«البروج المشيدة» حلقات تلفزيونية تروي الطريق إلى 11 سبتمبر

قيادات «القاعدة» بالصوت والصورة من تفجير السفارتين إلى سقوط البرجين

جيف دانيال لعب دور رئيس «إف بي آي» (يسار) وطاهر رحيم الذي قام بدور علي صوفان عميل المباحث الأميركية (أ.ب)
جيف دانيال لعب دور رئيس «إف بي آي» (يسار) وطاهر رحيم الذي قام بدور علي صوفان عميل المباحث الأميركية (أ.ب)
TT

«البروج المشيدة» حلقات تلفزيونية تروي الطريق إلى 11 سبتمبر

جيف دانيال لعب دور رئيس «إف بي آي» (يسار) وطاهر رحيم الذي قام بدور علي صوفان عميل المباحث الأميركية (أ.ب)
جيف دانيال لعب دور رئيس «إف بي آي» (يسار) وطاهر رحيم الذي قام بدور علي صوفان عميل المباحث الأميركية (أ.ب)

على الرغم من عدم وجود سجل تاريخي معتمد يمكن الرجوع إليه لإنتاج الأعمال الروائية التلفزيونية، ها هو الثلاثي المبدع بشركة «هولو» للإنتاج التلفزيوني انتهى من إنتاج عمل روائي ضخم من 10 حلقات بعنوان «البروج المشيدة» يتناول فترة ما قبل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة. وفي الحلقات سرد بالصوت والصورة للصراع ما بين «إف بي آي» و«سي آي إيه»، وقصة الحكومة الأميركية ومحاولاتها البائسة لمنع وقوع تلك الاعتداءات الرهيبة، هي بالأحرى قصة فشل في التواصل بين مؤسسات الدولة وتحذيرات لم يأبه لها أحد.
يضم الثلاثي الكاتب المبدع لورانس رايت، وهو مؤلف الكتاب الفائز بجائزة «بوليتزر» الذي حمل العنوان نفسه «البروج المشيدة»، وهي رواية ضخمة وذات لغة رصينة صحافياً، وهي تمتد بدءاً بالغزو السوفياتي لأفغانستان وحتى لحظة انهيار برجي التجارة. ويعمل لورانس رايت، وهو أحد الأعمدة الرئيسية في مجلة «نيويوركر»، وحاورته «الشرق الأوسط» من قبل مرتين، إلى جانب الممثل والسيناريست دان فوترمان، الذي ترشح سيناريو فيلميه «كابوتي» و«فوكس كاتشر» لنيل جائزة الأوسكار، بالإضافة إلى المنتج التنفيذي أليكس غيبني، المخرج الوثائقي لسلسلة الأفلام الرائعة التي وثقت سوء الممارسات المؤسسية للشركات الكبرى، مثل فيلمي «انرون: غرفة الرجال الأذكياء»، و«غوينغ كلير». وقد استمد عنوان الحلقات العشرة المثيرة من الآية القرآنية «أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ»، التي جاءت في رسالة بن لادن لمحمد عطا زعيم الانتحاريين، وكان يقصد بها استهداف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك... كانت تلك إجابة الصحافي والكاتب الأميركي لورانس رايت في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» حول سبب اختياره عنوان كتابه الشهير «البروج المشيدة»... وفي ذلك قال رايت، إن بن لادن استخدم تلك الرسالة شفرةً تطلب من عطا أن يمضي في خطته المرسومة، مشيراً إلى استهداف برجي التجارة بنيويورك في سبتمبر 2011، مضيفاً: «كنت سأسميه (سيدرككم الموت)، لكن من يقرأ العنوان سيعتقد أن الكتاب يتحدث عن فك لغز إحدى الجرائم الغامضة».
وفي رسالة إلكترونية أخرى بخصوص الحلقات التلفزيونية الجديدة، قال رايت لـ«الشرق الأوسط» إنه أنتج الحلقات وفق رؤية كتابه الذي يحمل الاسم نفسه، وقال إنه قدم السيناريو إلى قادة في «إف بي آي» و«سي آي إيه» ليتعرفوا على طبيعة عملهم الصعبة والسجال الدائر فيما بينهم من أجل حماية الأمن القومي الأميركي.
ويقول رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عما إذا كان «إف بي آي» أكثر اهتماماً اليوم باللغة العربية بعدما تبين الدور المحوري في الحلقات للعميل علي صوفان، الذي قام بدوره ممثل جزائري، والذي يعد من التفاصيل والمشاهد محركاً أساسياً في الأحداث من جهة كشف طلاسم الهجمات وقراءة رسائل «القاعدة» وحل كنيات قادتها بعد الهجوم على السفارتين في شرق أفريقيا عام 1998، أنه سأل شخصياً الضابط اللبناني الأصل فأفاده بأن «المباحث الأميركية لم تهتم كثيراً باللغات المحلية بعد الهجمات». وأوضح أنه اختار قناة «هولو» لعرض الحلقات التلفزيونية الجديدة «لأنها خاصة بالشباب والطلبة الجامعيين الذين لم يعاصروا هجمات سبتمبر».
ومن خلال مسلسل «البروج المشيدة» عبر عشر حلقات بالصوت والصورة وشخوص قيادات «القاعدة» الذين يتحركون بخفة وإقبال على التدريبات في معسكرات التنظيم بأفغانستان، ويتحدثون بلهجات عربية من الخليج إلى المغرب العربي، نجد شبيه أيمن الظواهري بلهجة قاهرية وحس أمني عال يلازمه، يهدد ويتوعد الغرب بعد أن غيّر بطارية في هاتفه الجوال بين جبال تورا بورا، عقب قصف البوارج الأميركية بصواريخ توماهوك في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لمعسكرات «القاعدة» في أفغانستان كرد فعل على تفجير السفارتين.
كما يظهر في الحلقات أبو أنس الليبي المطلوب أميركياً على لائحة الـ«إف بي آي» في رحلة مطاردة من اسكوتلنديارد لمخبئه في مدينة مانشستر البريطانية، وكذلك يظهر الحس الأمني العالي للظواهري مرة أخرى في إصراره على حذف صور اثنين من الانتحاريين الـ19 الذين ظهروا في أول لقاء لابن لادن مع الإعلام الغربي في جبال تورا بورا أثناء عملية المونتاج، حيث كان يعد فريقه للهجوم على البرجين، وهو يقول لعناصره وهم يقدمون جوازات سفرهم السعودية لدى وصولهم إلى معسكر «القاعدة» في أفغانستان: «كأن الله يستمع إلينا وأرسلكم لنا لتنفيذ المهمة». وتعد هذه الحلقات بمهنيتها العالية وكذلك سيناريو وإنتاج لورانس رايت ومساعديه، من أبرز من كشف عن الوجه الحقيقي لتنظيم «القاعدة». كما تعتبر تأريخاً درامياً شاملاً للأحداث منذ عملية تفجير السفارتين الأميركيتين بشرق أفريقيا والتي قادت إلى 11 سبتمبر، وتسلط الضوء على المخططات الإرهابية وسقطات أجهزة المخابرات الغربية والتي انتهت بالهجوم على الولايات المتحدة. ويدور السجال حول خريطة كبيرة يظهر عليها صور قادة «القاعدة». ومنذ البداية، يبدو أن ضابط الـ«إف بي آي» علي صوفان متأكد أن بصمات «القاعدة» في الهجمات المتزامنة وراء تفجير السفارتين، ومن اللقطات المثيرة رحلته إلى لندن لحضور إحدى خطب أبو حمزة المصري في مسجد فنسبري بارك بشمال لندن واستماعه إلى «جهاد النفس» ثم التحريض المباشر على العنف.
تلك الحلقات بلمسات المؤلف لورانس رايت هي نتاج أكثر من خمس سنوات من البحث، ومئات المقابلات التي أجراها في كل من مصر، والسعودية، وباكستان، وأفغانستان، والسودان، وإنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، والولايات المتحدة، وبريطانيا. وكان رايت قد لفت الانتباه إليه من قبل بفيلم هوليوودي أكشن قبل ذلك بسنوات اسمه «الحصار» ومقال موسع مهم في «نيويوركر» تحت عنوان «رجل خلف بن لان» عن سيرة الظواهري، زعيم «القاعدة» الحالي ومن 42 ألف كلمة.
وتحقق حلقات «البروج المشيدة» مستوى غير مسبوق من الموضوعية والبصيرة عن طريق السرد الدرامي من واقع أحداث حياة أربعة رجال، هم زعيما تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن وأيمن الظواهري من جهة، ورئيس إدارة مكافحة الإرهاب في الـ«إف بي آي» جون أونيل، وعلي صوفان عميل الـ«إف بي آي» اللبناني الأصل الخبير في اللغة العربية الذي فك طلاسم «القاعدة»، وأكد لرؤسائه في أكثر من لقطة وموقف مؤثر أن «قتل رأس الثعبان أي بن لادن عقب تفجير سفارتي أميركا في شرق أفريقيا لن يكون الحل الأمثل للقضاء على التنظيم الإرهابي؛ لأنهم يعملون على بث آيديولوجياتهم عبر القارات وليس في أفغانستان وحدها». وتابع رايت في لقاء مع «الشرق الأوسط» حول شخصية بن لادن «أحياناً أتساءل لماذا فعل بن لادن ما فعله؟ لقد عاش حياة رغيدة وهانئة ولم يتعرض للسجن والتعذيب كما حدث للظواهري مثلاً». وفي سياق متصل، أكد أن تنظيم «القاعدة» خسر الكثير بعد مقتل بن لادن، مشيراً إلى أن شخصيته كانت تستقطب الكثير من الشباب المتطرفين من كل مكان. وأوضح أن كتابه المقبل سيكون تحت عنوان «الرب ينقذ تكساس» وقال: إنه سيزور لندن في مايو (أيار) المقبل للترويج لعمله الجديد.
ويدور مسلسل «الأبراج المشيدة» حول قصة الانهيار البيروقراطي الذي كان أقرب ما يكون باثنين من لاعبي الكرة اللذين يطاردان الكرة المندفعة، وهما يلوحان بأيديهما في الهواء، حتى الارتطام الشديد بعضهما بعضاً. والعمل الجديد من بطولة جيف دانيالز الذي يقوم بدور عميل المباحث الفيدرالية جون أونيل الخبير في مكافحة الإرهاب؛ وبيتر سارسغارد، الذي يقوم بدور مارتن شميدت المحلل لدى «سي آي إيه»؛ ومايكل ستولبارغ ويقوم بدور ريتشارد كلارك، كبير مستشاري مكافحة الإرهاب لدى مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس كلينتون؛ والممثل الجزائري طاهر رحيم، الذي يلعب دور العميل الفيدرالي الأميركي من أصل لبناني علي صوفان.
وأفضل أداء ممكن في «البروج المشيدة» يرجع إلى الممثلين دانيالز وسارسغارد، اللذين يقومان بدور العميلين أونيل وشميدت، واللذين بلغ الاستياء والازدراء بينهما حد الغليان؛ إذ يتابع أونيل، العميل المخضرم لعقدين من الزمان في مكتب التحقيقات الفيدرالي والمسؤول عن المكتب الميداني لمدينة نيويورك، التهديدات الصادرة عن تنظيم «القاعدة» منذ منتصف التسعينات، ويناشد وكالة الاستخبارات المركزية أن تشارك معلوماتها مع المباحث الفيدرالية في الشأن ذاته قبل وقوع الضربة التي لا مفر منها.
أحد أفضل مزايا مسلسل «البروج المشيدة» هي كيفية الاستفادة من وقائع تلك الفترة المستعرة من التاريخ الأميركي؛ فهناك إشارات مبدئية وساخرة إلى ملابس الفنانين، والهواتف المستخدمة في المكاتب، والديكورات الداخلية المثيرة للضجر، والتي تستدعي إلى الأذهان مسلسل «الشعب في مواجهة أو. جيه. سيمبسون» القصير من حقبة التسعينات.
وعلى غرار الكتاب التي تستند إليه أحداث المسلسل، فهناك حالة رائعة من التناغم يمثلها طاقم العمل، بالإضافة إلى الأداء الرائع من حفنة الممثلين البارعين على شاكلة مايكل ستولبارغ، الذي يقوم بدور قيصر مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس كلينتون، وبيل كامب، الممثل البارع ذي القدرات الرائعة وغير الملتفت إليه كثيراً. وأثناء قيامه بدور روبرت تشيزني، يلعب كامب مشهد استجواب رائع مدته 10 دقائق مع مرتكب عملية تفجير السفارة الأميركية في نيروبي، التي شكلت الأساس للضربات الأميركية الانتقامية التالية على إقليم خوست الأفغاني والعاصمة السودانية الخرطوم، والتي عُرفت إعلامياً باسم «عملية الوصول المطلق». ومن بين الممثلين المهمين الآخرين في المسلسل كان الجزائري طاهر رحيم، الذي يلعب دور علي صوفان، الذي كان أحد ثمانية عملاء فقط يتحدثون اللغة العربية بطلاقة في المباحث الفيدرالية الأميركية، وكان يحمل قلباً متعاطفاً وجسوراً في آن واحد.


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».