جناح الإمارات يعزز ثقافة التسامح والحوار الثقافي

ضيف شرف معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام

لقطة من جناح دولة الإمارات في معرض الرياض الدولي للكتاب
لقطة من جناح دولة الإمارات في معرض الرياض الدولي للكتاب
TT

جناح الإمارات يعزز ثقافة التسامح والحوار الثقافي

لقطة من جناح دولة الإمارات في معرض الرياض الدولي للكتاب
لقطة من جناح دولة الإمارات في معرض الرياض الدولي للكتاب

يتوسط جناح دولة الإمارات العربية المتحدة، ضيف شرف معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام، أرض المعرض، متميزاً بتصميمه ومحتوياته من الإصدارات الفكرية والمعرفية والأدبية التي تزخر بها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتوشحت واجهة الجناح بعبارات للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي تؤكد عمق العلاقة بين المملكة والإمارات، وعبارات أخرى تحث على العلم، منها قوله «إن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون»، كما يتجمّل سقف المعرض بعبارات نقشت بألوان مختلفة جذابة منها «الإنسان أساس الحضارة»، وغيرها من العبارات ذات البعد الإنساني المشترك.
وقالت رئيسة وفد دولة الإمارات مريم السويدي إن الجناح خرج عن الشكل التقليدي المعتاد بحلة جديدة شكلاً ومضموناً، وأُضيف له بعض الأساليب التفاعلية والجماهيرية لجذب الزوار، وتنمية مهاراتهم، وإكسابهم مزيدا من المعرفة والثقافة والحضارة التي تتميز بها دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويضم الجناح أكثر من 20 جهة ثقافية تحت مظلة وزارة الثقافة وتنمية المعرفة كونها هي الحاضنة للثقافة بالإمارات.
وأشارت السويدي إلى أن نوعية الكتب التي يحتويها الجناح تشرح وتوثق وتصور لتاريخ العلاقات الإماراتية السعودية، بداية من السبعينيات الميلادية وحتى يومنا هذا، وأيضاً الكتب التي تتحدث عن تاريخ دولة الإمارات وأبرز الشخصيات الإماراتية.
ويشهد جناح دولة الإمارات العربية المتحدة، العديد من الفعاليات المتنوعة منها برامج للأطفال والأمسيات الشعرية والندوات، إذ تقدم وزارة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية الجدارية المشتركة، والفرق الشعبية، والحلقة الشبابية.
ويقدم اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، أمسية شعرية لحبيب الصايغ، وتقدم أكاديمية الشعر أمسية للشاعر كريم معتوق، فيما تقدم هيئة الشارقة للكتاب أمسية شعرية للشاعر حسن النجار وطلال الجنيبي، وندوة أدبية لعبد الله النعيمي وفتحية النمر.
كما تقدم جمعية الناشرين الإماراتيين ندوتين الأولى بعنوان «واقع النشر في دولة الإمارات» لأحمد آل علي وجمال الشحي، والثانية بعنوان «تجارب النجاح في مجال النشر والقراءة» تقدمها نورة هدية وعلاء داود.
ويشمل برنامج جناح الإمارات توقيع 8 كتب، تشمل كتاب سيرة حاكم لدار نشر هيئة الفجيرة للكاتب مراد عبد الله البلوشي، وكتاب آدم لدار «ملهمون» للنشر للكاتبة شيماء الحوسني، وكتاب تقنيات الكتابة الإبداعية لدار سما للنشر والتوزيع للكاتبة الدكتورة فاطمة البريكي، وكتاب دو نجوان لدار نشر دارك للكاتب عبد الله النعيمي، وكتاب لا أريد لهذه الرواية أن تنتهي لدار ورق للكاتب سلطان فيصل، وكتاب استشراف القلوب لدار «ملهمون» للنشر للكاتب الدكتور حمد الحمادي، وكتاب الكاتبة علياء الخزامي، وكتاب المنقذ للكاتب عمر العويس.
وتشارك هيئة الشارقة للكتاب في فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2018 ضمن جهودها الساعية إلى تعزيز التواصل المعرفي والثقافي على المستويين الإقليمي والدولي.
وأكد فاضل حسين أحمد المشرف على جناح هيئة الشارقة للكتاب في المعرض لوكالة أنباء الإمارات أن الهيئة تسعى من خلال مشاركتها في المعرض إلى نقل صورة عن واقع الإمارات الثقافي. مشيرا إلى أنها تحرص منذ سنوات على المشاركة في هذا المعرض الذي يعد ظاهرة ثقافية، ومن المعارض المهمة على الساحة العربية والدولية.
ولفت إلى مشاركة إمارة الشارقة في العديد من المعارض الدولية، لافتا في هذا الصدد إلى مشاركتها حاليا كضيف شرف في معرض باريس الدولي للكتاب التي تنقل خلاله الثقافة الإماراتية من خلال الأهازيج والعادات والتقاليد إلى فرنسا بهدف تعريف العالم أن الإمارات ليست فقط دولة نفط وإنما دولة ثقافة وحضارة وسلم وتعايش وأمان.
وأضاف: «كما نسعى خلال وجودنا في معرض الرياض إلى الترويج لمهرجان الشارقة القرائي للطفل في شهر أبريل (نيسان) المقبل، الذي يمثل فعالية حافلة بالمتعة والمرح على مدى 11 يوما، حيث يجمع عددا من أفضل مؤلفي كتب الأطفال في العالم، ويعد ملتقى لأكثر من 120 دار نشر عالمية ومحلية تعرض إنتاجها من الكتب للبيع على أرض المعرض».
وقال فاضل «إنه خلال مشاركتنا في معرض الرياض نقوم بالترويج لبعض برامجنا مثل مدينة الشارقة للنشر وهي أول منطقة حرة من نوعها للنشر في العالم العربي وتوفر للعاملين في قطاع صناعة الكتاب الفرصة للاستفادة من حزمة واسعة من الامتيازات المعفاة من الضرائب، من خلال الحصول على فرصة امتلاك شركة خاصة بالكامل تتمتع باستقلالية تامة في الإدارة والموقع المثالي للإمارة في قلب العالم، ويوجد بها مطابع حديثة وضخمة، وتخدم الناشر العربي بشكل كامل».
وأضاف: «كما نقوم بتعريف الناشرين وزوار المعرض بجائزة الشارقة للترجمة (ترجمان) التي أطلقتها هيئة الشارقة للكتاب، وهي جائزة عالمية في الترجمة والتأليف ضمن الفعاليات المصاحبة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب لتشجيع الترجمات العالمية الراسخة التي تتخذ من المنجز الإنساني في أبعاده الثقافية والفكرية منطلقات قومية ترتكز عليها في بناء حضارة الإنسان ومد جسور التواصل بين الشرق والغرب، مع سعيها لدعم النشر الجاد القادر على تأكيد دور الكلمة، وتفعيل الأفكار الخلاقة القادرة على دفع المشهد الحضاري العالمي نحو التكامل المأمول، والغرض من الجائزة نقل الثقافة الإسلامية والعربية للعالم».



«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين
TT

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.

سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.

سورين كيركيغارد

لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.

ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.

ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.

لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.

الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟

قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته

اللقاء الأخير

كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!