، أكبر منتج للنفط في العالم، مع «أوبك» التي تضم 14 عضواً من قبل لكبح الإمدادات وتعزيز الأسعار في فترات شهدت تخمة في معروض الخام، لكن إذا توصل الجانبان إلى اتفاق مدته بين عشرة أعوام و20 عاماً فسيكون أمراً غير مسبوق.
واتفقت الدول الأعضاء في «أوبك» وروسيا وغيرها من المنتجين خارج المنظمة على خفض الإمدادات منذ يناير (كانون الثاني) 2017، لإعادة توازن السوق النفطية وخفض المخزونات، وإعادتها لمستوياتها الطبيعية حسب متوسط الخمس سنوات الماضية. وأسهم ذلك في رفع أسعار النفط التي هوت من فوق 110 دولارات للبرميل في 2014 إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل في 2016.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي جرى تمديد الاتفاق الأصلي، وهو ما رفع الأسعار إلى نحو 70 دولاراً للبرميل. ومن المقرر أن تستمر تخفيضات الإنتاج الحالية حتى نهاية عام 2018.
ويرى مازن السديري، رئيس الأبحاث في «الراجحي كابيتال» - الذراع الاستثمارية لـ«مصرف الراجحي السعودي» - أن وجود روسيا في التحالف بصورته المؤسساتية الجديدة طويلة الأمد أمر مهم بالنسبة للسوق وللسعودية ولروسيا.
فبالنسبة للسوق، فإنها ستضمن وجود جهة تقوم على تنظيمها متى ما احتاج الأمر لذلك. وبالنسبة للسعودية، فإن الأمر مهم لها إذ إنها تتحمل دوماً العبء الأكبر في كل اتفاقية تخفيض للإنتاج، ووجود منتج ضخم آخر يتحمل معها العبء أمر مهم.
أما بالنسبة لروسيا، فيرى السديري أن روسيا هي المستفيد الأكبر، إذ إن هبوط أسعار النفط أثر كثيراً في اقتصادها وميزانيتها، ومع تدهور سعر الصرف للروبل الروسي تآكلت احتياطيات روسيا النقدية، وأصبح من المهم لها أن تحصل على نقد أكثر لدعم عملتها واقتصادها ونظامها المصرفي الذي كان قد دخل فترة صعبة بعد عام 2014 عندما انهارت أسعار النفط.
ولكن لا يزال هناك بعض المحللين يرون أن استمرار روسيا لفترة طويلة جداً أمر صعب. ويقول عبد الصمد العوضي أحد الممثلين الوطنيين السابقين لدولة الكويت في «أوبك»، إن روسيا لديها نظام يختلف عن نظام «أوبك» ويتم إنتاج النفط في البلاد على يد شركات مساهمة تمتلك فيها الدولة حصصاً كبيرة، ولكن هذه الشركات لا تزال تخضع لرغبات المساهمين حتى وإن كانت الكلمة الأخيرة في روسيا للرئيس فلاديمير بوتين.
وقال العوضي إن الضغوط التي تتعرض لها الشركات الروسية من قبل المساهمين تجعلها لا تفكر في الاستمرار في اتفاقيات لخفض الإنتاج لمدد طويلة.
وأضاف العوضي أن السعودية وروسيا لديهما الكثير من الاختلافات حول المواقف السياسية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، ولهذا فإن أي اختلافات كبيرة في المواقف السياسية قد لا تجعل التعاون طويل الأمد أمراً ممكناً.
ويبدو أن انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014 كان له تأثير كبير على مداخيل روسيا حيث حققت البلاد مبيعات نفطية في عام 2014 قيمتها 154 مليار دولار انخفضت في عام 2015 مع انخفاض أسعار النفط بشكل كبير لتصل إلى 89.5 مليار دولار، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة أخيراً.
وفي عام واحد، وهو 2017، حققت روسيا ما يقارب من 20 مليار دولار كدخل إضافي من صادراتها النفطية بعد أن باعت نفطاً بقيمة 93.3 مليار دولار ارتفاعاً من 73.7 مليار دولار في 2016، بعد التحسن الذي شهدته أسعار النفط نتيجة للاتفاق مع «أوبك».
وقال أمين منظمة «أوبك» محمد باركيندو: «بالإضافة إلى 24 دولة جاءت لتوقع إعلان التعاون في نوفمبر، لدينا ست دول أخرى منتجة جاءت لتبدي تضامنها».
وخلال مؤتمر أمس، قال وزير النفط العراقي جبار اللعيبي إن عدداً من الدول المصدرة اقترحت تمديد اتفاق تخفيضات الإنتاج ستة شهور، لكنه لم يحدد تلك الدول.
وفيما يتعلق بموارد العراق، ثاني أكبر منتج في «أوبك»، قال الوزير إن بلده ربما يملك احتياطيات نفطية تصل إلى مثلي التقديرات الحالية التي تبلغ نحو 150 مليار برميل.
وأضاف أن سوق الخام تتماسك وأن الأسعار «تحسنت»، مضيفاً أن اتخاذ قرار بشأن تمديد تخفيضات الإنتاج لما بعد 2018 سيعتمد على الاجتماعات التي سيعقدها المصدرون بحلول نهاية العام الحالي. وقال باركيندو إن «أوبك» تقيم تأثير اتفاق خفض الإمدادات لتحديد «الإجراء المناسب» الذي ينبغي اتخاذه عند انتهاء سريانه.
وعلاوة على ذلك، ذكر باركيندو أن الاستثمار في قطاع النفط يزيد مع تعافي أسعار النفط، لكنه لم يصل بعد للمستوى الذي كان عليه قبل هبوط الأسعار في 2014.



تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
TT

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار في الأسواق العالمية، خاصة بعد أن أحدثت تقلبات الين الياباني، في أغسطس (آب) الماضي، اضطرابات عبر الأصول المختلفة.

وانخفض اليورو بنحو 3.8 في المائة أمام الدولار، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهو الآن يقترب من مستوى 1 دولار الرئيسي، تحت ضغط عدة عوامل تشمل خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لفرض تعريفات تجارية، وضعف الاقتصاد في منطقة اليورو، وتصاعد النزاع بين روسيا وأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تسهم رهانات النمو الأميركي في تقوية الدولار والأسواق الأميركية، وفق «رويترز».

ورغم ذلك، يبقى المستثمرون والمتداولون في العملات منقسمين حول المسار القادم للعملة الأوروبية، حيث يُعدّ الدولار نفسه مهدَّداً بتداعيات التضخم الناجم عن التعريفات وزيادة الديون الحكومية التي قد تُزعزع الثقة في الأسواق والاقتصاد الأميركي.

وقد تتصاعد حالة عدم اليقين إذا استمر اليورو في التراجع، مما يزيد من احتمالية حدوث تحولات مفاجئة قد تؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة على الاستراتيجيات الاستثمارية المرتبطة بسياسات ترمب، مثل تلك التي تراهن على انخفاض اليورو وارتفاع الأسهم الأميركية، وفقاً لما أشار إليه المحللون.

في هذا السياق، قال كيت جاكس، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية في «سوسيتيه جنرال»: «نحن نشهد تقلبات هائلة، حيث بدأ المتداولون التساؤل: هل نتجاوز سعر صرف اليورو مقابل الدولار أم يعود إلى مستوياته السابقة؟». وأضاف: «الخلاصة هي أننا سنرى مزيداً من المناقشات الساخنة في كلا الاتجاهين بشأن اليورو، وأنا شخصياً لا أعتقد أن هذه الارتباطات العالية بين الأصول سوف تستمر».

وبدأت أزمة السوق، في أغسطس، بتقلبات الين مقابل الدولار، والتي فاجأت صناديق التحوط التي كانت تراهن ضد العملة اليابانية، وتحولت إلى بيع الأسهم لتمويل طلبات الهامش.

وحذّرت الجهات التنظيمية من أن الأسواق قد تصبح عرضة لمثل هذه الأحداث، عندما تتغير الروايات الاقتصادية بسرعة، وخاصة في ضوء المستويات العالية من الاستدانة في النظام.

وأضاف جاكس: «إذا تجاوزنا نقطة تكافؤ اليورو مع الدولار، فسنبدأ مواجهة المخاوف التي شهدناها من قبل في الأسواق».

التداعيات المحتملة

يُعد زوج اليورو/الدولار الأميركي هو الزوج الأكثر تداولاً في الأسواق العالمية. والتغيرات السريعة في سعر صرفه يمكن أن تعطل أرباح الشركات المتعددة الجنسيات، فضلاً عن التأثير على آفاق النمو والتضخم في البلدان التي تعتمد على استيراد أو تصدير السلع بالدولار.

وقال ثيموس فيوتاكيس، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي في «باركليز»، إن «اليورو هو معيار رئيسي»، مما يعني أن الدول الحساسة للتجارة مثل الصين وكوريا الجنوبية وسويسرا قد تسمح لعملاتها بالضعف مقابل الدولار، إذا استمر اليورو في الانخفاض؛ من أجل الحفاظ على قدرة صادراتها على المنافسة مقابل منتجات منطقة اليورو.

وأشار فيوتاكيس إلى أن الجنيه البريطاني، الذي انخفض بنحو 2 في المائة أمام الدولار في نوفمبر ليصل إلى نحو 1.26 دولار، سيكون حساساً جداً تجاه أي تقلبات في تحركات اليورو.

وأصبحت الأسواق أيضاً أكثر حساسية لتحركات اليورو/الدولار، بعد أن لاحظ خبراء استراتيجيات العملة تدفقاً من المتداولين على عقود الخيارات التي تجمع الرهانات على النتائج المرتبطة بسياسات ترمب، مثل ضعف اليورو، وارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز».

وقال فيوتاكيس: «لقد رأينا كثيراً من المستثمرين يحاولون الاستثمار في هذه النتائج المشروطة»، منوهاً بالارتباطات بين تحركات العملة والأسواق الأوسع.

انقسام الآراء بشأن المستقبل

في الوقت نفسه، يبدو أن مديري الأصول على المدى الطويل منقسمون بشكل كبير بشأن الاتجاه المستقبلي لليورو والدولار، مما يشير إلى أن هذا الزوج من العملات قد يشهد تقلبات ملحوظة في الأشهر المقبلة.

وقال ويليم سيلز، كبير مسؤولي الاستثمار في وحدة الخدمات المصرفية الخاصة والثروات ببنك «إتش إس بي سي»: «نتوقع أن يهبط اليورو إلى 99 سنتاً، بحلول منتصف العام المقبل».

في المقابل، اقترح كبير مسؤولي الاستثمار في «أموندي»، أكبر مدير للأصول في أوروبا، فينسنت مورتييه، أن انخفاض أسعار الفائدة في منطقة اليورو قد يعزز النشاط الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي، وهو ما قد يساعد في رفع اليورو إلى 1.16 دولار، بحلول أواخر عام 2025.

وفي سوق خيارات العملة السريعة، كان المتداولون في أواخر يوم الثلاثاء يقدّرون احتمالات بنسبة 56 في المائة بأن ينتهي العام باستعادة اليورو بعض الأرض فوق مستواه الحالي عند نحو 1.047 دولار، على الرغم من أن البنوك الكبرى، مثل «جيه بي مورغان»، و«دويتشه بنك»، قالت إن التحرك إلى دولار واحد قد يحدث، خاصة إذا كان مرتبطاً بمزيد من التعريفات الجمركية.

وقد أدى ازدياد الرهانات على أن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية إلى 2.75 في المائة، الشهر المقبل، إلى إضعاف اليورو بشكل كبير.

لكن الرواية السائدة بأن سياسات ترمب الاقتصادية، مثل ارتفاع التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية، سوف تُبقي أسعار الفائدة مرتفعة والدولار قوياً، بدأت تتعرض لبعض الضغوط.

في هذا السياق، قال ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة «يوريزون إس جيه إل كابيتال»، إن الولايات المتحدة قد تواجه ما يسمى «لحظة يقظة السندات»، إذا قام المقرضون في سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 27 تريليون دولار، برفع تكلفة الديون؛ في محاولة للحد من التخفيضات الضريبية المموَّلة بالديون المفرطة. وأضاف: «من المحتمل أن يسمح هذا بالتيسير المالي، مما يسمح بهبوط هادئ للاقتصاد الأميركي، وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، ومن ثم جعل الدولار مُبالغاً في قيمته».