هو عرض فني يحاكي وطناً مجروحاً، حمله كل من الفنانين السوريين كنان العظمة وكيفورك مراد إلى العالم، ليرويا من خلاله الأحداث التي شهدتها سوريا منذ بداية الحرب فيها حتى اليوم. «الوطن داخلا» الذي تستضيفه بيروت في 26 مارس (آذار) الجاري، على مسرح «أسامبلي هاوس» في الجامعة الأميركية، لن يكون عرضا مسرحيا يشبه غيره لا بمضمونه ولا بموسيقاه وبلوحاته المرسومة. فهو ينقل مشاهده إلى عمق مشاعر يتخبط فيها أبناء سوريا، ويحاول كل من الفنانين كنان وكيفورك التعبير عنها في لوحات فنية إيحائية، تتيح لكل واحد منّا أن يفسرها على طريقته. «ليس هناك من مفاتيح واضحة تخول مشاهد العرض استنباط اللحظة أو المكان والزمان المرتبط بسوريا». يوضح عازف الكلارينيت كنان العظمة، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «برأيي أنّ عملية الإيحاء هي أهم من فكرة واضحة ومدعومة بأدوات خاصة بها. والمهارة الحقيقية في هذا السياق تكمن بهذه المساحة من الحرية التي نضعها في متناول المشاهد ليحيك حولها أحاسيس وطن يسكنه».
تستغرق مدة عرض هذا العمل الذي يرتكز على رسم لوحات فنية على الورق مباشرة أمام الحضور نحو 60 دقيقة، ويترافق معها عزف موسيقى على آلة الكلارينيت ترسم بدورها أفكار وانطباعات صاحبها على شاشة ضخمة تتوسط المسرح. «لا أستطيع أن أشرح ما سنقدمه من خلال أسماء وأمور حسية، فالعرض هو رحلة سمعية بصرية مستوحاة من أفكار صوتية ومن عناصر مألوفة، إضافة إلى جزء أساسي من الفن التجريدي». يوضح كنان الذي يعيش وكيفورك في مدينة نيويورك ويلقب بأسطورة الكلارينيت السورية.
يغيب كنان عن سوريا منذ نحو 7 سنوات، ومع ذلك فهو يشعر بأنّ هواءها ونسماتها ورائحة ياسمينها تسري في عروقه، ويقول: «صحيح أنّني غائب عنها فيزيائيا، ولكنّها تسكن في روحي وعقلي وقلبي. أنا واحد من بين 24 مليون سوري يحلمون بوطن السلام. أمّا ما أقوم به فهو كناية عن وضعي قطعة (بازل) في فنون سوريا المختلفة والمتنوعة».
تربط ما بين الفنانين كنان وكيفورك علاقة وطيدة عمرها 15 سنة، وقرّرا معا الانطلاق في العالم ليرويا قصصا عن سوريا الحرب والمعاناة على طريقتهما. فكانت تجربتهما الأولى مع «غلغامش» في عام 2003 التي قدماها في لبنان وسوريا وأميركا وفرنسا. ومع «الوطن داخلا» التي ولدت في عام 2013، وانطلقا في جولة فنية جديدة طالت مدينة مونتريال الكندية وغيرها، ولتحط اليوم في بيروت في 26 الجاري، فعبرا فيها عمّا يخالجهما من شعور تجاه سوريا الوطن الأم برسائل إلكترونية مع معالجات صوتية تصدران عن آلة الكلارينيت. ولكن هل من نوتات موسيقية شرقية وعربية يستخدمها كنان العظمة في موسيقاه للإشارة إلى بلده العربي؟ يرد: «لا أفرق ما بين الموسيقى الشرقية والغربية، أرى أنّ العالم كرة أرضية متكاملة غير مقسمة، والموسيقى التي أكتبها وأستلهمها من عدة تراثات وتقاليد غير محددة، وهدفي أن تمثلني أنا الذي أهتم بمختلف ثقافات العالم».
يعد العرض المسرحي «الوطن داخلا» عملية توثيق لمشاعر يكنّها السوريون تجاه حقبة تعيشها بلادهم. «لا أحاول اختصار المأساة السورية بقدر ما أعمل على توثيق مشاعرنا تجاهها». يقول كنان العظمة الذي يصف نفسه بصاحب شهية مفتوحة على جميع أنواع الفنون، بحيث لا يستطيع حصر تأثّره الموسيقي بمبدع واحد أو اثنين. في إحدى اللوحات الفنية التي يتضمنها «الوطن داخلا»، نشاهد كنان يعزف على آلة الكلارينيت المعكوسة صورتها على الشاشة العملاقة عن قرب ويعلّق: «أشعر وكأن عمارات تخرج من فوهة الكلارينيت فتعلو ببطء وعزيمة وأصدق الصورة المجازية هذه في تلك اللحظة، وكأنّ الموسيقى قادرة على بناء وطن معافى». مقتنع كنان العظمة بأنّه سيكون هناك دائما غناء في اللوحات الحالكة، لأنّها الوحيدة التي يمكن أن تبث الأمل في قلب سامعها الذي يشعر لوهلة بأنّها استطاعت أن توقف رصاص الأسلحة والقنابل المتفجرة.
ويؤكد كنان العظمة الذي حل مؤخرا ضيفا على التلفزيون الهولندي ليتحدث عن الموسيقى التي يقدمها، أنّ الفنون بشكل عام هي كناية عن مساحة من الحرية تقدم للمتفرج نافذة أمل تشغل رأسه وحواسه مع ما يشاهده. ولذلك يتفاجأ أحيانا كثيرة بردود فعل الناس تجاه عمله هذا ويقول: «أحيانا وعلى أثر تقديمي لحناً قصيراً، يسألني أحدهم إذا ما استوحيته من قدّ حلبي قديم. فيما يقول لي آخر بأنّه تراءى له في إحدى رسومات كيفورك رؤية جسر دير الزور. فإنني أعطي هذه القدرة والطاقة وكمية من الحرية للمتفرج تشكل أهدافي الأساسية في فني، فأعيد خلق صورة الوطن في خياله بأسلوبي الخاص وعلى طريقتي».
7:57 دقيقة
«الوطن داخلا» رحلة فنية تجريدية في أزقة دمشق الحالكة
https://aawsat.com/home/article/1210131/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%C2%BB-%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%B2%D9%82%D8%A9-%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A9
«الوطن داخلا» رحلة فنية تجريدية في أزقة دمشق الحالكة
يلخص المأساة السورية في عرض سمعي وبصري تستضيفه بيروت
«الوطن داخلا» رحلة فنية تجريدية في أزقة دمشق الحالكة
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة