لبنان: الخلافات تعصف بتشكيل لوائح «8 آذار»

نائب يتهم القانون الانتخابي الجديد بـ{تحويل الأصدقاء إلى أعداء}

TT

لبنان: الخلافات تعصف بتشكيل لوائح «8 آذار»

طغت المصالح الانتخابية لدى القوى والأحزاب اللبنانية على تحالفاتها السياسية الكبرى، وإذا كانت تلك المصالح فرّقت صفوف قوى «14 آذار» مبكرا، فإن الخلافات بدأت تعصف بصفوف أحزاب «8 آذار»، التي يقودها «حزب الله»، العاجزة حتى الآن عن بلورة تحالفات انتخابية وتشكيل لوائحها في معظم الدوائر المختلطة، رغم اقتراب نفاد مهلة تقديم اللوائح إلى وزارة الداخلية في 28 مارس (آذار) الحالي.
وإذا كان الثنائي الشيعي؛ حركة «أمل» و«حزب الله»، حسم تحالفه وسمّى مرشحيه في كلّ الدوائر، فإن الأحزاب والشخصيات الحليفة المتحالفة استراتيجياً مع «حزب الله» والمقرّبة من النظام السوري، ما زالت تتخبّط في عملية تركيب لوائحها في عدد من الدوائر الأساسية مثل عكار وطرابلس (شمال لبنان)، والشوف وعالية (جبل لبنان) والبقاع الغربي والأوسط، وبيروت الثانية، ما دام صراعها على مقعد نيابي في هذه الدائرة وآخر في تلك، بات يتقدّم على التحالف السياسي الاستراتيجي، أقله في هذه المرحلة.
وأكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب علي قانصو (ممثل الحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة) أن «الصورة ليست سوداوية إلى هذا الحدّ لدى قوى (8 آذار) كما يتم تصويرها». ورأى أن «الأزمة بين هذه القوى ليست نافرة إلى هذا الحدّ، إنما عادية جداً قياساً على قانون انتخابي معقّد، وفيه تطاحن على الصوت التفضيلي».
ورغم محاولته بثّ أجواء تفاؤلية، فإن الوزير قانصو لم ينكر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك مصالح انتخابية وصراعا على الأصوات التفضيلية تتحكّم بتأليف اللوائح، لكن ذلك لا ينسف الثوابت السياسية لفريقنا». وقال: «في عكار اقتربنا من إعلان لائحة (8 آذار)، وقطعنا شوطاً كبيراً في التفاهم مع (التيار الوطني الحر) على خوض الانتخابات ضمن لائحة واحدة، وهذا الأمر ينسحب على دائرة الشوف - عالية»، مشدداً على «سعي هذا الفريق ليكون مع (التيار الحر) في كلّ الدوائر».
وتطرح التساؤلات عن أسباب تريث الحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة الوزير طلال أرسلان، في التحالف مع قوى من الخطّ السياسي نفسه، مثل الوزير السابق وئام وهّاب والحزب القومي في عالية. ويعزو النائب فادي الأعور (عضو في كتلة أرسلان) ذلك التردد إلى «قانون الانتخاب الجديد والعقد الذي يدفع إلى سعي كل القوى لإثبات وجودها وحجمها السياسي والتمثيلي»، عادّاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التنافر بين حلفاء الصفّ الواحد في الانتخابات مسألة طبيعية». ورأى أن «المعضلة تكمن في قانون تحوّل من إنجاز إلى مشكلة». وأضاف: «كل دائرة يجري مقاربة التحالف فيها على حسابات المقاعد، وكلّ فريق يحاول تحسين نقاطه للحصول على أكبر عدد من المقترعين، وكيف تعطى الأصوات التفضيلية لمرشحي اللوائح».
وتعدّ قوى «8 آذار» أكبر المتحمسين للقانون الانتخاب النسبي، وعدّت أنه يمثّل إنجازا لها، ويحسّن تمثيلها النيابي قياساً على القانون الأكثري الذي يعطي كل المقاعد النيابية لمن يفوز بفارق صوت واحد عن اللائحة الأخرى، لكن حركة الاعتراض على القانون الجديد بدأت تتسع ضمن هذا الفريق.
وتطرح خلافات الصف الواحد علامات استفهام عمّا إذا كانت نتائج الانتخابات قد تطيح بالتحالفات السياسية المتماسكة منذ عام 2005. غير أن الوزير علي قانصو شدد على أنه «لا تفكك في تحالفات (8 آذار)». وذكّر بأن «التباينات الانتخابية داخل الصفّ الواحد طبيعية، ولا تمس بالمسلّمات»، مذكراً بوجود «خلافات مماثلة وأعمق داخل فريق (14 آذار)، خصوصاً بين (المستقبل) و(القوات اللبنانية)، وبين (القوات) وحزب (الكتائب) بمعظم الدوائر الانتخابية، حيث لا تحالفات فيما بينهم». وختم قانصو، بالقول إنه «فور تبلور موقف (التيار الوطني الحر) واتخاذ موقف علني ونهائي من التحالف مع (8 آذار)، ستكرّ سبحة إعلان لوائحنا في كلّ الدوائر».
أما النائب فادي الأعور، فقدّم أسباباً موجبة لتلك الخلافات، محمّلاً القانون الجديد مسؤوليتها، وقال: «هذا القانون حوّل الأصدقاء إلى أعداء»، عادّاً أنه قانون «غير مثالي رغم أن فريقنا قاتل للوصول إليه»، لكنه لفت إلى أنه «لا إشكالية سياسية بين مكونات (8 آذار)، بل إشكالية انتخابية، محورها كيف ستتعاطى القوى في الدوائر المشتركة، وكيف توزّع أصواتها».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.