استغراب وشكوك حول مستقبل «داعش»

وسط تفاوت التقديرات حول الأعداد الحقيقية لمسلحيه

الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)
الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)
TT

استغراب وشكوك حول مستقبل «داعش»

الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)
الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)

في الخامس من شهر فبراير (شباط) الماضي، بدأت الولايات المتحدة انسحابًا جزئياً من العراق إثر إعلان بغداد في 9 ديسمبر (كانون الأول) النصر على تنظيم «داعش» الإرهابي المتطرف. ولكن على الرغم من مقتل الآلاف من عناصر التنظيم خلال المعارك في العراق وسوريا، أبدت مصادر مطلعة استغرابها إزاء التناقض بين التقديرات التي جرى تداولها بشأن عدد مقاتلي «داعش»، وبين انتشارهم الفعلي خلال المعارك، مع شكوك حول اختفاء عدد كبير منهم.
منذ ظهور تنظيم «داعش» في يوليو (تموز) 2014، تفاوتت التقديرات بشكل كبير حول عدد المقاتلين في صفوف التنظيم الإرهابي. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، قدّرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركي (سي آي إيه)، أن لدى المجموعة ما بين 20 و31 ألف مقاتل في العراق وسوريا. وفي الشهر نفسه، أعلن مدير مكتب الزعيم الكردي مسعود بارزاني، في مقابلة مع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن تقديرات «سي آي إيه» كانت منخفضة جداً، وأن تنظيم «داعش» يضم نحو 200 ألف مقاتل على الأقل. ولكن في ديسمبر (كانون الأول) 2014، صرّح رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف بأن روسيا تقدّر عدد «داعش» بـ70 ألف مقاتل من مختلف الجنسيات. ثم في يوليو من العام الماضي، صرّح اللواء عبد الأمير يار الله بأن أكثر من 25 ألفاً من مقاتلي التنظيم قضوا خلال معركة استمرت 9 أشهر في مدينة الموصل. وفي الشهر نفسه، تباهى الجنرال ريموند توماس، قائد قيادة العمليات الخاصة الأميركية، بأن الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة ضد «داعش» أسفر عن مقتل ما بين 60 و70 ألفاً من المسلحين.
في المقابل نفى مكتب «قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب التابع لمكتب الشؤون العامة» (CJT - PAO) خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط»، نشره أي إحصائيات تتعلق بعدد قتلى «داعش»، مضيفاً: «ما يمكن قوله هو أن الغالبية العظمى من الإرهابيين الذين قاتلوا في وقت ما تحت راية (داعش) باتوا اليوم في عداد المتوفين أو هم في الأسر». وأكد أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تمكّن من استعادة أكثر من 107 آلاف و300 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 98٪ من الأراضي التي كانت تحت قبضة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا مثل الموصل والحويجة والقائم وتلعفر في العراق، والباب في سوريا، من بين العديد من الأراضي الأخرى.
مع ذلك، عند مقارنة التقديرات الأولية الصادرة عن مختلف المرجعيات الدولية والإقليمية بتلك التي أثيرت خلال المعارك، يلاحظ المرء تناقضاً واضحاً في ما بينها. فعلى سبيل المثال، ذكرت شبكة «سي إن إن» التلفزيونية الأميركية، أنه في بداية الهجوم، كان يعتقد أن نحو 3500 إلى 5000 من مقاتلي «داعش» كانوا في الموصل، وفقاً لمسؤولين عسكريين أميركيين. في حين تحدث أنصار «داعش» عن نحو 7000 مقاتل. وأوردت صحيفة «الإندبندت» نقلاً عن إحصاءات أجرتها مراجع أميركية أن مقاتلي «داعش» في الرقة تتراوح أعدادهم بين 3 و4 آلاف مقاتل. أما في الحويجة فلقد أقر مقاتلو «داعش» العام الماضي بوجود بضع مئات من المقاتلين في المدينة. وقال مدير منظمة «العدالة من أجل الحياة» جلال حمد، لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء: إن «أعضاء (داعش) لم يتعدوا 5 آلاف عنصر حين كانوا يسيطرون على محافظة دير الزور». بالإضافة إلى ذلك، أبدى العديد من المصادر التي تمت مقابلتها في المناطق التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة «داعش» في العراق وسوريا، شكوكها في صحة الأرقام الرسمية المتداولة، متسائلة عن أماكن وجود هذا العدد الكبير من العناصر، إن صحت هذه التقديرات.
من الواضح إذن، أن تقديرات أعداد الإرهابيين جرى تضخيمها بمقدار كبير جداً، وفي هذا الصدد يقول حمد إنه «من الطبيعي أن تأتي أعداد أعضاء (داعش) المتداولة مبالغاً فيها نتيجة المعلومات غير الدقيقة والحملات الدعائية التي قامت بها المنظمة واستراتيجيتها التي اعتمدت على نقل مقاتليها من منطقة إلى أخرى، ما جعلها تبدو أكبر مما هي عليه فعلياً». وأيضاً يشير الخبير العراقي هشام الهاشمي إلى أن العدد الفعلي لمقاتلي تنظيم «داعش» بلغ 36 ألفاً توزّعوا بين سوريا والعراق، معتبراً أنه «لو أخذنا في الاعتبار المناصرين الذين اكتفوا بالتأييد والأعضاء المنخرطين فعلياً في التنظيم، فإن هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 120 ألفاً».
على الرغم من هذه التناقضات، يعتقد الهاشمي أن بنية التنظيم الإرهابي تضعضعت بشكل كبير مع قائد التنظيم أبو بكر البغدادي، القائد الوحيد الذي يبدو أنه نجا من أصل 43 قائداً سبقوه. فوفقاً للهاشمي يبدو وضع التنظيم اليوم أشبه بـ«حكومة ظل» مع بضعة آلاف من المقاتلين المنتشرين بين العراق وسوريا. وقدرت صحيفة «المصدر» مؤخراً أن في سوريا وحدها ما بين 8 و10 آلاف مقاتل من «داعش»، ولو أن القسم الأكبر من نشاط التنظيم يبقى متمركزاً في مناطق النزاع في العراق.
المقاتلون هؤلاء، كما يبدو، عادوا إلى أساليبهم القديمة في التمرد. إذ عمدت قناة «تليغرام» التابعة لـ«داعش» إلى توزيع معلومات جديدة عن الهجمات التي وقعت أخيراً في كل من العراق وسوريا، بعد فترة من الصمت. وأورد العدد الأخير من نشرة «النبأ»، الصادرة باللغة العربية والتابعة للتنظيم، عدة هجمات في سوريا والعراق. وذكرت المنظمة الإرهابية أنها شنت هجوماً في دمشق على القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد، وهذا الخبر أكده الموقع الإلكتروني المؤيد للنظام «المصدر». وتحدثت نشرة «النبأ» أيضاً عن هجمات لـ«داعش» شرق البلاد في منطقة البوكمال جنوب شرق سوريا.
أيضاً، وفقاً لنشرة «النبأ» قام «داعش» بتفجير 18 عبوة ناسفة في كركوك، ونفّذ 8 عمليات اغتيال ضد القوات العراقية، وشن أكثر من 18 هجومًا على المنطقة وهجومًا انتحاريًا واحدًا. وأدى كمين لـ«داعش» في الحويجة إلى مقتل 27 من عناصر وحدات «الحشد الشعبي» العراقي. كما قام التنظيم بضرب القوات العراقية في الموصل وديالى ونجح في اغتيال أحد أعضاء «الحشد الشعبي» في قلب بغداد.
أما الموضوع الآخر الذي يشغل بال الخبراء الدوليين هو مصير المقاتلين الأجانب الذي قدّر عددهم بـ30 ألف مقاتل. وهنا يقول الهاشمي إن الأجانب في التنظيم لم يكونوا بالضرورة مقاتلين، باستثناء الليبيين والعناصر من القوقاز، بل إن غالبيتهم كانوا يتولون الشق الإداري مثل بعض السعوديين الذين اهتموا بقسم الشريعة وبعض الأوروبيين الذين توجهوا أكثر إلى تقديم الدعم الفني وتولوا قسم الأبحاث الكيميائية. وبالتالي، فإن الفرع المسؤول عن التخطيط للهجمات في الخارج لم يتأثر كثيراً بالخسائر التي مني بها التنظيم، وفق الخبير العراقي «بالنسبة إلى فرنسا مثلاً، تشير التقديرات إلى أن نحو 2000 شخص انضموا إلى (داعش) طوال مدة 5 سنوات، من ضمنهم نساء وأطفال. وحتى الآن، عاد منهم فقط ما يزيد بقليل على 200 شخص (أي نحو 10٪) ويبدو أن مائة آخرين على وشك القيام بذلك، طوعًا أو قسراً».
وفي هذا الصدد، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» يوضح الخبير الفرنسي في شؤون الإرهاب وضابط الاستخبارات السابق آلان شوي، أن «العديد من هؤلاء اعتُبروا في عداد المتوفين أو الفارين، وهذا ينطبق على مواطنين أوروبيين آخرين مثل البلجيكيين والألمان والبريطانيين». وأردف شارحاً: إن «عدد مؤيدي (داعش) في أوروبا قد يكون أعلى من ذلك بكثير، كما أنه من الصعوبة بمكان إحصاؤه وتقديره في حال أردنا احتساب الأشخاص الذين (تعاونوا) بشكل غير مباشر مع التنظيم من دون مغادرة بلدهم من خلال بث الدعاية أو تجنيد العناصر».
وعليه، لا تزال الصورة ضبابية حول قدرات «داعش» وعدده، إلا أنه وعلى الرغم من الخسائر العديدة التي مني بها، فإن الاضطراب المستمر في العراق وسوريا قد يصب في النهاية لصالح التنظيم ويؤدي إلى إعادة ضخ الدم في عروقه.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.