ثريا العريض... زرقاء الظهران

ثريا العريض
ثريا العريض
TT

ثريا العريض... زرقاء الظهران

ثريا العريض
ثريا العريض

«هذه زرقاء جديدة، لا تسكن اليمامة، تسكن الظهران»، بهذه الكلمات، تحدث الشاعر والوزير الراحل الدكتور غازي القصيبي، عن الظاهرة الشعرية الجديدة التي بزغت على ضفاف الخليج، واتخذت من هضبة الظهران شرق السعودية مكاناً تستريح فيه، وتطل من خلاله على عالم يموج بالأحداث. وقتها عنون القصيبي مقالته: (زرقاء الظهران تبكي الوطن العربي).
تلك الظاهرة هي الشاعرة الدكتورة ثريا العريض، التي كانت من أوائل الشاعرات السعوديات والخليجيات اللائي كتبن نصوصاً حديثة، وتميزت من بينهن ثريا العريض باقترانها بالقضايا العربية، وهو ما لاحظه القصيبي في قراءته لسيرتها:
عشك في القدس، قربه العابرون الجدد
بيروت تنبض تحت الرماد
وأرزاتها.. تتقد
ونخل الكويت، كأبراج بغداد، نازفة تعتفر
دمشق يراودها الغرباء
طرابلس؟ تغلي!
الجزائر تحسب أبناءها وتعد
بكل البلاد الصبايا... النساء
تشق ملابسها وتحد…
ولدت الشاعرة في البحرين عام 1947، والدها هو علامة الشعر والأدب وأستاذ الأجيال إبراهيم العريض، الذي يصف تجربة ابنته الشاعرة بقوله: «لقد أدركت الدكتورة ثريا مثلي منذ زمان أن الشعر هو تفتح على الحياة، وكل أثر شعري لا يزيدك حباً بالحياة على سعة آفاقها واستمتاعاً غريزياً بجماله الذي لا حد له، فيقوم إزاءها في الجمال إعادة خلق الجمال نفسه، إنما هو خواء في الشعرية».
أصدرت كثيراً من الدواوين الشعرية، منها: (أين اتجاه الشجر؟) عام 1998، و(امرأة دون اسم) صدر عام 1995، و(عبور القفار فرادى) عام 1993.
في حديثه عن تجربتها الشعرية كما بدت في مجموعتها (امرأة دون اسم)، يقول الناقد حسين بافقيه، إن الشاعرة العريض «تحاول الخروج من العدم المصمت لعالم المنكر الذي تنتمي مفرداته إلى العدم... وإنه عالم سديمي لم تتحقق فيه أولى سمات الوجود الإنساني... عالم لم تخترقه بعد كلمات اللغة، ولَم يجذبه سحر الأسماء، فظل منساقاً إلى حيث العماء، إذ التسمية أولى درجات الكينونة، والخروج من شرك التوحش».
أما الناقد الدكتور عبد الله الغذامي، فيقول: «كانت ثريا ساهمة وغائبة في عالم من الخيال والشعر والتأملات».
يضيف: «تعودت في كل مرة تلجأ فيها إلى الانتظار، أن تظل ترقب وتهجس وتفكر، غارقة داخل ذاتها ومستنبطة المحيط، وكثيراً ما يكون ذلك موضوع قصيدة أو مقالة أو خاطرة تلاحقها، حتى يمسكها القلم، ليتحول الهاجس إلى موضوع مقروء. وكانت ثريا تشعر أن الغرفة خالية على الرغم من أنها ملأى، وكأنما تحولت النساء من حول ثريا إلى مجرد أوهام جسدية»، ويكمل الغذامي قصة ثريا العريض مع أحد طقوس نصوصها: «حيث صرخت الشاعرة: كلهن أنا كلهن أنا» لتكون مفتتحاً لأحد نصوصها الشعرية الجميلة.
أما ثريا العريض الشاعرة، فتقول عن لحظات الكتابة: «أجد نفسي فجأة من دون اختيار في تلك الحالة السابعة، انهمارات حروف تنزف ضحكا وبكاء، ظمأ ورواء».



مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».