موسكو متخوفة من تحول عفرين إلى معقل لـ«متشددين»

الجانب الروسي «محرج» من نيات تركيا شمال سوريا

TT

موسكو متخوفة من تحول عفرين إلى معقل لـ«متشددين»

مع اقتراب تركيا من حسم معركة عفرين، وإعلانها نية لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في الشمال السوري، اتجهت الأنظار إلى الموقف الروسي الذي منح ضوءاً أخضر لعملية «غصن الزيتون» على ضوء المواجهة القائمة مع الولايات المتحدة في الشمال السوري، وبهدف ضمان تعاون تركي مع خطط روسيا في الغوطة الشرقية وفي منطقة إدلب لاحقاً. لكن مخاوف برزت في الفترة الأخيرة من تداعيات العملية العسكرية على التوازن الذي تسعى موسكو للمحافظة عليه في علاقاتها مع أنقرة من جانب، ومع طهران ودمشق من الجانب الآخر. بالإضافة إلى أن امتداد العملية العسكرية التركية يضع موسكو في موقف محرج لجهة فرض أمر واقع جديد في الشمال السوري يشتمل على منطقة نفوذ واسعة لتركيا.
وكانت موسكو تفضل في بداية التحرك التركي أن يكون محدوداً، وأن يبقى هدفه محصوراً في ضمان شريط حدودي آمن في مقابل التلويح الأميركي بتأسيس قوات حدودية يكون عمادها مقاتلي «الوحدات» الكردية، وفقاً لما قاله لـ«الشرق الأوسط» خبير عسكري روسي متابع للعملية، لكن الأولويات تبدلت مع توسع نطاق المعركة وارتباطها بالوضع الميداني في مناطق أخرى في سوريا، كما برز من خلال المقايضات التي حصلت لإخلاء الغوطة الشرقية من الفصائل المعارضة، وإجلاء المدنيين منها في مقابل ضمان التقدم التركي في عفرين، والبدء بالتحضير لإطلاق المرحلة الثانية من العملية العسكرية التركية.
ومنذ البداية لعبت موسكو دوراً رئيساً في ضبط القوات الكردية، ومنعها من توسيع نطاق المقاومة للعملية التركية. وقال مسؤول في الإدارة الذاتية الكردية لـ«الشرق الأوسط» إن حوارات مكثفة جرت مع الروس في موسكو وحميميم والقامشلي، وإن الموقف الروسي ركز على أن أمام الجانب الكردي «واحداً من طريقين»: إما تنسيق المواقف مع الحكومة السورية، أو مواجهة العملية التركية. وزاد أن الإدارة الذاتية حققت تقدماً كبيراً في مفاوضاتها مع الحكومة السورية في ذلك الوقت لجهة تنسيق المواقف، وتوزيع مناطق السيطرة، لكن عدداً من النقاط الخلافية، بينها اشتراط الحكومة التحاق المجندين الكرد بالجيش، وتنسيق النشاط العسكري لاحقاً، حال دون إتمام الاتفاقات. ومع بداية العملية العسكرية التركية وجهت موسكو تهديداً مباشراً للجانب الكردي بأنها سوف تتدخل إذا دعت الضرورة، ولن تسمح بفشل العملية التركية.
وأشار المتحدث إلى اتفاق ضمني بين موسكو وواشنطن حول توزيع مناطق النفوذ على ضفتي الفرات، منع واشنطن بدورها من التدخل لمساعدة القوات في عفرين، وأن واشنطن أبلغت الجانب الكردي منذ البداية أنها لن تتدخل في هذه المنطقة.
وخلال العملية العسكرية الروسية كان لافتاً أن الموقف الروسي شهد تبدلات، إذ كانت موسكو لمحت في البداية إلى إمكان تأسيس منطقة خفض تصعيد في عفرين. ونوه مسؤولون عسكريون روس إلى أن تركيا قد تلعب دوراً فيها في مقابل القوات النظامية من جهة الجنوب، لكن المخاوف من وقوع صدام مباشر بين أنقرة ودمشق، ورفض أنقرة التنسيق مع دمشق، أسفرا عن تبدل الموقف الروسي، كما برز من خلال تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف على هامش اللقاء الوزاري الثلاثي في آستانة أخيراً بأنه «لا حديث حالياً عن تأسيس مناطق خفض تصعيد جديدة» ما عكس تغيراً في التوجهات الروسية على وقع العمليات الجارية في الغوطة، وانتظاراً لتوضيح مدى العملية العسكرية التركية في الشمال.
ومع اقتراب الحسم النهائي في عفرين يقف الموقف الروسي أمام خيارات جديدة، ونَقَل الملحق العسكري لصحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية الواسعة الانتشار عن خبير مطلع على الملف أن موسكو تدرس احتمالات اتساع المواجهة التركية - الكردية، كما يقلقها أن السيطرة في عفرين ستؤول إلى مجموعات تابعة علنياً لـ«الجيش السوري الحر»، لكنها تضم مسلحين من اتجاهات مختلفة ما يعني احتمال فرض متشددين سيطرتهم على المنطقة. واعتبر الكاتب أن تهديدات القادة الميدانيين في وحدات «حماية الشعب»، الذين أخلوا عفرين من دون قتال، للقوات التركية والتشكيلات الإسلامية التابعة لها بحرب عصابات واسعة النطاق لا تبدو مقنعة.
وأشار إلى أن التفسير على الأرجح يكمن في تفاهمات تم التوصل إليها بين أنقرة وواشنطن لممارسة الأخيرة ضغوطاً إضافية على الكرد.
وحول الوضع في عفرين رأت الصحيفة أن إنشاء إدارة ذاتية من المعارضين «الإسلاميين» في «الجيش السوري الحر» تنفيذاً لتأكيد أنقرة أنها ستنقل السلطة إلى «أصحابها الحقيقيين»، يعني «احتمال تحول عفرين إلى جيب آخر لـ(متشددين) مثل إدلب ما يعني أن الحسم العسكري فيها سيكون مؤجلاً فقط إلى حين».
من جانب آخر، نقلت صحيفة «كوميرسانت» عن خبراء في تركيا أن أنقرة «تنتظر الاقتراح الأميركي بشأن منبج، وإذا ثبت أنه مقبول بالنسبة لها، فلن تقوم بأي عمليات عسكرية هناك». وأضافت أن الوضع حول منبج كان الموضوع الرئيس للمحادثات التي كان يفترض أن يجريها في واشنطن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع وزير الخارجية الأميركي المقال ريكس تيلرسون. وكان من المقرر عقدها في 19 مارس (آذار)، لكن إقالة تيلرسون المفاجئة أجبرت الوزير التركي على إلغاء الزيارة إلى الولايات المتحدة، والاستعاضة عنها بلقاء بين كبار المسؤولين في 21 من الشهر الحالي.
وعموماً يرى خبراء أن إنشاء منطقة خاضعة للسيطرة التركية في سوريا يضع روسيا في موقف صعب. فموسكو ترفع شعار الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، لكنها تسعى إلى تجنب وقوع خلاف مع تركيا. والجانب التركي لا يبدو مهتماً بفكرة موسكو حول وضع المناطق الأمنية التي تم إنشاؤها في إطار عمليتي «غصن الزيتون» و«درع الفرات»، تحت سيطرة دمشق. ويبقي غياب التنسيق التركي - الأميركي، وعدم توصل موسكو إلى اتفاقات نهائية مع أنقرة حول الخطوات اللاحقة، الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات التي يبدو أن الأطراف الضامنة تحاول أن تصل إلى تفاهمات بشأنها مع اقتراب موعد القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية المقررة في الرابع من الشهر المقبل في إسطنبول.



مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».