تحالف غير مريح بين البعثيين و«داعش» من أجل هدف واحد

مقاتل من جماعة عزة الدوري: نقاتل معهم الآن لكن سنحمي العراق من أفكارهم

مؤيدون لتنظيم داعش يرفعون علم القاعدة شمال غرب بغداد أمس (أ.ب)
مؤيدون لتنظيم داعش يرفعون علم القاعدة شمال غرب بغداد أمس (أ.ب)
TT

تحالف غير مريح بين البعثيين و«داعش» من أجل هدف واحد

مؤيدون لتنظيم داعش يرفعون علم القاعدة شمال غرب بغداد أمس (أ.ب)
مؤيدون لتنظيم داعش يرفعون علم القاعدة شمال غرب بغداد أمس (أ.ب)

في اجتماع مع السفير الأميركي منذ عدة سنوات في بغداد، روى رئيس الوزراء نوري المالكي بالتفصيل ما كان يعتقد أنه مخطط انقلاب أعده ضباط سابقون في حزب البعث الذي كان يتزعمه صدام حسين.
قال له السفير زلماي خليل زاد حينها موبخا: «لا تضيع وقتك حول فكرة قيام البعثيين بالانقلاب»، عادّا نظريات المؤامرة التي تحدث عنها ضربا من خيال.
لكن في ظل مواجهة العراقيين أخطر أزمة تحل بهم منذ أعوام؛ إذ اجتاح المسلحون السنة شمال ووسط العراق، أثبتت ادعاءات المالكي بشأن المخططات البعثية صحتها إلى حد ما؛ ففي حين يقوم مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المتطرف، الذي خرج من عباءة «القاعدة»، بأبرز دور في التمرد الجديد، إلا أنهم حققوا ذلك في إطار تحالف مع شبكة راسخة من الموالين لصدام حسين في السابق.
ويساعد اشتراك البعثيين في الأمر على تفسير استطاعة عدد قليل من مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الاستيلاء على مزيد من الأراضي بسرعة، كما أنه يلقي الضوء على التعقيد الذي تتسم به القوات المتحالفة ضد بغداد في الصراع؛ وليس فقط التنظيم الذي يخضع لتأثير أجنبي ويعرف باسم «داعش»، بل هناك العديد من الجماعات التي نشأت في الداخل أيضا. وتقدم الصلات الاجتماعية والثقافية العميقة التي تربط البعثيين بكثير من المناطق التي تخضع حاليا لسيطرة المسلحين، إنذارا بمدى الصعوبة التي قد تواجهها الحكومة من أجل استعادة الأراضي وإعادة النظام.
وينتمي العديد من الرجال الموالين للنظام السابق، بما في ذلك ضباط الاستخبارات وجنود الحرس الوطني، الذين يشار إليهم عادة باسم «الدولة العميقة» في العالم العربي، إلى جماعة تطلق على نفسها اسم «جيش رجال الطريقة النقشبندية». وقد أعلنت الجماعة عن تأسيسها عام 2007، بعد فترة ليست بالطويلة من إعدام الرئيس الأسبق صدام حسين، وزعيم الجماعة المفترض هو عزة إبراهيم الدوري، الذي كان أحد أكثر نواب صدام حسين وثوقا وشخصية رفيعة المستوى داخل النظام القديم ممن تجنبوا الاعتقال من قبل القوات الأميركية.
وبالإشارة إلى مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، صرح مايكل نايتس، وهو محلل في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» في بحث له عن الطريقة النقشبندية، قائلا: «لا يمكنهم الاستحواذ على جزء مما استحوذوا عليه دون تنسيق التحالفات مع جماعات سنية أخرى». وأضاف نايتس، في إشارة منه إلى بعض المناطق الخاضعة لسيطرة المتشددين، بما فيها مناطق حول الموصل، وكركوك، وتكريت، قائلا: «هناك بالتأكيد جيوب تتمتع فيها الطريقة النقشبندية بنفوذ واسع».
والدوري، الذي يعد الورقة الرابحة في بطاقات اللعب الممنوحة للقوات الأميركية في عام 2003 للتعرف على قادة النظام المطلوبين، يوصف بأنه شخصية غامضة، وماكرة للغاية لدرجة أنه أعلن عن وفاته في عام 2005. ويعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة حتى الآن - ليكون في أوائل السبعينات من عمره - على الرغم من عدم تأكيد ذلك حتى تاريخه. ويقال إنه فر إلى سوريا عقب الغزو الأميركي للعراق، حيث ورد أنه عمل مع الاستخبارات السورية لإعادة تشكيل حزب البعث داخل العراق وقيادة التمرد الذي يستهدف المصالح الأميركية بالمقام الأول من هناك.
ويقول نايتس عن الدوري: «إنه يعد قامة سامقة بالنسبة للنظام السابق.. إنك تحتاج إلى مثل تلك الشخصية للاحتفاظ بجذوة النظام مشتعلة».
أما الدور الذي يلعبه البعثيون في الأحداث المتصاعدة حاليا، فلا يبرر فقط شكوك نوري المالكي، بل يبرر كذلك المخاوف طويلة الأمد لدى ضباط الاستخبارات الأميركية.. ففي الوقت الذي كانت فيه القوات الأميركية تقلص من عملياتها في العراق، كثيرا ما توقعوا أن البعثيين كانوا في وضع جيد لاستغلال المظالم السنية واعتلاء موجة التحدي العنيفة ضد الحكومة الحالية.
ويقول المحللون إن رموز النظام السابق، الذين يجمعون بين الفكر الإسلامي وفروع فكر القومية العربية النموذجي لفكر حزب البعث، يلتقون مع المتطرفين الإسلاميين من زاوية واحدة: يعقد كلا الطرفين العزم على استعادة الحكم السني في العراق وتخليص البلاد مما يعدونه النفوذ الإيراني الخبيث في العراق. ومثل المتطرفين، فإن رموز النظام السابق قد اكتسبوا تعاطفا من السنة العاديين الذي همشتهم السياسات الطائفية لنوري المالكي.
وصرح أبو عبيد الرحمن، وهو زعيم الطريقة النقشبندية في شمال العراق، في مقابلة له قائلا: «إن مشكلتنا مع المالكي، وسنطيح به وبأي شخص يقف إلى جواره». وأضاف قائلا: «إننا نريد السيطرة على الأرض على طول الطريق إلى بغداد لإسقاط حكومة المالكي وإنهاء النفوذ الإيراني في العراق. إن ما يحدث اليوم في العراق نتيجة لسياسة المالكي الطائفية في العراق».
وفي الوقت الذي تضم فيه «الدولة الإسلامية في العراق والشام» العديد من المقاتلين الأجانب بين صفوفها، تعد الطريقة النقشبندية تنظيما محليا. حسن حسن، وهو خبير في شؤون الجماعات السنية المسلحة ويقيم في أبوظبي، كتب أخيرا يقول إن الطريقة النقشبندية تتكون من آلاف المقاتلين كما أنها «تعد منافسا قويا لـ(داعش) وتتمتع بجذور اجتماعية قوية في المجتمع العراقي». وصرح ريكان الكوراوي، أحد الزعماء القبليين في محافظة ديالى، حيث تعمل كلتا الجماعتين، قائلا: «(داعش) متطرفون وغرباء. لكن النقشبنديون ليسوا بغرباء. إننا نعرف كثيرين منهم. إن (داعش) تقتل شعبنا في المناطق التي يسيطرون عليها، ويفرضون قوانينهم الإسلامية علينا. نحن لا نريد ذلك، ولا يفعل النقشبنديون أيا من ذلك. ولديهم استراتيجية جيدة في التعاون مع الناس».
وكان العراق، خلال العام الماضي، نسخة مصغرة من الانتفاضة السنية التي يشهدها حاليا. وفي هذه الحالة، يبدو أن النقشبنديين يحتلون موقع الصدارة، ويوجهون مجموعات المقاتلين ليسيطروا على بعض المناطق لفترة وجيزة عقب فتح قوات الأمن العراقية النار على مظاهرة لمعسكر المحتجين في الحويجة، وهي بلدة بالقرب من كركوك وتعد معقل الطريقة النقشبندية، مما أدى إلى مقتل العشرات.
بطريقة أو بأخرى، أنذر ذلك القتال، عقب غارة الحويجة، بما يحدث في العراق الآن. حيث حفزت المواجهة السنية ضد الحكومة، وجرى استغلالها من قبل التحالف بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، والبعثيين، الذين ينصبون أنفسهم حراسا للعلمانية والقومية العربية.
وفي الوقت الذي تنعقد فيه التحالفات اليوم حول قتال العدو المشترك (حكومة نوري المالكي تحت السيطرة الشيعية) فمن غير المرجح قيام حالة من التعايش بين الجانبين إذا ما كان ينبغي الاستحواذ على السلطة في بعض المناطق. فالبعثيون، الذين يظهرون في صورة علمانية وأكثر قومية، ليست لديهم مصلحة في العيش تحت ظل «قوانين» تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي بدأت تطبق بالفعل في مدينة الموصل.
وقال أبو طليحة العبيدي، وهو مقاتل نقشبندي في شمال العراق، ذكر أن الطريقة تحصل على معظم تسليحها من المهربين عبر الحدود السورية - التركية، والمنطقة الكردية في شمال العراق.. «إننا نقاتل الآن مع (داعش)، غير أننا نحمي العراق من أفكارهم الدينية». وأضاف: «إننا لن نقتل الأبرياء، أو الجنود الذي يسلمون أسلحتهم. إننا لا نتصرف مثل الأدمغة الجديدة في (داعش).
وأفادت بعض التقارير، بالفعل، بوقوع بعض الاشتباكات بين الجانبين داخل الموصل، لكن الطريقة النقشبندية نفت ذلك. وصرح نايتس قائلا: «إنهم يحتاج بعضهم إلى بعض في اللحظة الراهنة، ولكن سيقاتل بعضهم بعضا في نهاية الأمر».
* خدمة «نيويورك تايمز»



مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

هيمن كل من الحرب في غزة، وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين، بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر، إذ شاعت نبرة غير متفائلة حيال مستقبل هذين الملفين سواء في عهدة الجمهوري دونالد ترمب، أو منافسته الديمقراطية كامالا هاريس اللذين يصعب توقع الفائز منهما.

وبدا تحفظ رسمي مصري بشأن شخص الرئيس الأميركي المفضل لدى الدولة المصرية، فيما قال مصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «الرهان على رجل أو سيدة البيت الأبيض المقبل كان من بين أسئلة وجهها برلمانيون مصريون إلى مسؤول في وزارة الخارجية المصرية، داخل مجلس النواب قبل أيام، إلا أنه لم يرد بشكل حاسم».

ويختار الأميركيون رئيسهم الـ47 بين الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترمب، في نهاية حملة ترافقت مع توتر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط، يراه محللون عاملاً مهماً في الترتيبات المستقبلية لحسابات مصر.

ولا يرى دبلوماسيون مصريون، ومن بينهم محمد العرابي رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق «خياراً مفضلاً للمصالح المصرية» بين أي من هاريس أو ترمب.

ويرى العرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «جوانب إيجابية وسلبية لدى كلا المرشحين، بشأن معادلة العلاقات مع مصر وحرب غزة».

فيما لا يكترث المفكر السياسي والدبلوماسي المصري السابق مصطفى الفقي، بالفروق الضئيلة بين حظوظ ترمب وهاريس، ويرى أنهما «وجهان لعملة واحدة في السياسة الأميركية، وهو الدعم المطلق لإسرائيل»، وفق وصفه لـ«الشرق الأوسط».

وإلى جانب الاقتناع بالدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، فإن هناك تبايناً آخر في ترجيحات البعض، إذ يعتقد رئيس حزب «الوفد» (ليبرالي) عبد السند يمامة أن «نجاح هاريس بسياساتها المعتدلة يصب في صالح السياسة الخارجية المصرية في ملف غزة».

في المقابل، يرجح رئيس حزب «التجمع» المصري (يسار) سيد عبد العال «اهتمام ترمب الأكبر بسرعة إنهاء الحرب في غزة»، موضحاً أن «مصالح مصر هي ما يحدد العلاقة مع الرئيس الأميركي المقبل».

وبالنسبة لوكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، فإن هناك انعكاسات خطيرة لفوز ترمب على «مصالح مصر فيما يخص ملف تهجير الفلسطينيين إلى سيناء».

ويعيد رشاد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، التذكير «بمشروع المرشح الجمهوري القديم لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهذا ضد مصر»، علماً بأن صهر ترمب وكبير مستشاريه السابق اقترح في مارس (آذار) إجلاء النازحين الفلسطينيين في غزة إلى صحراء النقب جنوب إسرائيل أو إلى مصر.

في المقابل، تبدو نبرة الثقة من برلمانيين مصريين في قدرة الدبلوماسية المصرية على التعامل مع أي مرشح فائز، خصوصاً في ملف حرب غزة.

ويقول وكيل لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب المصري أيمن محسب، لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة ستتعاطى بإيجابية مع أي فائز ينجح في وقف الحرب في غزة والتصعيد في المنطقة».

بينما يلفت عضو مجلس الشيوخ إيهاب الهرميل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «التواصل الدوري من مصر الرسمية مع أطراف في المعسكرين الحاكمين بأميركا، بشأن غزة وجهود الوساطة المصرية - القطرية».

وخلال الشهر الماضي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اجتماعين منفصلين وفدين من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، ضما أعضاء من المعسكرين الديمقراطي والجمهوري، حيث تمت مناقشة جهود تجنب توسيع دائرة الصراع في المنطقة.

وبشأن نزاع «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا، يراهن متابعون على مساندة ترمب لمصر حال فوزه، بعدما أبدى اهتماماً لافتاً بالقضية في ولايته الأولى، واستضاف مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، كما سبق أن حذّر الإثيوبيين عام 2020 من «تفجير مصر للسد، بعد أن ضاقت بها السبل لإيجاد حل سياسي للمشكلة».

لكنّ رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، يقول: «مصر لا تُعوّل على أحد، تتحرك من منطلق أنها دولة أفريقية مهمة في قارتها، وتحرص على مصالحها»، فيما يُذكّر وكيل الاستخبارات السابق بأن «ترمب لم يُحدث خرقاً في الملف» رغم اهتمامه به.

ومن بين رسائل دبلوماسية متعددة حملها آخر اتصال بين مصر وإدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، أعاد وزير الخارجية بدر عبد العاطي، الأحد الماضي، التأكيد لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، على أن «مصر لن تسمح لأي طرف بتهديد أمنها المائي».

سؤال وجّهه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري للمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي

شعبياً، بدا أن المصريين لا يلقون اهتماماً كبيراً بالسباق الأميركي، وهو ما كشفته محدودية الردود على سؤال بشأن توقعات المرشح الأميركي الفائز، ضمن استطلاع أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع للحكومة المصرية.

وبدت تباينات الآراء في الاستطلاع الذي نشر عبر «السوشيال ميديا»، إذ رأى أحد المعلقين أن هاريس الأقرب، في مقابل آخر رجح فوز ترمب. لكن المثير للاهتمام هو توقع أحد المستطلعين «فوز نتنياهو»، أو على حد قول أحد المصريين باللهجة العامية المصرية: «شالوا بايدن وجابوا ترمب أو هاريس... كده كده اتفقوا على حماية إسرائيل».