نيكولسون وباتشينو ودي نيرو سرقوا الضوء من نجوم الأمس

وجوه السبعينات الرائعة (1)

 آل باتشينو (يسار) مع مارلون براندو في «العرّاب»
آل باتشينو (يسار) مع مارلون براندو في «العرّاب»
TT

نيكولسون وباتشينو ودي نيرو سرقوا الضوء من نجوم الأمس

 آل باتشينو (يسار) مع مارلون براندو في «العرّاب»
آل باتشينو (يسار) مع مارلون براندو في «العرّاب»

مع بدء عرض الفيلم الجديد للمخرج والممثل كلينت إيستوود، الذي تلا ظهور روبرت ردفورد في أول دور شرير له على الشاشة الكبيرة في فيلم «كابتن أميركا: جندي الشتاء» الذي يسبق، من ناحية أخرى، عرض فيلمين يشترك في تمثيلهما روبرت دي نيرو، يحق لنا التساؤل عمّن بقي نشطا من بين تلك النجوم التي انطلقت في الستينات ونمت عالميا في السبعينات. والسؤال سرعان ما يذهب بنا إلى دراسة الحالة الظرفية التي صنعت هؤلاء النجوم.. هل ما زالت متوفّرة؟ هل هي ذاتها الحالة التي تصنع نجوم اليوم؟ ومن من هؤلاء غاب بعد ذلك سريعا ومن منهم بقي حاضرا؟
هم عشرة رجال وأربع نساء بعثوا أوصال الحياة على الشاشة. إذا ما وافقنا على ما قاله المخرج الإيطالي الفذ فديريكو فيلليني من أن {السينما هي وجه أولا}، فإن وجوه هؤلاء بدت كما لو أنها كانت على موعد في ربوع الستينات وهي شكّلت الجيل اللاحق لعدد أكبر من الممثلين والممثلات الذين سطوا على المشهد السينمائي الكبير من الأربعينات والخمسينات. بعض هؤلاء، مثل جون واين وكيرك دوغلاس وتشارلز برونسون وأنطوني كوين وهنري فوندا وجانيت لي وفرانك سيناترا ونتالي وود وروبرت ميتشوم وسواهم، كان لا يزال حاضرا في العقدين الستيناتي والسبعيناتي، لكن الموقع الأول بات للجيل الذي ساد بفعل مخرجين جدد كان لا بد لهم من العمل أولا مع ممثلين غير معروفين هم من تسبب في دفعهم إلى الأمام وسريعا. هذا وحقيقة أن الجمهور المؤلف من نسبة عالية من الشباب دائما كان مستعدا لطي صفحة الماضي ووجوهه السينمائية في فترة «وودستوك» وحرب فيتنام وفضيحة ووترغيت والتوجه صوب جمهرة جديدة من الممثلين.

* المتمرّد الأول
الرجال العشرة هم وورن بيتي وجاك نيكولسون وكلينت إيستوود وسيدني بواتييه ودستين هوفمان ووودي ألن، وروبرت ردفورد وروبرت دي نيرو وآل باتشينو وجين هاكمان. والنسائية كانت جولي كريستي وفانيسا ردغراف وجين فوندا وميريل ستريب.
كل واحد من هؤلاء اعتمد على مخرج آمن به وبموهبته منذ البداية. بعضهم كان عليه أن يساند ذلك المخرج في الوقت الذي كان المخرج يسانده فيه. في هذا الإطار هناك جاك نيكولسون الذي تعود أيامه الأولى في التمثيل إلى سنة 1958 عندما بدأ بالظهور في أفلام من إخراج سينمائي جديد آنذاك أسمه روجر كورمان الذي ظهر كما لو أنه المستقبل الواعد للسينما المستقلة. إنتاجيا كان مستقلا بالفعل، لكن فحوى أفلامه ونوعياتها كان متوجّها إلى الجمهور ذاته الذي تتوجّه إليه هوليوود دائما. مع كورمان، قام نيكولسون بالظهور في بضعة أفلام أولها «الدكان الصغير للرعب} The Little Shop of Horrors سنة 1960 ومن بينها «الغراب} (1963) و«الرعب} الذي يحمل اسم كورمان مخرجا لكن من المعتقد بين المؤرخين أنه منح نيكولسون فرصة تمرين يديه على تحقيق الأفلام (1963) و«مذبحة يوم سانت فالنتاين» (1967).
في الوقت ذاته كان نيكولسون نشطا في العمل خارج نطاق كورمان. المخرج مونتي هلمان استعان به في عام 1966 في فيلم الوسترن «إطلاق نار} The Shooting الذي كان أحد اللقاءات الأولى بينه وبين الممثل الساعي مثله إلى النجاح (وحقق بعضه لاحقا) وورن أوتيس. كذلك كان من بين الأفلام التي عمد نيكولسون إلى إنتاجها.
هذا الفيلم كان دعوة لتثبيت قدمي نيكولسون كممثل بديل وليس فقط كجزء من منظومة الوجوه الجديدة. وهو لفت انتباه مخرج آخر تعامل مع مقتضيات العصر من الأفلام المختلفة عن السائد من حيث ميزانيّاتها وطروحاتها (وإن كانت بقيت تجارية الشأن) هو رتشارد رَش الذي وضع نيكولسون في بطولة فيلمين ملتحمين في تلك الفترة هما «ملائكة جحيم على الدراجات» (واحد من ظاهرة أفلام سعى لها أيضا توم لفلين المعروف بـ{بيلي جاك}) وPsych‪ ‬Out.
مثله كان الفيلم اللاحق «مثيرو التمرد» سنة 1970 الذي مرّ من دون أثر، لكن قبله مباشرة أنجز نيكولسون النقلة النوعية الأولى في حياته المهنية عندما لعب دور المحامي الذي يتخلى عن وعود الحياة والمهنة ليشارك بيتر فوندا ودنيس هوبر بطولة «إيزي رايدر} (1969). دنيس وبيتر كانا أيضا من النجوم الصغيرة المقبلة لكن الأول حمل أعباء اسم أبيه. كما الحال مع ابن روبرت ميتشوم وابن جون واين فإن ابن هنري فوندا لم يحمل {الكاريزما} التي لوالده، لكنه حقق نجاحا أفضل من كريستوفر ميتشوم وباتريك واين.
دنيس كان وجها محدود المساحة في السينما والتلفزيون في الخمسينات. حين جرى إطلاق «إيزي رايدر} فوجئ الثلاثة بنجاحه الكبير: فيلم صغير عن فلسفة ومفهوم الحرية والهيبيز ينجز العملة الصعبة ويجمع أتباعا. بالنسبة لنيكولسون كانت مهاراته الأدائية أفضل من تلك التي عند رفيقيه وهي ساعدته في البلورة سريعا لاعبا شخصية المتمرّد في «خمس قطع سهلة» Five Easy Pieces و«ملك حدائق مارڤن} The King of Marvin Gardens وكلاهما لبوب رافلسون (1971 و1972 على التوالي).
شخصية المتمرّد تابعته ردحا فظهر عليها في «التفصيلة الأخيرة} The Last Detail سنة 1973 عندما لعب شخصية جندي يخرج عن القوانين العسكرية في مهمّة إيصال مجنّد شاب محكوم عليه بالسجن وذلك تحت إدارة هال أشبي المتمكّنة. كذلك هو تحر {غير شكل} عن السائد في فيلم رومان بولانسكي «تشايناتاون} (1974) وشخصية المتمرد بلغت ذروتها في «واحد طار فوق عش المجانين» One Flew Over the Cuckoo‪›‬s Nest من إخراج متمرّد آخر آت من النظام الشرقي هو ميلوش فورمان.
جاك نيكولسون كان أحد النجوم الأكبر في السبعينات وحافظ على زخمه وحضوره في الثمانينات والتسعينات منتقلا من بطولة إلى أخرى من دون أن يهاب التجريب والبحث عن الجديد. وهو ثابر على إشعال وقود نجوميّته بأفلام مثل «وولف} (لمايك نيكولز الذي سبق وأن ظهر نيكولسون تحت إدارته من قبل 1994) و«العهد} (من إخراجه 2001) و«حول شميت» (لألكسندر باين 2002) وهو عاد إلى بوب رافلسون (أو عاد بوب رافلسون إليه، لا فرق) في فيلمين مهمّين هما «ساعي البريد يدق مرّتين دائما} (1981) و«دم وخمر» (1996). وكان سطا على كل أجواء باتمان عندما لعب دور الشرير جوكر في «باتمان} (1989). في الحقيقة قليلون ماهرون في سرقة المشاهد من سواهم كما فعل نيكولسون في هذا الفيلم كما في فيلمين لجانب ميريل ستريب هما «حرقة قلب} لمايك نيكولز (1986) «آيرونويد} لهكتور بابنكو (1987). وهو بالطبع خمر سينما الرعب الحديثة في «اللمعان» لستانلي كوبريك (1980) وأداؤه هناك أهم من أن يوصف بكلمات قليلة. إنه الممثل الوحيد الذي طغى عمله على عمل المخرج كوبريك. في عام 2006 وبعد أدوار مال فيها إلى الكوميديا، ظهر في فيلم لمارتن سكورسيزي لأول مرة وهو «المغادر» حيث بصم الدور بظهوره الطاغي. فيلمان كوميديان بعد ذلك هما «لائحة الدلو} (2007) و«كيف تعلم» (2010) وتوقف نيكولسون عن الظهور إلى اليوم.

* على جانبي القانون
في الفترة ذاتها التي ظهر فيها نيكولسون لأول مرّة على الشاشة، ظهر على نحو خجول ممثل جديد اسمه آل باتشينو لمخرج بدأ سينما وانتهى تلفزيون اسمه فرد كو. الفيلم بعنوان «أنا، نتالي} واسم باتشينو ورد في كعب أسماء الممثلين. كان لا يزال في التاسعة والعشرين من العمر وغادر صفوف دراسة الدراما حديثا. لكن المثير جدّا لاهتمام الدارس أن باتشينو في فيلمه الثاني مباشرة، وهو «الذعر في نيدل بارك» The Panic in Needle Park أصبح ممثلا رئيسا. الفيلم من إخراج جيري تشاتزبيرغ الذي عاد إلى باتشينو في عام 1973 ومنحه بطولة «الفزاعة» أمام الممثل جين هاكمن. بين الفيلمين انتقاه فرنسيس فورد كوبولا لدور أحد أولاد مارلون براندو في «العراب} (1972) على الرغم من معارضة شركة باراماونت التي أرادت لهذا الدور ممثل آخر أكثر شهرة. ليس فقط أن باتشينو اشتعل على الشاشة كفتيل برميل البارود، بل وجد نفسه، والسبعينات ما زالت في مطلعها، في الصف الأول بين الممثلين. سيدني لوميت التقط المناسبة ومنحه بطولة فيلمين هما «سربيكو} (1973) وبعد أن أنجز باتشينو الجزء الثاني من «العراب}، «بعد ظهر يوم لعين» (1975).
مثل نيكولسون عبّر باتشينو عن الرفض والتمرّد: هو متمرّد على وصايا عائلته المافياوية في «العراب} (بجزأيه) ولو لم يفعل لتمت إبادة تلك العائلة على أيدي أعدائها. المشهد الذي يجالس فيه باتشينو في «العراب} الأول الشخصين الضالعين بمحاولة قتل والده، آل لاتييري، وكان وجها شريرا دائما ظهر لاحقا في فيلم سام بكنباه «الهروب} The Getaway وسترلينغ هايدن، وهو من حقبة الأربعينات والمكارثية، مشحون بمفردات الشخصية التي يؤديها باتشينو كما بلغة الأعين التي يجيدها في معظم أفلامه.
وهو متمرّد على سلك البوليس الفاسد في «سربيكو} وعلى المجتمع في «بعد ظهر يوم لعين» ثم على القضاء في «..والعدالة للجميع} .. And Justice for All للمخرج نورمان جويسون (1975) وعلى المجتمع بأسره إنما من زاوية مختلفة في «ذو الوجه المشطوب} Scarface لبرايان دي بالما (1983)، المخرج الذي استعان به مجددا بعد عشر سنوات في «طريقة كاريلتو». ‬
خلال سنوات المهنة في الثمانينات تخلى عن صورة المتمرّد حيال أدوار عاطفية أو اجتماعية أخرى («فرانكي وجوني} و«عطر امرأة} و«بحر الحب») كما أخذ أداؤه بالتنوّع لناحية الانتقال على جانبي القانون: هو العدالة في «حرارة» (أول لقاء بينه وبين روبرت دي نيرو) و«سيتي هول} (منتصف التسعينات) والمجرم في «محامي الشيطان} (1997) و«أرق} (2002). لكنه أيضا في الكثير من الأفلام الركيكة في سنوات العقد الأول من القرن الحالي، كما حاله في «غيغلي» و«قتل مشروع} و«ابن لا أحد}. على ذلك، ومن حين لآخر هناك لمعة تعيدنا إلى مجده كما الحال في «ذ إنسايدر} و«تاجر البندقية».
لديه هذا العام ثلاثة أفلام متتابعة سنترك الحكم عليها لاحقا.

* ‬شوارع سكورسيزي‬
رفيق الدرب الذي نافسه على لقب أفضل ممثل أميركي كان روبرت دي نيرو. تشاهده الآن في أفلامه الأولى فلا ترى سوى إيحاء طفيف بأنه امتلك المقدرات الحقيقة للتحول إلى ممثل جيّد. بعد فيلمين غير محسوبين مطلقا («لقاء» و«ثلاث غرف في مانهاتن») بدأ بهما حياته على الشاشة سنة 1965 اكتشفه المخرج برايان دي بالما وقدّمه في «تحيات» (1968). آنذاك، برايان دي بالما بدوره كان مشروعا غير واعد. لكن دينيرو كان بحاجة إليه وإلى أي مخرج آخر يمنحه الفرصة. وهذه الحاجة تبلورت عن ثلاثة أفلام أخرى بينهما هما «حفلة العرس} و«هاي، موم} و«الأم الدموية} (ما بين 1969 و1970). لا بد أن هذه الأفلام، على فوضاها الإخراجية، لفتت الانتباه إلى دي نيرو الذي تعزز وضعه بين الأسماء في فيلم بوليسي كوميدي بعنوان «العصابة التي لا تجيد إطلاق النار} The Gang That Couldn›t Shoot Strait للتلفزيون الجيد جيمس غولدستون كما في فيلم درامي لمخرج عابر هو جون د. هانكوك عنوانه «أقرع الطبل ببطء}. ‬
المخرج مارتن سكورسيزي كان على المفترق المقبل في حياة دي نيرو. هذا المخرج كان أيضا سينمائيا طازجا عليه أن يثبت لهوليوود شأنه قبل أن يصبح أحد رجالاتها. الفيلم الأول الذي مثله دي نيرو لسكورسيزي كان «شوارع منحطّة» (1973) وهذا الفيلم تولى وضع دي نيرو على ناصية الطريق. تلاه فيلم «العرّاب 2} لكوبولا الذي حكى قصّتين متوازيتين: الأولى في الزمن الحاضر وقوامها استكمال آل باتشينو لحلقة كشف الذين خانوا العائلة وتصفيتهم والثانية تاريخ والده مارلون براندو من فراره وأمّه من صقلية إلى الوقت الذي حط فيه في نيويورك الخمسينات. هذا الدور لعبه روبرت دي نيرو. بطبيعة الحال، ليست هناك مشاهد على الإطلاق تجمع بين باتشينو ودي نيرو ولو أنهما اشتركا في صنع مجد هذا الجزء الثاني.‬



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».