{العائدون من داعش} وإشكاليات المواجهة

نقص البيانات الواضحة عنهم يؤرق الدول

عناصر من «داعش» في الصحراء
عناصر من «داعش» في الصحراء
TT

{العائدون من داعش} وإشكاليات المواجهة

عناصر من «داعش» في الصحراء
عناصر من «داعش» في الصحراء

«العائدون من داعش» إشكالية كبيرة لا زالت تنشر القلق في أوروبا وأفريقيا بعد انحسار التنظيم وفرار معظمه من العراق وسوريا إلى ليبيا وبعض الدول المجاورة... وبات السؤال الذي يؤرق الجميع، هل تتعامل معهم الدول باعتبارهم مُغرراً بهم ينبغي إصلاحهم ومناصحتهم ليعودوا للحياة من جديد، أم الحل في تصفيتهم؟
باحثون في الحركات المتطرفة وخبراء أمنيون قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة الدول تكمن في وجود تخوفات من إقدام الفارين من «داعش» على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، خاصة مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء العائدين، واحتمالية تسلل تلك العناصر داخل الدول دون لفت انتباه أجهزة الأمن».
مراقبون يعتقدون أن فلول التنظيم سيعمدون لإنشاء تنظيم جديد من رحم «داعش» لشن عمليات عنف جديدة، فضلاً عن توجه بعضهم إلى تنظيم «القاعدة» الإرهابي... وهناك من يقولون إن «داعش» سوف ينتقل لحرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمر أكسبه خبرة خلال الفترة التي قضاها بالعراق.
وشهدت الأشهر الماضية نجاحاً كبيراً في محاربة التطرف على المستوى العسكري؛ حيث نجح التحالف الدولي والقوات العراقية في السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها «داعش»... وقد أسفر هذا عن تراجع كبير في قدرات التنظيم العسكرية الميدانية وكذلك الإعلامية، وبناء على ذلك، لم يعد لمقاتلي التنظيم الأجانب موطئ قدم في العراق، وهذا ينطبق على سوريا أيضا.
اللواء كمال مغربي، الخبير الأمني والإستراتيجي في مصر، قال تمثل عودة الفارين من «داعش» إشكالية كبرى، حيث إن انضمامهم للتنظيم يجعلهم يمثلون خطورة على الصعيدين الفكري والأمني، فلقد كانوا مقتنعين تماما بأهداف التنظيم، وتلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء العنف واكتسبوا خبرات قتالية، جعلت منهم خطرا دائما أينما حلّوا, مضيفا: تباينت الآراء بشأن هؤلاء المقاتلين، حيث يرى فريق أنه يجب تصفيتهم والتخلص منهم، وفريق آخر يرى منعهم من العودة أبدًا لدولهم، بينما يرى فريق ثالث أنه ينبغي السماح لهم بالعودة مرة أخرى إلى بلدانهم طالما تخلوا عن هذا الفكر المتطرف.
لكن الطرح الثالث، رفضه بعض الخبراء بقولهم: هناك تجارب سابقة تظهر مدى خطورة عودة هؤلاء، فقد شهدت المنطقة العربية من قبل ظاهرة العائدين من أفغانستان الذين كانوا قد تدربوا على استخدام الأسلحة وانخرطوا في القتال لفترات طويلة، ثم عاد بعضهم إلى بلدانهم وحاولوا رفع السلاح ضد دولهم، مدعين أنهم يسعون إلى تطبيق الشريعة.
جدير بالذكر أن مثل هذه التجارب تظهر أن هذه القضية شائكة للغاية، وتمثل تحديا كبيرا لجميع دول العالم؛ حيث إن الأساليب التي يتبناها هذا التنظيم متباينة وغير متوقعة، حيث يوجه أتباعه حول العالم للقيام بعمليات فردية يطلقون عليها «الذئاب المنفردة» ولا تتطلب هذه العمليات تنسيقًا مع التنظيم؛ بل التنظيم يوضح لهم فقط الخطوط العريضة، وكيفية التحضير لهذه العملية لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا... وهذا بدوره يجعل من كل من انضم لهذا التنظيم «قنبلة موقوتة» قد تنفجر في أي وقت وبأي مكان.
يشار إلى أن «العائدون من داعش» مصطلح شهد تغيراً كبيرًا بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق؛ فقد كان يُطلق في البداية - قبل هزيمة التنظيم - على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته، ثم سرعان ما اكتشفوا - بعد انضمامهم إليه - أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافًا جذريًا عما يروجه التنظيم، لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم.
والآن، وبعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق، أصبح المصطلح يحمل معنى مغايرا تماما، إذ لا يمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء العائدين لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟، وقد أعربت الكثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء.
وسبق أن حذر مسؤولون في الاتحاد الأفريقي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من أن نحو 5 آلاف مقاتل يحاربون في الشرق الأوسط في صفوف «داعش» عادوا إلى القارة السمراء، بما ينذر بوجود تهديدات لهؤلاء العائدين محملة ‏بالأفكار ‏المتطرفة التي غرسها فيهم التنظيم، خاصة في ليبيا.
وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن مركز الدراسات الألماني «فيريل» أن عدد المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية وأميركية في التنظيم بلغ 21500 وأن العائدين إلى دولهم بلغ 8500 شخص.
وتشير تقديرات الولايات المتحدة في عام 2016 إلى أن عدد مقاتلي «داعش» الذين تسربوا إلى سوريا والعراق بلغ 36500 مقاتل، بينهم 6 آلاف أجنبي (غير عربي)، فيما تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن عددهم يبلغ 30 ألفاً، بينهم 7 آلاف أجنبي، بحسب قائمة نشرتها الشرطة الدولية (إنتربول).... وتذهب الأمم المتحدة إلى أن ما بين 10 في المائة إلى 30 في المائة من مقاتلي «داعش» عادوا إلى أوطانهم قبيل الهزائم الأخيرة في العراق وسوريا.... وتجمع أجهزة الاستخبارات على أن «داعش» لديه 8 فروع رئيسية و50 تنظيماً منضوياً تحت لوائه في نحو 21 بلدا.
طرح آخر قدمه الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء المصرية، قائلاً: «هناك تخوُف آخر يظهر في الأفق وهو احتمالية الانتقال لهؤلاء العائدين بين التنظيمات التكفيرية والإرهابية، كما هو الحال بين «القاعدة وداعش»، خاصة مع أفول نجم «داعش» وبروز قوة تنظيم «القاعدة» وإعادة لملمة صفوفه وتنظيم قوته»، مضيفاً: يعضد من هذا الاحتمال حالة الضعف الديني لدى العناصر الإرهابية، الأمر الذي أكدته العديد من الدراسات التي أجريت على أفراد انضموا لـ«داعش»، حيث أشارت دراسة حديثة لمكتب مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، وشملت 43 عنصرا عائدا لوطنه من 12 دولة، أن أغلبهم يعاني من نقص المعرفة الأساسية بالإسلام ومبادئه؛ لكن أغرتهم العاطفة، مشيراً إلى أن الدراسة أكدت أن جميع من عادوا من «داعش» في مرحلة المراجعة والندم، أكثر منهم في مرحلة التحفز لعمليات جديدة؛ لكن لا ينفي هذا الاستعداد لاحتمال الخطر.
من جهته، قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة بمصر، لا شك أن العائدين من «داعش» ليسوا مجرد عناصر مهزومة فقط فمنهم من أصيب بخيبة أمل بعدما تبين لهم وهم «الخلافة المزعومة»، مضيفاً: هناك أيضا عائدون لأن أرض المعارك ضاقت بهم وانهزم تنظيمهم، على أمل العودة من جديد مستقبلاً؛ لكنهم لن يتخلوا عن «التكفير والتفجير» وأفكار التنظيم.
وعن مخاطر عودة الفارين من «داعش»، قال باحثون في مرصد الأزهر بالقاهرة، ‏إنه إذا نظرنا إلى المخاطر التي من الممكن أن تسببها عودة أولئك المقاتلين للدول، نجد أنه من ‏الناحية الفكرية والعقدية ومعاداتهم للوسطية سيكون تأثيرهم أقوى، وطريقة إقناعهم أسرع، فهم ‏من بويعوا من قبل وينظر إليهم على أنهم المهاجرون الذين هاجروا لنصرة الدين وإقامة ‏«الدولة المزعومة»؛ إلا أن الحظ لم يكن حليفاً لهم، وسيكون ذلك باعثا قويا للذين بايعوهم من قبل ومثيراً ‏لحماستهم أن يسعوا لإكمال المشوار من بعدهم.
وأضاف الباحثون أن من المخاطر التي يخشى على القارة ‏السمراء منها بعد عودة «الدواعش» الأفارقة إلى مواطنهم الأصلية وانضمامهم من جديد إلى ‏التنظيمات والجماعات الأفريقية هي نقل الاستراتجيات والتكنولوجيا التي كان يستخدمها «داعش» في سوريا والعراق إلى الجماعات الأفريقية، بالإضافة إلى ازديادهم في العدد، هذا في ‏حال استطاع العائد الانضمام.... أما إذا لم يستطع فيصبح بمثابة «خلية نائمة» بين ثنايا المجتمع، ‏يمكن لها أن تنشط في أي وقت إذا سنحت لها الفرصة.
الباحثون أوضحوا أنه من الناحية الاقتصادية يمثل العائدون من «داعش» عبئا اقتصاديا كبيرا على مجتمعاتهم، فدائما ‏ما تعتمد تلك الجماعات على أعمال القرصنة والسلب والاعتداء على ممتلكات الغير، فتمثل ‏تلك الزيادة في الأعداد زيادة في المتطلبات، والتي تساهم بشكل أو بآخر في زيادة عمليات ‏القرصنة والنهب والسلب. مراقبون يرون أن هذا الأمر يستلزم ضرورة رفع حالة التأهب ‏القصوى في مطارات ومنافذ وحدود الدول الأفريقية التي يتواجد بها تنظيمات وجماعات ‏إرهابية بشكل عام، وبالدول التي بها تنظيمات بايعت «داعش» بشكل خاص مثل «بوكو ‏حرام» في نيجيريا، والفصيل المنشق عن حركة «الشباب» في الصومال، وذلك للسيطرة على تلك ‏العناصر المتطرفة، ومعاقبة من تثبت إدانته، وإعادة تأهيله ودمجه في المجتمع من جديد لتفادي ‏الأضرار التي ستترتب على عودتهم.
وينشط عناصر «داعش» الفارون من سرت وبنغازي ودرنة في المناطق الصحراوية جنوبي غرب سرت وجنوبي بني وليد، حيث أعلن التنظيم في أكثر من مرة عبر مقاطع مصورة عن تواجده مجددا في المنطقة المحيطة بمدينة سرت التي تمتد لمساحات شاسعة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة، حذرت في فبراير الماضي، من أن «داعش» ما زال مُصرا على إعادة تشكيل قدراته في ليبيا عن طريق تعزيز صفوفه بمقاتلين أجانب قادمين من العراق وسوريا.... ولا يزال يخطط وينفذ هجمات محددة في ليبيا ليبرهن للمتعاطفين معه أنه لا يزال يحتفظ بأهميته.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.