{العائدون من داعش} وإشكاليات المواجهة

نقص البيانات الواضحة عنهم يؤرق الدول

عناصر من «داعش» في الصحراء
عناصر من «داعش» في الصحراء
TT

{العائدون من داعش} وإشكاليات المواجهة

عناصر من «داعش» في الصحراء
عناصر من «داعش» في الصحراء

«العائدون من داعش» إشكالية كبيرة لا زالت تنشر القلق في أوروبا وأفريقيا بعد انحسار التنظيم وفرار معظمه من العراق وسوريا إلى ليبيا وبعض الدول المجاورة... وبات السؤال الذي يؤرق الجميع، هل تتعامل معهم الدول باعتبارهم مُغرراً بهم ينبغي إصلاحهم ومناصحتهم ليعودوا للحياة من جديد، أم الحل في تصفيتهم؟
باحثون في الحركات المتطرفة وخبراء أمنيون قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة الدول تكمن في وجود تخوفات من إقدام الفارين من «داعش» على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، خاصة مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء العائدين، واحتمالية تسلل تلك العناصر داخل الدول دون لفت انتباه أجهزة الأمن».
مراقبون يعتقدون أن فلول التنظيم سيعمدون لإنشاء تنظيم جديد من رحم «داعش» لشن عمليات عنف جديدة، فضلاً عن توجه بعضهم إلى تنظيم «القاعدة» الإرهابي... وهناك من يقولون إن «داعش» سوف ينتقل لحرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمر أكسبه خبرة خلال الفترة التي قضاها بالعراق.
وشهدت الأشهر الماضية نجاحاً كبيراً في محاربة التطرف على المستوى العسكري؛ حيث نجح التحالف الدولي والقوات العراقية في السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها «داعش»... وقد أسفر هذا عن تراجع كبير في قدرات التنظيم العسكرية الميدانية وكذلك الإعلامية، وبناء على ذلك، لم يعد لمقاتلي التنظيم الأجانب موطئ قدم في العراق، وهذا ينطبق على سوريا أيضا.
اللواء كمال مغربي، الخبير الأمني والإستراتيجي في مصر، قال تمثل عودة الفارين من «داعش» إشكالية كبرى، حيث إن انضمامهم للتنظيم يجعلهم يمثلون خطورة على الصعيدين الفكري والأمني، فلقد كانوا مقتنعين تماما بأهداف التنظيم، وتلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء العنف واكتسبوا خبرات قتالية، جعلت منهم خطرا دائما أينما حلّوا, مضيفا: تباينت الآراء بشأن هؤلاء المقاتلين، حيث يرى فريق أنه يجب تصفيتهم والتخلص منهم، وفريق آخر يرى منعهم من العودة أبدًا لدولهم، بينما يرى فريق ثالث أنه ينبغي السماح لهم بالعودة مرة أخرى إلى بلدانهم طالما تخلوا عن هذا الفكر المتطرف.
لكن الطرح الثالث، رفضه بعض الخبراء بقولهم: هناك تجارب سابقة تظهر مدى خطورة عودة هؤلاء، فقد شهدت المنطقة العربية من قبل ظاهرة العائدين من أفغانستان الذين كانوا قد تدربوا على استخدام الأسلحة وانخرطوا في القتال لفترات طويلة، ثم عاد بعضهم إلى بلدانهم وحاولوا رفع السلاح ضد دولهم، مدعين أنهم يسعون إلى تطبيق الشريعة.
جدير بالذكر أن مثل هذه التجارب تظهر أن هذه القضية شائكة للغاية، وتمثل تحديا كبيرا لجميع دول العالم؛ حيث إن الأساليب التي يتبناها هذا التنظيم متباينة وغير متوقعة، حيث يوجه أتباعه حول العالم للقيام بعمليات فردية يطلقون عليها «الذئاب المنفردة» ولا تتطلب هذه العمليات تنسيقًا مع التنظيم؛ بل التنظيم يوضح لهم فقط الخطوط العريضة، وكيفية التحضير لهذه العملية لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا... وهذا بدوره يجعل من كل من انضم لهذا التنظيم «قنبلة موقوتة» قد تنفجر في أي وقت وبأي مكان.
يشار إلى أن «العائدون من داعش» مصطلح شهد تغيراً كبيرًا بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق؛ فقد كان يُطلق في البداية - قبل هزيمة التنظيم - على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته، ثم سرعان ما اكتشفوا - بعد انضمامهم إليه - أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافًا جذريًا عما يروجه التنظيم، لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم.
والآن، وبعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق، أصبح المصطلح يحمل معنى مغايرا تماما، إذ لا يمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء العائدين لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟، وقد أعربت الكثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء.
وسبق أن حذر مسؤولون في الاتحاد الأفريقي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من أن نحو 5 آلاف مقاتل يحاربون في الشرق الأوسط في صفوف «داعش» عادوا إلى القارة السمراء، بما ينذر بوجود تهديدات لهؤلاء العائدين محملة ‏بالأفكار ‏المتطرفة التي غرسها فيهم التنظيم، خاصة في ليبيا.
وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن مركز الدراسات الألماني «فيريل» أن عدد المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية وأميركية في التنظيم بلغ 21500 وأن العائدين إلى دولهم بلغ 8500 شخص.
وتشير تقديرات الولايات المتحدة في عام 2016 إلى أن عدد مقاتلي «داعش» الذين تسربوا إلى سوريا والعراق بلغ 36500 مقاتل، بينهم 6 آلاف أجنبي (غير عربي)، فيما تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن عددهم يبلغ 30 ألفاً، بينهم 7 آلاف أجنبي، بحسب قائمة نشرتها الشرطة الدولية (إنتربول).... وتذهب الأمم المتحدة إلى أن ما بين 10 في المائة إلى 30 في المائة من مقاتلي «داعش» عادوا إلى أوطانهم قبيل الهزائم الأخيرة في العراق وسوريا.... وتجمع أجهزة الاستخبارات على أن «داعش» لديه 8 فروع رئيسية و50 تنظيماً منضوياً تحت لوائه في نحو 21 بلدا.
طرح آخر قدمه الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء المصرية، قائلاً: «هناك تخوُف آخر يظهر في الأفق وهو احتمالية الانتقال لهؤلاء العائدين بين التنظيمات التكفيرية والإرهابية، كما هو الحال بين «القاعدة وداعش»، خاصة مع أفول نجم «داعش» وبروز قوة تنظيم «القاعدة» وإعادة لملمة صفوفه وتنظيم قوته»، مضيفاً: يعضد من هذا الاحتمال حالة الضعف الديني لدى العناصر الإرهابية، الأمر الذي أكدته العديد من الدراسات التي أجريت على أفراد انضموا لـ«داعش»، حيث أشارت دراسة حديثة لمكتب مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، وشملت 43 عنصرا عائدا لوطنه من 12 دولة، أن أغلبهم يعاني من نقص المعرفة الأساسية بالإسلام ومبادئه؛ لكن أغرتهم العاطفة، مشيراً إلى أن الدراسة أكدت أن جميع من عادوا من «داعش» في مرحلة المراجعة والندم، أكثر منهم في مرحلة التحفز لعمليات جديدة؛ لكن لا ينفي هذا الاستعداد لاحتمال الخطر.
من جهته، قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة بمصر، لا شك أن العائدين من «داعش» ليسوا مجرد عناصر مهزومة فقط فمنهم من أصيب بخيبة أمل بعدما تبين لهم وهم «الخلافة المزعومة»، مضيفاً: هناك أيضا عائدون لأن أرض المعارك ضاقت بهم وانهزم تنظيمهم، على أمل العودة من جديد مستقبلاً؛ لكنهم لن يتخلوا عن «التكفير والتفجير» وأفكار التنظيم.
وعن مخاطر عودة الفارين من «داعش»، قال باحثون في مرصد الأزهر بالقاهرة، ‏إنه إذا نظرنا إلى المخاطر التي من الممكن أن تسببها عودة أولئك المقاتلين للدول، نجد أنه من ‏الناحية الفكرية والعقدية ومعاداتهم للوسطية سيكون تأثيرهم أقوى، وطريقة إقناعهم أسرع، فهم ‏من بويعوا من قبل وينظر إليهم على أنهم المهاجرون الذين هاجروا لنصرة الدين وإقامة ‏«الدولة المزعومة»؛ إلا أن الحظ لم يكن حليفاً لهم، وسيكون ذلك باعثا قويا للذين بايعوهم من قبل ومثيراً ‏لحماستهم أن يسعوا لإكمال المشوار من بعدهم.
وأضاف الباحثون أن من المخاطر التي يخشى على القارة ‏السمراء منها بعد عودة «الدواعش» الأفارقة إلى مواطنهم الأصلية وانضمامهم من جديد إلى ‏التنظيمات والجماعات الأفريقية هي نقل الاستراتجيات والتكنولوجيا التي كان يستخدمها «داعش» في سوريا والعراق إلى الجماعات الأفريقية، بالإضافة إلى ازديادهم في العدد، هذا في ‏حال استطاع العائد الانضمام.... أما إذا لم يستطع فيصبح بمثابة «خلية نائمة» بين ثنايا المجتمع، ‏يمكن لها أن تنشط في أي وقت إذا سنحت لها الفرصة.
الباحثون أوضحوا أنه من الناحية الاقتصادية يمثل العائدون من «داعش» عبئا اقتصاديا كبيرا على مجتمعاتهم، فدائما ‏ما تعتمد تلك الجماعات على أعمال القرصنة والسلب والاعتداء على ممتلكات الغير، فتمثل ‏تلك الزيادة في الأعداد زيادة في المتطلبات، والتي تساهم بشكل أو بآخر في زيادة عمليات ‏القرصنة والنهب والسلب. مراقبون يرون أن هذا الأمر يستلزم ضرورة رفع حالة التأهب ‏القصوى في مطارات ومنافذ وحدود الدول الأفريقية التي يتواجد بها تنظيمات وجماعات ‏إرهابية بشكل عام، وبالدول التي بها تنظيمات بايعت «داعش» بشكل خاص مثل «بوكو ‏حرام» في نيجيريا، والفصيل المنشق عن حركة «الشباب» في الصومال، وذلك للسيطرة على تلك ‏العناصر المتطرفة، ومعاقبة من تثبت إدانته، وإعادة تأهيله ودمجه في المجتمع من جديد لتفادي ‏الأضرار التي ستترتب على عودتهم.
وينشط عناصر «داعش» الفارون من سرت وبنغازي ودرنة في المناطق الصحراوية جنوبي غرب سرت وجنوبي بني وليد، حيث أعلن التنظيم في أكثر من مرة عبر مقاطع مصورة عن تواجده مجددا في المنطقة المحيطة بمدينة سرت التي تمتد لمساحات شاسعة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة، حذرت في فبراير الماضي، من أن «داعش» ما زال مُصرا على إعادة تشكيل قدراته في ليبيا عن طريق تعزيز صفوفه بمقاتلين أجانب قادمين من العراق وسوريا.... ولا يزال يخطط وينفذ هجمات محددة في ليبيا ليبرهن للمتعاطفين معه أنه لا يزال يحتفظ بأهميته.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».