«رسالة سرية» حول انتهاكات الغوطة إلى مجلس الأمن تغضب موسكو

تضمنت انتقادات للتصعيد التركي شمال سوريا

TT

«رسالة سرية» حول انتهاكات الغوطة إلى مجلس الأمن تغضب موسكو

وصف مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في «رسالة سريّة» إلى أعضاء مجلس الأمن حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، العنف في الغوطة الشرقية بأنه وصل في الأسابيع القليلة الماضية إلى «مستويات لا سابق لها» منذ بداية الحرب السورية قبل سبع سنوات، فضلاً عن «التصعيد الدراماتيكي» في عفرين على ضوء الحملة العسكرية التركية ضد الجماعات الكردية، متهماً كل الأطراف بـ«عدم الامتثال» لوقف النار وللقوانين الدولية.
وكشف دبلوماسيون أن هذه الرسالة «أثارت غضب روسيا» التي اعتبرتها «محركاً لطلب» قدمته فرنسا بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا والكويت والسويد وهولندا من أجل عقد جلسة لمجلس الأمن والاستماع إلى إحاطة من المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول «الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الجهات الفاعلة في القتال في سوريا، وخصوصاً القوات النظامية السورية بدعم من الميليشيات الإيرانية وبغطاء جوي روسي».
وتفيد الرسالة بأن «المدنيين، بينهم النساء والأطفال، يقتلون ويصابون بجروح بازدياد، على نحو ملحوظ خصوصاً في الغوطة الشرقية، حيث بلغ العنف في الأسابيع الأخيرة مستويات لا سابق لها منذ بدء الحرب». وتضيف أنه في منطقة عفرين بمحافظة حلب «أدى التصعيد الدراماتيكي في القتال، مع العمليات الجوية والبرية الواسعة النطاق، إلى سقوط قتلى وجرحى مدنيين وإلى وضع مئات الآلاف في خطر شديد». وتتابع الرسالة: «منذ بدء الهجوم الضخم في 19 فبراير (شباط) من القوات الحكومية وحلفائها على مناطق تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية، تلقى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان تقارير عن قتل مئات المدنيين وجرح آلاف آخرين بنتيجة الغارات الجوية والهجمات المنطلقة من البر». ومن الأمثلة على ذلك هجمات شنت في 14 مارس (آذار) على مناطق سكنية في حمورية وقتل فيها 12 مدنياً، بينهم خمس نساء وثلاثة فتيان وثلاث فتيات، موضحة أن «بين القتلى عائلة من خمسة أفراد لجأوا إلى إحدى البنايات»، فضلاً عن «أكثر من 20 مدنياً لا يزالون تحت الأنقاض لأن الأعمال العدائية حالت دون تحرك عاملي الإسعافات الأولية». وبينما تشير الرسالة إلى أن المكتب «غير قادر على التحقق مما إذا كانت كل وفاة ناجمة عن انتهاك لطرف ما للقانون الإنساني الدولي»، تؤكد أن «العدد الكبير من المصابين المدنيين هو مؤشر قاس للهجمات والانتهاكات العشوائية لمبادئ التناسب والمحاذير». وتعرض الرسالة أيضاً للأوضاع في عفرين ومحافظات إدلب وحماة ودير الزور ودرعا، حيث أدت الغارات الجوية والهجمات البرية إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين.
وفي ضوء هذه المعلومات، طلبت فرنسا وبدعم من مجموعة «الدول المتماثلة التفكير»، عقد جلسة لمجلس الأمن حول أوضاع حقوق الإنسان في سوريا، والاستماع إلى إحاطة من المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين الذي كان موجوداً. غير أن روسيا رفضت هذا الطلب، وقامت بمناورة دبلوماسية إجرائية أدت عملياً إلى إفشال الطلب الفرنسي. وقال نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة غينادي كوزمين: «لا نرى أي مبرر لعقد هذا الاجتماع»، معتبراً أن حقوق الإنسان ليست ضمن تفويض مجلس الأمن.
وبالتصويت الإجرائي، لم يحصل طلب فرنسا سوى على ثمانية من الأصوات التسعة المطلوبة، وعارضته أربع دول هي روسيا والصين وبوليفيا وكازاخستان، وفي خطوة لم تكن محسوبة، امتنعت عن التصويت الدول الأفريقية الثلاث إثيوبيا وساحل العاج وغينيا الاستوائية.
وتعليقاً على إفشال الجلسة، قال زيد رعد الحسين إن «هذا الفشل في حماية الأرواح وحقوق الملايين من الناس ينخر ليس فقط عمل الأمم المتحدة ولكن أيضاً مشروعيتها». ورأى القائم بالأعمال البريطاني جوناثان ألن أن روسيا «لا تريد الحقيقة حول الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان التي تقع في سوريا» ولكنهم «لن يسكتونا».
وعلى الأثر، طلبت فرنسا والولايات المتحدة عقد جلسة غير رسمية بصيغة «آريا» أدارها رئيس المجلس للشهر الجاري المندوب الهولندي كاريل أوستروم واستمع المشاركون في الجلسة، وهم من الدول الـ15 الأعضاء وبينهم روسيا والصين، إلى إحاطة من زيد رعد الحسين الذي انتقد مجلس الأمن لتقاعسه عن «الدفاع عن حقوق الإنسان ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح». وقال إن «الصراع السوري يتسم بتجاهله المطلق لأبسط معايير المبادئ والقوانين». وأضاف أن كثيرين ممن سعوا لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان اعتقلوا أو عذبوا أو قتلوا، موضحاً أن «مجلس الأمن لم يكن على قدر تضحيات هؤلاء الأبطال في جميع أنحاء سوريا. لم يتخذ قرارا حاسما للدفاع عن حقوق الإنسان ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح». وانتقد استخدام حق النقض (الفيتو) لحماية «مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في سوريا وأماكن أخرى» من حكم العدالة. وأكد أن «هذا الإخفاق في حماية الأرواح وحقوق الملايين من الأشخاص لا يقوض فحسب عمل الأمم المتحدة بل شرعيتها أيضا».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.