نتاجات فلسطينية من قلب المأساة

قراءات نقدية في الشعر والرواية

نتاجات فلسطينية من قلب المأساة
TT

نتاجات فلسطينية من قلب المأساة

نتاجات فلسطينية من قلب المأساة

في كتابها الجديد «قراءات نقدية»، الذي جاء في 421 صفحة من القطع الكبير، ضمن منشورات «الدار العربية للعلوم ناشرون»، في بيروت، تقدم لنا الدكتورة نجمة خليل حبيب، أستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة سدني، عبر أربعة فصول، ثماني قراءات في الشعر، وأربع عشرة قراءة في الرواية والقصة والسيرة الذاتية، وخمس قراءات في الفكر والمجتمع.
ويبدو واضحاً في الكتاب الجهد الأكاديمي، والنهج النقدي الموضوعي للمؤلفة، في القراءات السبع والعشرين التي تضمنها الكتاب، والتي كتبت بين عامي 1999 و2017. ومع تنوع واختلاف مضامين واهتمامات هذه القراءات، نجد أن المؤلفة خصصت إحدى عشرة قراءة منها لنتاجات فلسطينية.
وكان من باب الوفاء والإنصاف أن تذكّر الدكتورة نجمة خليل حبيب قراءها بكاتبة مهمة مغبونة، هي القاصة الفلسطينية الراحلة سميرة عزام (1926 – 1967)، التي ترى أنها قد ظلمت كما لم تظلم كاتبة عربية، إذ لم تأخذ ما تستحقه من النقد والتقييم، ولم تنشر أعمالها كما يليق بكاتبة من وزنها. وتتمثل هذه الأعمال بأربع مجموعات قصصية، هي: «أشياء صغيرة» و«الظل الكبير» و«قصص أخرى» و«العيد من النافذة الغريبة»، ورواية غير مكتملة بعنوان «سيناء بلا حدود»، وبعض القصص القصيرة غير المنشورة.
في الفصل الأول من الكتاب، تشير المؤلفة إلى أن المشهد الأدبي الفلسطيني عرف عشرات الأسماء من المبدعين، شعراً ونثراً، وأن الباحثة سلمى خضراء الجيوسي أحصت في موسوعة «الأدب الفلسطيني»، عام 1997، ثلاثة وستين شاعراً وشاعرةً، وخمسين ناثراً وناثرةً، وأن نبيل سليمان أحصى خمسين عملاً روائياً، بين 1960 - 1970، وما يزيد على مائتي عمل خلال العقود الثلاثة الماضية (1980 - 2000). ثم تتناول لدى حديثها عن «طقوس العودة ودلالاتها في الشعر العربي الفلسطيني» نماذج مختارة لكل من الشعراء: عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، وفدوى طوقان، وأحمد دحبور، وعز الدين المناصرة، ومحمود درويش.
وفي قراءتها التي حملت عنوان «انتفاضات أيمن اللبدي.. التزام بقول الوجدان الفلسطيني وانزياح لبطولة الهامش»، ترى أن «التزام هذا الشاعر - في كثير من الأحيان - لا يعيق فنية القصيدة، بل يجمّلها بصدقه وحرارة عاطفته، كأنه ليس التزاماً بالمعنى الضيق، بل حالة شعرية حرضتها المعاناة التي تسكن الشاعر، وتطغي على وجدانه، فتجعله ينشغل عن كل ما عداها من حذلقات نقدية، كأمور الغياب والهامش والانزياح والتفكيك».
أما القراءة الفلسطينية الثالثة في هذا الفصل، فتكرسها لمرايا الذات في ديوان «أطلس الغبار» لمحمد حلمي الريشة، وتخلص إلى أن الشاعر «سواء قال قضيته أو ذاته، أو الاثنين معاً، فهو لم يقل بقيم الشفاهة، وما انتهى نصه إلى الماضي بل إلى المستقبل، وكان نصاً يحاور ولا يراوح، مفتوحاً غير منغلق. ولم يتخذ هذا النص من الحداثة ذريعة للعبث باللغة والإسفاف بها إلى المبتذل العادي واليومي، بل ظل متمسكاً بتلك اللغة الراقية البليغة التي يعتبرها التراثيون بيت قصيدهم، ورغم ذلك لم تلجأ إلى تعابيرهم وصورهم التي أنهكها الاستعمال».
كما تتناول في هذا الفصل ممانعة النص وجمالية التجاوب في قصيدة النثر العربية، متخذةً ديوان «ضوء آخر» للشاعر شوقي مسلماني نموذجاً، ثم تتناول «انزياحات الصورة الشعرية في ديوان (من نزع وجه الوردة)» للشاعر نفسه، هذا إضافة إلى قراءتين تتناول فيهما «رعشة الغياب في خريف المآذن لباسم فرات» و«شعرية الغياب في غبار وديع سعادة».
وفي الفصل الثاني من الكتاب، تختار عند الحديث عن أدبية السيرة الذاتية الحديثة، كتاب «قلب العقرب.. سيرة شعر» لمحمد حلمي ريشة، وتقول إنها إذ تقرأ سيرة الريشة تقرأ معها «سيرة المعاناة الفلسطينية بكل تفاصيلها المؤلمة والمذلة والمكابرة الصامدة والصابرة: شراسة الحصار وما ينتج عنه من جوع وعطش مضنيين، والمعاناة اليومية على الحواجز، وبؤس المشهد الثقافي الفلسطيني».
وبالانتقال إلى الفصل الثالث، تضع أمامنا الناقدة قراءة بعنوان: «الفلسطينيون في أستراليا.. مؤلف ينقذ فلسطيني أستراليا من الغياب»، تتناول فيها كتاباً للإعلامي الباحث هاني الترك، وتقدم له بمقولة لإدوارد سعيد هي: «قبل كل شيء، ورغم أننا في الحقيقة لا نملك أرضاً خاصة بنا، فإننا كشعب متحدون كأقوى ما يكون الاتحاد، ففكرة فلسطين (التي صغناها من خصوصية تجربتنا في الاقتلاع والطرد الاستثنائي) هي دعوة للترابط، نستجيب كلنا لها بحماس إيجابي».
وفي الفصل الرابع (الأخير)، وتحت عنوان «جدار الصمت.. سيرة ذاتية تعري الذات وتلملم انكساراتها»، تكتب عن رواية للروائية دينا سليم، التي تعدها عملاً أدبياً مميزاً، لسببين: «أولاً، لأنه جنس جديد في مشروعها الكتابي المكثف الذي بدأ فعلياً منذ عقد ونيف، أنتجت خلاله ست روايات؛ وثانياً، لأنه كشف آخر عن موهبة دينا السردية في الإمتاع والإدهاش».
وتحدثنا بعد ذلك عن الرواية الأولى لسمر حبيب، التي صدرت بالإنجليزية تحت عنوان: «شجرة تحت المطر»، فترى أن عنوانها يربك القارئ أول الأمر، فأي شجرة أرادت الكاتبة وأي مطر؟ أهي شجرة الروائي الأسترالي باترك وايت التي رمز بها إلى نشأة الاستيطان الأبيض في أستراليا؟ أهو مطر بدر شاكر السياب المحمل بالعطاء والخير أم مطر «أبناء الغبار» المحمل بالإشعاع الذري والموات؟!
وتستدرك قائلة: «إننا إذ نتخطى إرباكات العنوان، يتكشف لنا الفضاء الروائي عن عوالم ثلاثة، تتقاطع حيناً وتتطابق حيناً آخر، ليخلص إلى مشروع متخيل يهدف إلى إقامة تواصل إيحائي يوالف بين الطبيعة وكائناتها، وينقذ الكون من الدمار.
كما تناولت في هذا الفصل أربعة كتب أخرى، هي: كتاب «خارج السرب» لجورج هاشم، الصادر في سدني، وكتاب «اشرب بحر غزة» لأميرة هاس، الصادر في نيويورك، ورواية «الظل والصدى» ليوسف حبشي الأشقر، الصادرة في بيروت.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.