طوابير امام محلات الصرفية في طهران لشراء الدولار (مهر)
TT
TT
سعر الدولار يواصل كسر الأرقام القياسية في إيران
طوابير امام محلات الصرفية في طهران لشراء الدولار (مهر)
-عاد التوتر إلى سوق المال الإيرانية بعد تراجع مفاجئ للعملة المحلية (تومان) مقابل سعر الدولار أمس، وذلك بعد أسابيع من هدوء حذر على أثر موجة اعتقالات استهدفت ناشطين اقتصاديين في سوق المال الإيرانية بعد اتهامهم بالوقوف وراء تذبذب أسعار الدولار وارتفاعه إلى أعلى المستويات خلال الأشهر الأخيرة.
وارتفع سعر الدولار مرة أخرى وسجل أرقاماً قياسية في إيران نتيجة زيادة الطلب من الإيرانيين الذين يفضلون تحويل مدخراتهم إلى الدولار، في ظل التوقعات بعودة العقوبات إلى إيران واحتمال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وبلغ سعر الدولار الواحد 5086 توماناً، وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
فيما تباينت وكالات أنباء إيرانية حول سعر الدولار، وقالت وكالة «إيسنا»، إنه بلغ 5023، فيما قالت وكالات أنباء أخرى إنه وصل إلى 5050 توماناً.
وقال النائب في البرلمان محمود صادقي، إنه أجرى اتصالات مع المسؤولين في البنك المركزي، مضيفاً أن «مسؤولين أبلغوه باتخاذ الإجراءات لإدارة سوق العملة»، مضيفاً أن «التهاب السوق له أبعاد نفسية» جراء اهتمام وسائل الإعلام بتقلبات السوق المالية.
وقبل شهرين، وعد الرئيس الإيراني بالسيطرة على أسعار الدولار وعودة الهدوء إلى الأسواق. وأطلقت الشرطة الإيرانية بأوامر قضائية منتصف الشهر الماضي، موجة اعتقالات في طهران استهدفت ناشطين اقتصاديين في سوق الدولار. وقال الادعاء العام إنه أغلق 1200 حساب بنكي على صلة بسوق العملة تبلغ قيمتها 37 مليار تومان. كما أعلنت الحكومة ضخ الدولار إلى الأسواق بعد شرائه لوقف ارتفاع أسعاره.
وعلى مدى الشهر الماضي، نشرت وكالات أنباء صوراً من طوابير طويلة للإيرانيين أمام محلات الصرافة، رغم تراجع طفيف في سعر الدولار.
وقال مؤسس المنتدى الأوروبي الإيراني، وهو شبكة تعنى بالمال والأعمال، اسفنديار باتمانقليج، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «المسألة نفسية أكثر منها اقتصادية. لا سبب لشراء الدولارات إلا الأمل بأنك ستتمكن من بيعها لاحقاً بسعر أعلى».
وأوضح أن ما يجري هو رد فعل على عناوين الأخبار المقلقة من الولايات المتحدة، حيث عين الرئيس دونالد ترمب أخيراً شخصيتين متشددتين حيال إيران؛ هما وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتن.
وقال المحلل المالي في طهران نافيد كالهور: «أرى كثيراً من الأشخاص يتطلعون إلى الاستثمار في الدول المجاورة جراء المخاوف المتعلقة بمستقبل الاتفاق النووي».
واشتكى مسؤولون إيرانيون من أن المواطنين يكدسون مليارات الدولارات في وقت تعاني فيه المصارف المحلية من نقص في السيولة.
وقال كالهور: «لدي أصدقاء يتوجهون إلى البنوك ويطلبون 15 أو 20 مليون ريال (300 أو 400 دولار) ويُطلب منهم العودة بعد أسبوع لعدم توفر السيولة».
ويشكل تراجع قيمة العملة مشكلة أساسية بالنسبة لحكومة الرئيس حسن روحاني التي كانت تأمل في جذب استثمارات أجنبية واسعة غداة الاتفاق النووي.
وقال باتمانقليج إن انهيار العملة سيشكل عامل طرد آخر للمستثمرين المحتملين الذين يواجهون أصلاً عقبات كبرى جراء العقوبات الأميركية غير المتصلة بالملف النووي المتبقية.
وقال: «حتى في حال كان المستثمر راغباً بالعمل في إيران، يشكل تراجع قيمة العملة مصدر قلق بالغاً له. إذا استثمرت الآن وانخفضت العملة حتى ولو 15 في المائة، سيكون عليك خصم ذلك من عائداتك، وهو أمر يصعب اتخاذ إجراءات وقائية بشأنه».
وأضاف أن «ذلك سيكون صعباً بالنسبة للحكومة».
فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيرانيhttps://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9/5098888-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
استكمل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، «مضبطة الاتهامات» ضد إيران التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته أمام السلك الدبلوماسي، الاثنين، والتي لم تتضمن ملف الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران منذ عام 2022.
وبذلك، أضاف بارو مدماكاً إضافياً إلى المداميك العديدة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الفرنسية - الإيرانية.
يعكس كلام بارو شكلاً من أشكال الإحباط بسبب فشل باريس في الحصول على الإفراج عن مواطنيها الثلاثة: سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ومواطن ثالث لم يكشف سوى عن اسمه الأول، أوليفيه، الذين ما زالوا محتجزين في إيران، علماً بأن السلطات الإيرانية قد وافقت سابقاً وفي فترات مختلفة على تحرير عدد من الفرنسيين.
رداً على ذلك، دعا بارو الفرنسيين، الثلاثاء، إلى الامتناع عن التوجه إلى إيران انتظاراً لـ«الإفراج الكامل» عن «رهائن الدولة»، كما تسميهم باريس.
وجاء في تصريحاته حرفياً: «أقول للسلطات الإيرانية: يجب الإفراج عن رهائننا. علاقاتنا الثنائية ومستقبل العقوبات يعتمد على ذلك. أدعو مواطنينا، وحتى يتم الإفراج الكامل عن رهائننا، إلى عدم التوجه إلى إيران».
وأفاد بارو بأنه «منذ انتخاب الرئيس (مسعود) بزشكيان، ورغم الجهود التي بذلناها على أعلى مستوى، فقد تدهورت أوضاعهم».
وترفض باريس، قطعياً، الاتهامات الموجهة لمواطنيها الثلاثة، ومنها التجسس لصالح قوة أجنبية. ولم يتردد الوزير الفرنسي في اتهام إيران بممارسة التعذيب ضد الثلاثة بقوله: «إن وضع مواطنينا المحتجزين كرهائن في إيران غير مقبول بكل بساطة، فهم محتجزون ظلماً منذ عدة سنوات، في ظروف غير لائقة تندرج بالنسبة للبعض ضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الدولي».
دبلوماسية الرهائن
ليس ملف احتجاز الرهائن في إيران جديداً، لا بالنسبة لفرنسا أو للبلدان الأوروبية ولدول أخرى. وآخر ما استجد توقيف الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا في طهران يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) بحجة «انتهاك القوانين الإيرانية»، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإيطالية.
كما أنه ليس سراً أن السلطات الإيرانية تلجأ إلى اعتماد سياسة الرهائن لمقايضتهم بمواطنين إيرانيين مسجونين في البلدان الغربية، والأدلة على ذلك عديدة.
وفي حالة فرنسا، فإن ما يثير استغرابها أن طهران لا تأخذ بعين الاعتبار حرص باريس على استمرار التواصل معها الدبلوماسي على أعلى المستويات. لكن اللافت أن وزير الخارجية ربط، وللمرة الأولى، كما تقول مصادر فرنسية، بين ملف الرهائن، وتواصل العقوبات على إيران. ويبدو أن بارو تعمد الغموض من حيث امتناعه عن تحديد العقوبات التي أشار إليها، وما إذا كانت مرتبطة فقط بمسألة الرهائن أم بالملفات الخلافية العديدة القائمة مع طهران، والتي شكلت لـ«مضبطة الاتهامات» التي فصّلها ماكرون.
ماكرون والعودة لـ«سناب باك»
لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، لكن اللافت فيما جاء على لسانه، الاثنين، وصفه إياها بـ«التحدي الاستراتيجي والأمني لفرنسا وللأوروبيين وللمنطقة بكاملها (الشرق الأوسط)، وأبعد من ذلك». وتشمل «مضبطة الاتهامات» برنامج إيران النووي المتسارع الذي يقودنا إلى حافة القطيعة أو «اللاعودة»، في إشارة إلى ارتقائها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي اقترابها من القدرة على امتلاك السلاح النووي.
كذلك، ندد ماكرون ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية الذي «يهدد التراب الأوروبي ومصالحنا». وكان لا بد لماكرون أن يشير إلى «انخراط إيران في الحرب الروسية على أوكرانيا»، وهو أمر «مثبت»، وكذلك «توفيرها الدعم للمجموعات الخطيرة» الضالعة في كافة نزاعات وحروب الشرق الأوسط، مدللاً على الميليشيات التي تساندها طهران في غزة ولبنان والعراق واليمن.
وللمرة الأولى، يشير ماكرون لدور إيراني في أفريقيا من خلال «وكلائها»، فضلاً عن اللجوء إلى «ممارسة الإرهاب».
الخلاصة التي توصل إليها ماكرون تقول إن إيران «تشكل خطراً إن لم يتم التعامل معها»، ما يحتّم «القيام بمناقشة شاملة» تضم الملفات الخلافية العديدة: النووي، والباليستي، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما فيها أفريقيا»، والغرض «بناء حلول قابلة للتحقق ولا رجعة فيها».
ثم إن ملفاً بهذه الخطورة يفترض، وفق ماكرون، أن يكون على رأس الملفات الرئيسية المفترض مناقشتها مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التوصل، بخصوص النووي، إلى «اتفاق أوسع نطاقاً، وهو الخط الذي نسير عليه».
وذكر الرئيس الفرنسي أنه طرح، في عام 2018، على الرئيس ترمب، عوض نقض اتفاق 2018، استكماله ببنود إضافية للتوصل إلى اتفاق أقوى وأوسع. ويريد ماكرون انخراطاً واسعاً لمعالجة الملفات الإيرانية، يشمل بالطبع الولايات المتحدة والأوروبيين، ولكن أيضاً دول المنطقة الرئيسية. أما القنبلة التي فجرها ماكرون والتي يعدّها الورقة الرئيسية الضاغطة على إيران، فعنوانها تفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» التي تعني إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، وما يمكن أن يُفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.
وقال ماكرون ما حرفيته: «في الأشهر المقبلة، سيتعين علينا أن نطرح على أنفسنا مسألة استخدام آليات إعادة فرض العقوبات من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، ولكننا بحاجة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل التوصل إلى معاهدة أكثر تشدداً. من وجهة نظري، هذه إحدى القضايا ذات الأولوية في النقاش الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها».
وإشارة ماكرون إلى شهر أكتوبر مردّها لانتهاء الاتفاقية النووية والقرار 2231، رسمياً، في الخريف المقبل.
ترمب والمُعطَى الجديد
ليست المآخذ الغربية على برنامج إيران النووي جديدة ولا حاجة لتكرارها، بيد أن ما يفسر اللهجة «الهجومية» التي يعتمدها الرئيس الفرنسي لا يمكن فصلها، وفق سفير سابق في المنطقة، عن ثلاثة عوامل رئيسية: الأول، عودة ترمب إلى البيت الأبيض وخططه المرتقبة تجاه إيران. والثاني، ضعف النظام الإيراني حالياً بسبب التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023. والثالث فرنسي خالص «ملف الرهائن الفرنسيين في إيران». ولذا، أصبح واضحاً اليوم أن إيران فقدت الكثير من مخالبها التي سعت خلال العقود الماضية إلى تقويتها وفق استراتيجية تطويق إسرائيل وتقوية «الوكلاء»؛ سواء كانوا في غزة أو لبنان أو العراق أو اليمن؛ من أجل حماية النظام.
يضاف إلى ما سبق أن الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لإيران، خصوصاً الضربة الجوية الأخيرة، أواخر أكتوبر الماضي، أضعفت قدراتها الدفاعية بسبب القضاء على منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«التباهي» وتأكيد أن سلاح الجو الإسرائيلي يستطيع أن يسرح ويمرح في الأجواء الإيرانية على هواه، ما دفع الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف جيمس جيفري إلى القول لقناة «بي بي سي» يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي، إن ما تعيشه طهران هو «انهيار غير مسبوق لهيمنة إقليمية»، وإن «كافة أحجار الدومينو التي بنتها قد تهاوت»، ما ينعكس حكماً على قدراتها.
بالنظر لما سبق، ثمة قراءة تقول إن «الوقت مناسب للحصول على تنازلات من إيران»، وهو الأمر الذي يفسر قبولها معاودة المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول برنامجها النووي في اجتماع ثان سيعقد يوم 13 الحالي استباقاً لتسلم ترمب مسؤولياته رسمياً بعد أسبوعين.
وثمة قناعة لا تتزحزح، قوامها أن ملف إيران اليوم مرهون بما سيقرره ترمب، وليس أي جهة أخرى. من هنا، تتلاطم التكهنات بين من يتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامج إيران التي اتهمها جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، بأنها تعمل على تصنيع القنبلة النووية، ومن يعتقد أن السلطات في طهران، المشغولة أيضاً بخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتحكم بالقرار منذ عام 1989، ستظهر ليونة في التعاطي مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد لتجنب الأسوأ.